قصة انسانية.. إلى سعادة "السفير القطري" بصنعاء: أعد لهذه الشابة حياتها ( وثائق وصور صادمة)

Monday 30 November -1 12:00 am
قصة انسانية.. إلى سعادة "السفير القطري" بصنعاء: أعد لهذه الشابة حياتها ( وثائق وصور صادمة)

-هدى:

– مصطفى غليس – خاص:
----------
حين قبضت على مغلاق الباب لفتحه, لم تكن الطفلة "هدى" تعلم, وهي في عامها السابع, أنها ستلج إلى الغرفة الجحيم, ولم يخطر على بالها أنها ستغادر تلك الغرفة محمولة على الأذرع, فاقدة لوعيها ولحياتها كإنسانة طبيعية.

دون جدوى, تحاول (هدى. ع. ح)  أن تخفي تفاصيل الأنين الزاحف من حناياها.. بأن تكفكف دموعها المسفوحة على خديها لتروي حكايتها المؤلمة لـ" المشهد اليمني" لكن العبرات تخونها, كلماتها هي الأخرى كانت تختنق وتحاصرها آهات, تتصاعد بعد كل كلمة ودمعة.

في حكاية هدى, وقد صارت اليوم شابة (23 عاماً) , مأساة تعتصر لها القلوب, وتئن المواجع من فرط الوجع وكم كنت أتمنى لو أنني وثقت حديثي معها بالفيديو لتلاحظوا كيف شحب وجهها وتغيرت ملامحها حين طلبت منها أن تسترجع لحظات ووقائع حادثتها المفجعة في "غرفة الجحيم" كما أسمتها.

كانت الغرفة المظلمة مكدسة بأصابع الديناميت وأكياس البارود, التي تعود ملكيتها لزوج عمة هدى, ويستخدمها في تفجير الصخور لاستخراج أحجارٍ لبناء المنازل في منطقتهم التابعة لمحافظة حجة.

ترتجف هدى حين تتذكر تلك اللحظات. "كان الظلام قد خيم حين ذهبت لتلك الغرفة المتكدسة بأشياء لا أعرف ما هي فلم يسبق لأحد أن أخبرني أو حذرني منها.. تقول هدى وتصمت لبرهة, مضيفة, "أشعلت عود الكبريت لأجد ما ذهبت لإحضاره.. انفجرت الغرفة وخطف النور الساطع بصري, ومن حينها لم أجد نفسي".

لا تتذكر هدى ما جرى لها بعد تلك اللحظات المروعة, دخلت في غيبوبة, وبعد ثلاثة أيام استيقظت وهي على سرير المستشفى الذي أسعفت إليه. تقول هدى "صحوت وقد التهمت الحروق وجهي وعاث الانفجار في جسدي, وأفسد هيئتي وصورتي وقيد أطرافي, ومن حينها أصبحت إنسانة مشوهة الظاهر, ومكسورة النفس بداخلي".

تواصل هدى حديثها بألم وحسرة " لاحقاً علمت أن سبب الانفجار كان ديناميت زوج عمتي, وحين حضر البحث الجنائي للتحقيق في الحادثة تكتم الجميع على الموضوع وكنت أنا الضحية ". وتضيف" كان زوج عمتي ميسوراً ويستطيع علاجي في حينها لكنه لم يفعل, الجميع تخلوا عني بما فيهم والدي, غادرت المستشفى إلى البيت, فساءت حالتي وزادت تشوهاتي وتصلبت يداي, وبعد فترة أجريت لي عدداً من العمليات في مستشفى الثورة ومستشفى الكويت لكنها لم تجدِ نفعاً.. عدت للبيت وفيه بقيت حبيسة وجروح أعماقي من خذلان أهلي أشد وأنكى على نفسي من تشوهات وجهي وأطرافي".

كبرت هدى بمرور السنين ومعها كانت تكبر أحزانها ومخاوفها من مواجهة الواقع والناس, " كنت وما زلت أخجل من الاختلاط بالناس وأخشى مواجهتهم بهيئتي الحالية فقد تحولت إلى ما يشبه المسخ" تقول هدى, وتضيف" انا مؤمنة بالله وأدري أن ذلك كان قضاءً وقدر, ولكنه دمر حياتي ومستقبلي وجعلني حبيسة المنزل حتى اليوم".

بعد أن نضجت وأشتد عودها بدأت هدى بالتفكير جدياً في استعادة حياتها الطبيعة, فزارت عدد من الأطباء المتخصصين, وكلهم صدموا من سوء الحال التي وصلت إليها هدى وحجم التشوهات التي لحقت بها وزادت جراء العمليات التي أجريت لها من قبل أطباء غير مختصين , وبعد معاينة حالتها كانت إجاباتهم متشابهة "لا حلول لدينا ولا نستطيع أن نقدم لك شيئاً.. علاجك في الخارج".

توجهت هدى لوزارة الصحة ولم تستطع لقاء وزير الصحة السابق, وبعد أيام من الانتظار على بابه أحيل ملفها على اللجنة الطبية العليا, وهناك أجمعت اللجنة بكامل أعضاءها على ضرورة سفر هدى للعلاج في الخارج, لكن اللجنة إياها رفضت معالجتها على نفقة الدولة لارتفاع تكاليف العملية, وخرج تقرير اللجنة بضرورة علاجها في الخارج.. ولكن على نفقة فاعل خير!!!.

ليست هدى الوحيدة فضحايا الحروق في اليمن كُثر, ومآسيهم لا حصر لها ولا حدود, ممتدة بامتداد أوجاعهم وأنفسهم المكسورة, من التشوهات الخلقية التي تلحق بهم, في ظل دولة تفتقد لأبسط الإمكانيات لمعالجة مثل هذه الحالات, ولا تخصص دعماً وميزانية مناسبة لإصلاح ما أفسدته حوادث الدهر وما أكثرها في اليمن, وتزداد المعاناة والألم حين تكون الضحية أنثى, وتصل المأساة إلى ذروتها حين تكون الأنثى من أسر معدمة تكابد ظروف العيش وبالكاد يحصل معيلوها على قوت يومهم, فكيف بعلاج ابنتهم من حروقها وتكاليف علاج الحروق وأدويتها باهظة الثمن, يعجز عنها الميسورون أحياناً, فكيف بإبنة الفقير..  إنها ببساطة تخسر كل شيء.

هدى من أسرة فقيرة, ولها حكاية أخرى فقد تركت أبيها بعد أن شعرت بخذلانه لها وتقصيره في حقها, لتلتحق بأمها التي طلقها أبوها لتعيش معها وفي كنف أسرة جديدة محدودة الدخل وغير قادرة على علاج هدى, فما الحل؟؟. تجيب هدى" بعد أن تأكدت أن علاجي ما زال ممكناً وأن الأمل كبير في استعادة وضعي الطبيعي  حاولت التواصل مع عدد من الجمعيات ورجال الأعمال في اليمن لأناشدهم العون والمساعدة .. أخبرتهم أن العلاج ممكن ولكن تكاليفه باهظة ولا أستطيع تحملها لأن حالتنا المادية صعبة جدا, لكن أيا من تلك الجمعيات أو رجال الأعمال ألتفت لحالتي".

لم تيأس هدى من هكذا إجحاف مجتمعي بحقها ونكران لحقوقها كإنسانة تطالب باستعادة حياتها الطبيعية, كغيرها من البنات اللاتي يحلمن بالوظيفة والزواج وتكوين أسرة سعيدة مع شركاء حياتهن, لكنها لا تفضل الحديث في هكذا أمور، إنها باختصار "أحلام مؤجلة" كما تقول هدى, والأهم الآن أن تستعيد ملامحها كإنسانة لتنهي عزلتها التي تعيشها بين جدران المنزل, خوفاً من الاختلاط بالناس, وخشية من سخريتهم التي لطالما قابلتها في كل مكان تذهب إليه.

وفي سبيل الخروج من تلك الحالة الموجعة بحثت هدى عن حلول جديدة وفتحت لنفسها طريقاً آخر وآمالها عريضة أن تجد من يعينها على وضع حدٍ لحياتها البائسة حسب تعبيرها" جلست أسوي جمعية 4 سنوات لأشتري كمبيوتر وخط إنترنت لأتواصل مع العالم الخارجي وأنشد مد يد العون لي, لكن باءت كل محاولاتي بالفشل حيث أن لا أحد مد لي يده مادياً أو معنوياً.. باختصار لقد تعبت من هذه الحياة وأتمنى لو أن ساعتي تحين اليوم قبل غد".

هكذا وجدت هدى نفسها في معركة بشعة مع الفقر والمرض, لا سلاح لها فيها إلا الصبر الذي بدأ يفارقها لتوه, خصوصاً وأن حالتها المرضية – جسدياً ونفسياً- تسوء يوماً إثر آخر, بعد أن خذلها الجميع ابتداء بالجاني الذي أوصلها إلى هذه الحال وأسرتها المغلوبة على أمرها, ومروراً بحكومة عاجزة عن توفير أبسط حاجيات مواطنيها, فيما تذهب مليارات الخزينة العامة لجيوب نافذين وفاسدين, وانتهاء برجال أعمال لا يعرفون سوى جني المزيد من الأرباح دون الالتفات للجانب الإنساني والمسؤولية المجتمعية وجمعيات ومنظمات مدنية كل هم القائمين عليها كيف يعيشون ويحصدون دعم المانحين والهبات والتبرعات الخيرية بمشاريع وهمية وبرامج سطحية وكل ذلك على حساب أوجاع المواطنين وبأسمائهم دون الالتفات لمعاناتهم الحقيقية وليس بالضرورة أن تكون هدى أحدها فالمآسي كثيرة في بلادنا وأكثر منها تلك المنظمات الخيرية العقيمة.

هدى تنظر الفرج وتأمل كثيراً أن تستعيد حياتها.. لكن أسرتها تخشى – كما أخشى أنا – أن لا يطول انتظارها لمن يد يديه البيضاء لإنقاذها فقد ضاقت بها الحياة.. ولهذا وجهت هذه المناشدة العاجلة لسعادة السيد محمد بن حمد الهاجري سفير دولة قطر باليمن, أما لماذا السفير القطري دون غيره؟ وهو السؤال الذي أظنه ظل حاضراً في ذهن القارئ منذ وقعت عيناه على العنوان. فالإجابة ببساطة هي: أننا نرى فيه كل الخير.. وإنّا لمنتظرون.

للتواصل مع:

* هدى – 770894942

* رئيس التحرير – 738132222

* المحرر - 735100040