عيدروس .. ملهم القدم والقلم !

Monday 30 November -1 12:00 am
----------

 شيء ما فيه يحرضك على ملازمة الليل والبحر في (صيرة) ، دائما يبحر بك بسفينة ابداعه التي حوت من كل زوج أثنين ، تقفز من سفينة عالمه التي استوت على الجودي فيتلقفك (حوت) عطائه ماكثا في جوف لآلئه بعدد ايام (يونس) دون ان يلفظك الارهاق أو التعب .

الاستاذ (عيدروس عبدالحمن) نجم ساطع في سماء ملعبه الرياضي ، يتلاعب بيراعة في مربعات الصحف بقريحة شاعر المدرجات ، ويعزف بأنامله الذهبية سيمفونيات خالدة لا أظنها تقل ابداعا عن سيمفونيات (بيتهوفن) ، ظل لسنوات طويلة يمارس (جلده) للذات الخادعة بحس شاعر لم يسأل يوما نفسه النقية :بأي حال عدت يا عيد .

ولد (عيدروسنا) في زمن (التعليب) ، طرق أبواب المدينة الفاضلة في وقت مازال فيه حرب النجوم مجرد مصطلح تنازع بين البلاشفة والمناشفة ،لكنه سبقهم في الانفتاح على عالم فيه الحرية لا سقف لها ، لم يبال بجراد وبوم الانغلاق السياسي ، فسرعان ما شيد لقلمه الراعف سحرا (منارة)ليس لها ظلال ، استوطن عالمه بشهية محترف وفي محرابه ظل يناجي ربه الذي علم بالقلم أن يلهمه زاد التفرد والتفوق ، فسكب في عيون عشاقه قصائد مقفاة ينهل منها السائل و المحروم .

بقي (عيدروس)يوزع حلوى ابداعه في كل مكان ، يومها كنا نتنفس من مسامات مقاماته الرفيعة ، وكنا نستنشق اكسجين الحرية من انفاسه الصاعدة و الهابطة ،كان (عيدروس) في زمن الرفاق قناتنا المقروءة ، نتسابق ونحن على مقاعد الدرس صباحا للافطار على مائدة التي لم تخل يوما من المن والسلوى .

وعندما تحرر من قيوده كانت اسرابا من الصحف القرطاسية قد ولدت ، وكلها كانت تطارد (عيدروس) في احلامه ، ولم يكذب خبرا فاض طوفانه الابداعي وغطى مساحات شاسعة من التغطيات والتناولات البارعة، وبقيت عناوينه مادة مقررة في كبرى الجامعات .

تطاول ليل الاجحاف عليه حتى حقق الرقم القياسي في الانتظار محطما ليل أمرئ القيس ، تفوق على امام البصرة الزميت (ابن سوار) وهو يوزع خطاب عطائه على قوم يأجوج ومأجوج ، وهم يسرقون الاوسمة والنياشين من عصابة (طاهش الحوبان) ولم يقنط او يملأ بحر (رجرج) في صنعاء القديمة قواقعا من الاحتجاج والتذمر، بل كان يبتسم في وجه كل من يسطو على حقوقه الابداعية عملا بنصيحة اسداها له (نابليون بونابرت) :ابتسم في وجه المنتصر المزيف تفقده لذة نصره.

مر (عيدروس) بسنوات عجاف زادت عن سبع يوسف ، لكنه عاش مع محبيه ومعجبيه سنوات سمان كانت بمثابة فترة ذهبية لربيب القدم والقلم ، لم يبخل علينا يوما وهو يرسم لوحات نصره ونصيره بتلقائية الشهد والدموع ، ولم ينكث يوما وعدا قطعه على محبيه وما اكثرهم وهم يتوزعون على مساحة مد البصر ، بقيت مفرداته النابضة والحية عسلا ودواء لعلة من يرشفه ،كما بقي في عيون تلاميذه وأنا واحد منهم ماء رقراقا سلسبيلا صافيا نتجرعه فنرتوي ولا نعطش ، وكلماته

المعطرة بتوابل (الزعفران) تفوح في كل جبال ووادي فهو بالنسبة لنا متذوقي رغيفه الساخن مائدة تطفح بما لذ وطاب نلتهمها بشهية وشراهة (أشعب) ، كيف لا وهو من يذر في عيوننا حلو الكلام القادم من تجاويف زمن حضارة اسلامية علمت العالم فنون المفردة ذات الكعب العالي.

 وفرصة مواتية لأن أهمس في أذن العزيز (محمد جميل عبدالقادر) رئيس الاتحاد العربي للصحافة الرياضية قائلا: احسنت الاختيار هذه المرة فقد كانت أخطاء اتحادك مثل زبد البحر ، وتكريمك لقامة جنوبية عدنية في هذا التوقيت رفع عنك العتب فعفونا عنك في زمن تحتل فيه المجاملات مساحة في اتحادكم الذي ظل يغرد خارج سرب المبدعين من الرعيل الأول ، مبارك لعيدروس وسام التقدير وقد جاء متأخرا ، ومبارك لنا نحن أحباؤك وقد شاهدنا تكريمك في دوحة الخير بعيون مستبشرة بحق لم يضع وخلفه مطالب معجبيك ، ولا عزاء لنوبات الارتعاش التي اصابت البوم والجراد في وادي غير ذي زرع !