توزيع غنائم معركة لم تنته في تعز

Monday 30 November -1 12:00 am
----------
لم تنته بعد المعركة حول السيطرة على تعز بين الحوثيين والطيف المتباين من الخصوم المنطوين تحت راية المقاومة في تعز، حتى بدأت المعركة في تعز حول توزيع الغنائم أو النفوذ في المدينة على وقع التقدم العسكري الكبير الذي حققته قوات الشرعية والتحالف في المخا الواقعة شرقي تعز.
هذه المعركة المخجلة بين اطياف المقاومة في تعز لا علاقة لها بتبادل الاتهامات بين طرفي الصراع (حزب الاصلاح الاخواني والسلفيين) ويظل هوس الاستئثار ليس حكراً على الجماعات الدينية في اليمن كما يتصور البعض، لكنه أيضاً ليس أكبر المشاكل.
هذه الأزمة تيجة طبيعية ومتوقعة لغياب حضور الحكومة الشرعية – كالعادة- حيث لا يتواجد في تعز محافظها علي المعمري رغم تحرر جزء كبير من مناطق المدينة التي كان يفترض أن يمارس فيها مهامه ويعيد حضور الدولة. في اليمن لا تنتهي المشكلة عندما ينهزم الحوثي وينسحب بل تتفاقم بسبب خواء الطرف الثاني وغياب ارادته السياسية. صحيح إن مشروع الدولة واستعادة عمل الحكومة يحتاج لقوة مسلحة منظمة وموالية وهي عملية ليست سهله بعد تمزق الجيش اليمني وتدمره جراء العبث والحربين الأهلية والإقليمية، المأزق الحقيقي ليس في غياب قوة القسر المطلوبة للدولة بل في غياب الإرادة السياسية المتمثل بغياب حضورها وسط الناس.
احتياج المجتمع للدولة يحميها اكثر من القوة المسلحة لو توفرت الإرادة السياسية وحضر ممثلي الدولة في تعز وعدن ليعانوا مع الناس ويحاولون حل مشاكلهم، هذا الحضور بذاته يعطي للحكومة شرعية تظل أهم من شرعية الأمم المتحدة وهي الشرعية الوحيدة القادرة على حماية اليمن من ارتدادات الحرب وطوفان الفوضى المخيف.
يظل غياب الإرادة السياسية ومعه غياب الشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع الحقيقة الأبرز في كل المناطق التي تعيش مرحلة ما بعد الحوثي، وهذه أزمة لا توجد فيها اعذار ومسببات سوى غياب قيادة سياسية لديها شعور بالاحساس والمسؤولية الوطنية أو تمتلك مشروعاً سياسياً حقيقياً للدولة اليمني. وكذلك ضعف الأحزاب اليمنية سواء بسبب بؤس قياداتها أو اعتيادها على العمل بمنطق العامل بالأجر اليومي الذي لا يستطيع التفكير بأكثر من يومه وليس غده ولن أقول حتى التفكير بالمستقبل القريب. لذا تظل هذه الأحزاب اسيرة رد الفعل ولا تقوم بأكثر من دور اطفائي الحرائق التي لا تكف عن الاشتعال.
ضعف القوى السياسي ساهم من جهة في هذه الإداء الضعيف للحكومة الشرعية وكذلك فاقم من خطورة نتائج غياب الحكومة الشرعية مخلفة وراءها الفوضى،لأن السياسة لا تعرف الفراغ الذي سرعان ما يملأه الكثير من القوى الدينية والميلشاوية المتصارعة، التي تفتقد جميعاً الشرعية. لا يعالج هذه المشكلة بسهوله حضور الشرعية المتأخر بدون قوة قسر وتآكل شرعيتها بفعل الغياب حيث تكون حالة الفوضى ترسخت و سلطة أمر واقع فرضتها ميلشيا هنا وأخرى هناك.
في هذه الحرب ضد الحوثي لا يتحمل المسؤولية فقط الطرف اليمني وإن كان له النصيب الأكبر بل أيضا ً طرف التحالف المتدخل عسكرياً برؤيته السياسية المختلة والغائبة في اليمن. ففي مدينة تعز بالذات اعلن لواء عسكري من الجيش موالاته للرئيس هادي منذ اللحظة الأولى ورغم هذا لم يتلق أي شكل من اشكال الدعم مقابل حصول الميلشيات السلفية على جل الدعم المالي والسلاح. بالتأكيد التعامل مع قوة مسلحة منظمة ووطنية مثل لواء جيش كان سوف يسهل كثيراً من مهمة تحرير تعز، وكان بالتأكيد سوف يقلل من احتماليات الفشل السياسي لمرحلة ما بعد الحرب والتي تعد اضراره ومخاطرة على اليمن دولة ومجتمع شديدة القسوة ولا تقل عن قسوة الحرب ذاتها.
الميل لدعم الجماعة السلفية يعزز من حالة اللادولة في اليمن ويبقي اليمن مساحة جغرافية مضطربة وخطيرة لجيرانه من دول الخليج المتدخلة بالشأن اليمني وبعضها صار رأس حربة في القتال الدائر. تميل دول الخليج -وتحديداً السعودية- للتعامل مع اليمن من زاوية القبيلة والدين وليس مؤسسات الدولة، هذه السياسة تعكس رؤية دول الخليج لنفسها ولليمن، وقد ثبت فشلها حيث كانت احد اهم اسباب انهيار الدولة اليمنية واستمرار هذه السياسات سوف يؤدي لمزيد من المشاكل.
تخبط سياسيات التحالف لم تنته عند هذا الحد، فدولة الإمارات قامت بتقوية شوكة ميلشيا أبي العباس في مواجهة ميلشيا حمود المخلافي بسبب توجهات المخلافي الإخوانية، وسعت لترحيل المخلافي من اليمن لتركيا. وبغض النظر عن كلا الطرفين، فهذا الصراع افتتح شرارة التنافس الهزلي على توزيع غنائم معركة لم تنته بعد.
التحالف ومعه الحكومة الشرعية تحمسا بشدة لفتح جبهة تعز بحجة استنزاف الحوثي وقوات صالح في الجنوب، وبعد انتهاء معركة الجنوب. صار الدعم لمعركة تعز يضمن استمرارها للحفاظ على الانقسام داخل الشمال لضرب مصداقية كل شعارات الحوثي الوطنية في مواجهة التحالف، لكنه في ذات الوقت دعم لا يسمح بحسم المعركة لصالح المقاومة بسبب الخشية من استخدام تعز ورقة ضغط يعزز وضع الاخوان المسلمين السياسي أو لأن حضور تعز السياسي القوي سوف يخلط اوراق العملية السياسية المنقسمة بين ثنائية الشمال والجنوب.
هذا الشكل من الحسابات المتضاربة يكشف حجم التخبط السياسي وكذلك الاستهتار بالكلفة البشرية لهذه الحروب التي تلقي بظلال ثقيلة على المستقبل، خاصة مع استخدام ادوات القبيلة والدين في مركز حضري يسكنه قرابة مليون نسمة وهو المركز الحضري الأكثر كثافة باليمن والأكثر تعداداً بعد صنعاء وعدن.
ثنائية القبيلة والدين باعتبارها ادوات التحالف المفضلة سوف ينتج عنه كارثة في المراكز الحضرية باليمن، التي لا تستطيع العيش بدون مؤسسات دولة. فمحافظة مأرب كمنطقة قبلية نجحت في في تحقيق نموذج جيد للحكم الرشيد مع وجود شخصية قيادية ذات شوكة قبلية مثل سلطان عرادة لكن هكذا حلول لا تنجح في المدن مثل عدن وتعز التي تحتاج للدولة ولا يمكن ادارتها عبر الكيانات الإجتماعية والدينية.
المسألة ليست هنا في فشل عدن أو تعز تكرار نموذج مأرب لأن هذا غير ممكن بحكم فارق طبيعة المجتمع في كلا الحالتين (مأرب القبلية وعدن وتعز الحضريتان) وهو أمر يجب أن يوضع بعين الإعتبار. ففي تعز يتدخل رئيس الحزب الناصري عبدالله نعمان كوسيط بين طرفي الاقتتال، لكن حضوره لا يعبر عن قوة حزبه ككيان سياسي قد يعوض غياب الدولة بل كونه شخصية اعتبارية تحظي بالإحترام وهذا ليس حلاً، ففي حال نجاح الاستاذ عبدالله نعمان في مهمته هذه المرة فهو لن ينجح في أخرى. بطبيعة الحال هو لا يمتلك شوكة قبلية كنظيره سلطان عرادة في مأرب، وبالتالي هذه الجهود الفردية مهما كانت قوية ومخلصة ليست كافية في مدينة يصل عدد سكانه إلى 750 الف نسمة ومحافظة يزيد سكانها عن المليونين.
ما يحدث في تعز هو نتاج طبيعي لترك المدينة فارغة من حضور الدولة، والمراكز الحضرية تنحدر في الفوضى تلقائياً إذا غابت الدولة. الاقتتال في تعز وانفلات الأمن في عدن ليس سوى نتيىجة طبيعية تكشف حقيقة رداءة القيادة السياسية التي تمثل الدولة وغياب الرؤية السياسية للتحالف وضعف القوى السياسية في اليمن ممثلة بالأحزاب وهذا أمر سوف تدفع ثمنه اليمن غالياً في المرحلة المقبلة.
 
مقال نشر في العربي الجديد