يورو 1960: "عصابة ياشين" تقود الاحتلال الشرقي لباريس!

Monday 30 November -1 12:00 am
يورو 1960: "عصابة ياشين" تقود الاحتلال الشرقي لباريس!
----------
تلك العين التي تراقب الكرة القادمة من الجبهة اليسرى اليوغسلافية كانت تعلم التوقيت المناسب للخروج والتصدي لها قبل الوصول لرأس ميلان جاليتش، الذي كان يتحدث عنه معلق الجريدة السينمائية السوفييتية الأسبوعية بحماس كبير ، تلك العين كانت لجسد فارع يرتدي الزي الأسود الكامل وقبعة رأس تقليدية تعود لزمن الثلاثينات ، المعلق السوفييتي كان يكتفي بلقب الأخطبوط ، ولكن كل من كانوا يشاهدون تلك الجريدة في عرض مفتوح بأحد مدارس كييف، ومنهم أوليج بلوخين في عامه الثامن، كانوا يعلمون أن أسمه ياشين..ليف ياشين.
أوليج الصغير كان يعلم النتيجة مسبقاً خاصة أنه استمع لتلك المباراة من قبل في المذياع، ولكن الهجمات المتوالية للفريق اليوغسلافي في ذلك النهائي في باريس لم يكن يتصورها بتلك الخطورة ، جعلته يمسك بمقعده الخشبي ، كان قلقاً بشكل غير مفهوم إزاء الفوز بأول لقب كبير لوطنه السوفييتي الكبير ، أن يكون منتخبه بطلاً لأوروبا ، تلك القارة التي طالما لفظت ذلك العملاق الكائن في الشرق ، ذلك الكائن الدخيل دوماً على القارة العجوز ، بلوخين يستيقظ من أحلام اليقظة الخاصة به ، مطالباً زميله في المقعد المجاور بأن يعير بعض الاهتمام للاعب مجهول اسمه فيكتور بونديلنيك، سيكون بطلاً قومياً في نهاية تلك الجريدة المصورة.

بلوخين المولع بكرة القدم كان متابعاً لأحداث أول بطولة لأمم اوروبا منذ أول مباراة لها في التصفيات، والتي كانت بالصدفة في ملعب لينين المركزي بموسكو، بين فريق بلاده وبين ضيفه المجري ، وذلك في سبتمبر 1985 ، ثلاث سنوات بعد وفاة هنري ديلوني الفرنسي سكرتير الاتحاد الدولي السابق، وأول من اقترح فكرة تنظيم كأس لأمم أوروبا عام 1927 ، السوفييت افتتحوا مشوارهم بفوز مهم ذهاباً 3 – 1 على فريق مجري بقيادة فذ اسمه فلوريان ألبرت، سيحصد لاحقاً برونزية كرة القدم في ألعاب روما 1960 ، السوفييت عادوا من لقاء العودة في بودابست بفوز مجدد بهدف نظيف، أحرزه أحد أبطال بلوخين الصغير في كييف يوري فوينوف ، ليحجز أصحاب القمصان الـ CCCP الحمراء مقعدهم في دور الثمانية، لملاقاة الإسبان على أمل خطف بطاقة التأهل للمربع الذهبي، الذي تقرر أن تستيضفه دولة بعينها في بطولة مجموعة مصغرة.

كان السوفييت على موعد متوقع مع الصدامات السياسية خلال مشوارهم في البطولة وذلك أمام "إسبانيا – فرانكو" ، حيث رفض الديكتاتور الإسباني المتبني لسياسات يمينية خالصة السفر إلى معقل الشيوعية الأول ، وذلك رغم الفرص العريضة التي كانت في يد منتخب إسباني كان يضم بين صفوفه ديستيفانو ، كلاوديو سواريز ، خينتو ، فائزاً بثلاثية نظيفة ودياً على نظيره الإنجليزي ، ذلك الأخير الذي غاب عن قافلة الـ 17 منتخبأ الذين دخلوا غمار أول بطولة قارية إلى جانب الكبيرين الألماني والإيطالي.

تأهل السوفييت إلي المربع الذهبي للبطولة، بعد اعتبار الإسبان خاسرين بداعي الانسحاب، لم يكن إلا مقدمة لسيطرة كاملة من أوروبا الشرقية خلال مشوار التصفيات ، منتخب يوغسلافي يطيح في طريقه بالمنتخبين البلغاري والبرتغالي ، ومنتخب تشيكوسلوفاكي تخطى المنتخب الإيرلندي في مواجهة عصيبة بالدور التمهيدي، قبل أن يطيح بالدنمارك (فضية روما 60) في الدور الأول، ومن بعدها اكتساح رومانيا في ربع النهائي ، وحده كان المنتخب الفرنسي هو المنتخب الغربي الوحيد الذي حجز موقعه في الرباعي الأخير، متجاوزاً بدوره منتخب اليونان والنمسا على التوالي ، ليقرر الاتحاد الأوروبي إهداء فرنسا تنظيم الدورة الرباعية بمدينتي مارسيليا وباريس ، ربما في فرصة ذهبية لتتويج جيل ريموند كوبا وفونتين وجان فينسينت وبيرنار رايي بلقب يعوض الاكتفاء ببرونزية مونديال 58 في السويد.

ذلك الاعتقاد الفرنسي الساذج اصطدم بعصابة شرقية ستشكل مستقبل الكرة الأوروبية خلال عقد الستينات ، بقيادة منتخب سوفييتي حاصل على ذهبية ألعاب ملبورن قبل أربع سنوات ، بلغ دور الثمانية في السويد 58 ، والذي التهم في نصف النهائي الأول في مارسيليا نظيره التشيكي بثلاثية نظيفة، بتوقيع ثنائي الهجوم الداهية فالنتين إيفانوف (هدفان) وزميله بونيدلينك، الذي كان أول لاعب روسي من القسم الثاني يجد مكانه في التشكيلة الوطنية ، وهو القادم من نادي روستوف أوندون ، ولعل ذلك كان إنذاراً مبكراً في ظل تخطي منتخب تشيكي سيكون وصيفاً لبطل العالم في مونديال 62 لاحقاً ، بجيل يضم بين صفوفه ميلان دولينسكي وجوزيف ماسوبوست وتيتوس بوبيرينك والحارس فيليام شرويف إلى جانب جوزيف فويتا ، والذي أهدر ركلة جزاء بعد تاخر فريقه بالثلاثية أمام الأخطبوط ليف ياشين ، والذي وصل بفريقه إلى النهائي مستقبلاً هدفاً واحداً في ثلاث مباريات.

ملعب حديقة الأمراء الباريسي كان على موعد مع أحد كلاسكيات البطولة على مدار تاريخها ، فالنتيجة بعد مرور ربع ساعة فقط كانت تشير إلى التعادل 1 – 1 بين أصحاب الأرض ونظرائهم اليوغسلاف ، إلا أن حلم الجمهور المحلي بدا في المتناول بهدف مباغت قبل نهاية الشوط الأول عن طريق فرانسوا إيوتيه ، ومن بعده ماريان فيزنييسكي في الدقيقة 53 ، ورغم تقليص أنتي جانيتيش الفارق بعدها بدقيقتين فقط فان إيوتيه عمق التقدم الفرنسي بشكل بدا حاسماً في الدقيقة 62 ، تحضيراً لأول نهائي ستخوضه الكرة الفرنسية في أي بطولة كبرى.

الربع ساعة الأخير من تلك المواجهة هي واحدة من أفضل عمليات قلب الطاولة في تاريخ المسابقة، بفضل ثلاثية متتالية من توماس جنيك من نادي بوراك لوكا المحلي المغمور في الدقيقة 75 ، تبعه نجم دينامو زغرب درازان يركوفيتش بهدفين في دقيقتين متالييتين 78 و 79 في شباك جورج لاميا ، في تكرار لسيناريو مشابه لما عاشه الحارس كلاوديو أبييه أمام البرازيليين قبل عامين في السويد ، باستقبال خماسية مماثلة في ثمن باهظ للاندفاع الهجومي الفرنسي المعتاد.

لم يكن نهائي حديقة الأمراء يوم 10 يوليو يمثل طموحاً كافياً لرفاق ميلان جاليتش، الذي ضاقوا ذرعاً بلعب ادوار ثانوية رغم لمعان جيلهم على مدار حقبة الخمسينات ، ما بين الوصول لربع نهائي مونديال 54 و 58 قبل خروج مكرر على يد الألمان ، وبين حصد فضية ألعاب ملبورن بعد السقوط أمام نفس المنافس الذي سيلاقونه في أول نهائي لأمم أوروبا ، ورغم البداية المبهرة لياشين في دفاعه عن مرماه على مدار 43 دقيقة من الضغط اليوغسلافي في الشوط الأول ، فأن جاليتش نفسه استغل عرضية متقنة من يركوفيتش ، ليضعها مهاجم بارتيزان بلجراد على يسار الأخطبوط ذي الرداء الأسود، فيما كان يعتقد بأنها قمة لن يفرط فيها اليوغسلاف بأي حال.

الشوط الثاني عرف رد فعل سوفييتيا سريعا بقيادة فالانتين بوبوكين، الذي هدد الحارس اليوغسلافي بلاجويي فيدينيتش في أكثر من مناسبة ، وكانت المكافأة سريعة بافتناص سلافا ميتريفيلي نجم توربيدو موسكو لكرة مرتدة من فيدينيتش نفسه بعد أربع دقائق من انطلاق الشوط الثاني ، إلا أن هذا لم يمنع اليوغسلاف من الصمود حتى الدخول في وقت إضافي ، وهو الوقت الذي كان فيه حاملو الذهب الأولميبي في ملبورن الأفضل بدنياً، بفضل عرضية من إيفانوف، استقبلها بونديلينك برأسه على يمين فيدينيتش الثابت في موقعه ، مدركاَ أن هذا هو هدف الحسم السوفييتي في ظل الدقائق السبع الباقية.

في العودة للوطن كان الملايين من الأطفال السوفييت من نفس عمر بلوخين يتهافتون من أجل مشاهدة الجريدة السينمائية التالية، والتي كانت بالكامل تعرض تكريم منتخب بلادهم في استاد لينين المركزي في ذلك اليوم المشمس من يوليو ، حيث يظهر قائد الفريق إيجور نيتو برفقة كأس ديلنوي الأول ، في نفس الملعب الذي عرف بداية مشوارهم قبل أقل قليلاً من عامين أمام المجر.