* يا طير يا ضاوي ..!

Wednesday 24 June 2020 3:32 pm
----------
  صحفي.. مهنته التنقيب عن المتاعب .. و استحضار فراسة الملاعب .. والغوص في أحشاء فنون المصاعب .. أورثته اللحظة كآبة المنظر .. يهرب من ظله نحو شبح دهشة .. شبح شجرة .. شبح إنسان .. مفكرته وجدان يتآكل .. و ذاكرته حمضية ملحها لا يدود .. الدهشة وحدها جواز سفره نحو عالم الوثوقية .. حتى عندما يطير طائره من عنقه.. يترك خلف مسيره أثرا لدهشة ليس لها أرض أو وطن أو عنوان ..
   من يرثي الصحفي أو الكاتب حيا ..؟
  مفردة ضالة لا صحراء لها على قلبه المجدب .. أم دواة طلقت القلم بالثلاثة في زمن آله صماء بلا روح ..؟
  من يرصد ذبذبات صحفي سئم تكاليف الحياة .. ولم يعد في جراب السنين سوى صدى لعويل لا ينقطع ..؟
   الزميل العزيز فؤاد باضاوي .. التصق بالكتابة حتى صارت حماه التي تزوره ليلا كأن بها حياة .. ملاريا تقاسمه دورته الدموية .. تلازمه فرحا و ترحا .. و تشاطره فاتورة التهاب المفاصل والأعصاب ..
   ثلاثون عاما وفؤاد يغتسل من زلال فلسفته مع الكتابة المتنوعة .. رياضة .. فن .. ثقافة .. قضايا اجتماعية ..
   لم يغب عنه قمر الدهشة يوما .. مثله مثل أي مفكر حضرمي .. صادق إلى درجة الغيرة .. غزير إلى درجة الطوفان ..
  يسألني فؤاد باضاوي بعد أن  لبث في محراب صاحبة الجلالة  سنين عددا .. طرح خلالها عسلا دوعنيا مستساغا من سلاسة مفرداته وروحه الطيبة البريئة وأعماله المتنوعة ..
  لماذا نرثي ميتا ببكائية خنسائية .. و نبخل عليه بحبة رمان واحدة و هو حي يرزق؟
  يعتزل لاعب الكرة .. تقام له الاحتفالات و المهرجانات و أعياد النيسانات .. أسأل يا فؤاد والسؤال لغير الله مذلة :
   من الأحق بالتكريم .. كاتب يحرك الرأي العام بالقلم .. أم لاعب يستثير الهمم بالقدم ..؟
   إنها إشكالية عالمية يا فؤاد..  ليس لك إلا أن تحترق وتموت بين دفاتر أشعارك .. ليس لك إلا مرثية يحملها بساط الريح في لحظة يتم فيها ضغط مشوارك في فيمتو ثانية .. كما قال العالم الكيميائي أحمد زويل ..
   ثلاثون عاما .. وفؤاد يتنقل في الصحافة ما بين أغصانها رايح وغادي وأن هزه الشوق فر ..
  لكن إلى أين المفر يا أيها الطائر الضاوي المحلق في سماوات الإبداع لثلاثين عاما أو يزيد ..؟
   لا تسأل في رحلتك عن آلام التوجس و مخاضات التلبس .. فقط كن أنت .. و اطو مسافات الزمن في يمينك .. دعها لمن يزنها يوم ترجف الراجفة التي ليس لوقعتها كاذبة ..
   قدرك يا فؤاد .. أنك تحمل معولا و تهوي به على الذات و  النفس و الهوى .. قدرك أنك في نظر الناس مرآة مصقولة يرون فيها حكاياتهم وقصصهم .. محرم عليك النظر إلى ذاتك .. محرم عليك الإصغاء لعصافير قلبك و قفصك الصدري .. قدرك أنك مثل شمعة تحترق على محراب الآخرين لتنير دروب غيرك .. قدرك أنهم يغتصبون مشاعرك .. يستهلكون صحتك .. يستمتعون بما تطرح في بروج مشيدة ..
    هذا قدر كل صاحب فكر .. يعيش صخب الغابة .. يفتت حصانة السحابة .. يرشد الأمة المهابة .. يترك مغريات الحياة لقطيع الارتزاق و الرتابة ..
    هم يتعطرون برائحة البترول .. وجوه قصديرية بلا ملامح .. يورثونا فضائحهم و هموم مجتمعاتهم .. يطلبون منا الحلول بداعي التوعية ..
   أنت يا فؤاد .. كاتب .. عطره مداد كلمات .. و زاده بحر مفردات .. شرابه عرق .. دموع .. وأوجاع لا ترحم .. فما أصعب أن تمارس عبادة التفكير .. وغيرك يلتهم الفكرة .. ثم يخفيها في مخلفات برازه ..
   لحظة يا فؤاد .. فقد أيقظت في داخلي مارد الغضب .. يموت سياسي دجال .. منافق .. باع ضميره في مزاد التلون الحربائي .. تنكس له الأعلام حدادا .. و تفرض له جنازة رسمية .. يرغم الشعب على حضورها .. يأتي شعراء النفاق يعددون محاسنه بلا خجل ..
   الكاتب الذي أورث بلده مجدا و فكرا و عطاء" .. يموت منسيا في غربته أو عزلته .. يبخلون عليه حتى ببيان نعي في الجريدة الرسمية .. يآخي التراب سرا .. و لا ترثيه سوى أعماله التي يتذكرها القوم إذا جد جدهم ..
    فؤاد نموذج للخذلان .. استسلم لمشارط الأطباء .. تجولت السكاكين داخل قلبه .. حفرت على نياط قلبه أخاديدا من الآلام .. هل هناك من طيب خاطره .. بكلمة .. بمهسة .. بزيارة ..؟
  فؤاد محبط مثله مثلنا .. يسأل : لماذا ينال جزاء سنمار حيا ثم سيبكونه ميتا بدموع التماسيح ..؟
    هذا نصيبنا يا فؤاد .. لا أحد سيتذكرنا بزنبقة حب .. و لا أحد سيطبب جرح الليالي الحالكات السواد .. نعم يا فؤاد صار العلم اليوم و البطولة في القدم .. و لا عزاء لمفكر وكل صاحب قلم ..
   فؤاد باضاوي .. يا عزيزي .. كن كما أنت.. طائرا يهوى التحليق في الأماكن العالية و المرتفعة .. حدق في السماء .. فحتما سترى ذاتك تبكيك .. وضميرك يحتويك .. و أعمالك ترثيك حيا .. ففي وطن البوم و الغربان و الجراد لا كرامة لمبدع في وطنه ..!