قصة الأيام الأخيرة في حياة نجلي صدام حسين: 20 صاروخًا أنهوا حياة «عدي وقصي»

Sunday 04 January 2015 1:00 am
قصة الأيام الأخيرة في حياة نجلي صدام حسين: 20 صاروخًا أنهوا حياة «عدي وقصي»
----------

لم يتخيل العراقيون قبل حلول الـ20 من مارس، من عام 2003، أن تتدهور أحوال صدام حسين ونجليه «عدي وقصي»، وهم من اختفوا عن الأنظار فجأة دون معرفة مكان تواجدهم حتى من قبل القوات الأمريكية، التي حاولت مرة تلو الأخرى تصفية الرئيس وولديه.

قبل الغزو اشتهر الابن البكري للرئيس صدام حسين، «عدي»، بقساوته وميله للعنف ومزاجه المتقلب‏، وتولى قيادة ميليشيات عُرفت في 1996 باسم‏ «فدائيي صدام‏»، قبل أن يشرف على الكثير من الوسائل الإعلامية حتى انتخابه عضوا بالبرلمان العراقي عام 2000.

أما الوضع بالنسبة للابن الثاني «قصي» بدى ضبابيا إلى حد ما، إذ تولى مهمة قيادة قوات الحرس الجمهوري المسماة بـ«قوات النخبة لنظام البعث» آنذاك‏ في مايو ‏2001‏، كما شغل منصب مساعد رئيس المكتب العسكري لحزب البعث‏، ومن واقع مهامه اُشتهر ‏بكتمه للأسرار وابتعاده عن التصريحات الإعلامية.

بعد أسبوع من بدء الغزو كرست القوات الأمريكية جهودها للقضاء على نجلي صدام حسين، وجاءت باكورة عمليات ملاحقتهما في 8 أبريل 2003، إذ شن الأمريكان غارة على حي «منصور» بهدف اغتيالهما، إلا أن العملية باءت بالفشل.

بمرور ما يزيد عن شهر نشرت صحيفة «الشرق الأوسط» شهادة أحد سكان حي «منصور» فيما يخص الغارة، كاشفا أن الابن الأصغر «قصي» تواجد بالمنطقة قبلها بأيام، حينما رآه حاملا رشاشا بين رجليه داخل سيارة «بيجو» بيضاء مسرعة.

صورة ذات صلة

مع خطأ استهداف القوات الأمريكية لنجلي الرئيس بدأ الاثنان في البحث عن طريق للنجاة، إلى أن ظهرا فجأة في جنوب جبل سنجار بمحافـظـة الموصل.

في ذلك الوقت فوجئ أحد مواطني هذه المنطقة بوقوف نجلي الرئيس أمامه برفقة السكرتير الشخصي لصدام حسين الفريق عبد حمود التكريتي، بعد أن نزول رجل من سيارة قائلا له: «هل أنت من قبيلة شمر؟»، ليرد عليه الآخر بالإيجاب.

تابع المواطن «ع.م»، الذي روى كواليس لقائه بنجلي صدام حسين لصحيفة «الحياة»، أن الرجل حينها استشار زملائه في السيارة، قبل أن يُفاجأ بترجل «قصي» حاملا في يده رشاش به ثلاثة مخازن مربوطة بشريط لاصق أسود اللون، قبل أن يتحدث: «نحن بحاجة إلى الراحة، هل المكان آمن؟»، ليأتي رد الأول: «على الرحب والسعة».

بعدها تقدم إليه عدي صدام حسين مرتديا زيا عربيا وفي يده رشاس «كلاشنيكوف» فضي اللون، قبل أن يلحق بهما عبد حمود بنفس زي الأول، حاملا مسدس من نوع «كولت سمث».

آنذاك اتصل «ع.م» بشقيقه طالبا منه الحضور برفقة أبناء عمه، وما أن وصلوا حتى وقف «قصي» موجها رشاشه تجاه أخ المضيف، وبعد محاولات التهدئة قال «عدي» إن الشقيق سبق وأن صدر بحقه أحكام قضائية بسبب التهريب، متسائلا: «كيف تخلص منها؟» ليفحمه المتهم برده: «باللجوء إلى الصحراء كما تفعل أنت الآن.. تلك مرحلة وانقضت يا أستاذ عدي وأنتم الآن في حمايتنا إلى أن يفرجها الله».

نتيجة بحث الصور عن عدي وقصي

في نهاية اليوم طلب «قصي» من السائق إنزال الأسلحة والصندوق ووضعهم في الغرفة التي كانوا يجلسون فيها، ومع حلول الصباح سأله عن مكان تواجد منزل «ع.ص»، ليوضح المضيف له بأنه يتواجد خارج العراق، ليعرض عليهم أن يوصلهم بنفسه في قلب الصحراء.

في تلك الرحلة قاد «ع.م» سيارته خلف أخرى بقيادة شقيقه، وفوجئ خلاف انحرافه بالسيارة بوضع «قصي» لرشاشه خلف رأسه، ليقول له الأول: «ليس من طبعي الخيانة، أنا الآن أقدم لك ولأخيك خدمة ليس لأنكما نجلا الرئيس صدام حسين، بل لأنكما لجأتما إلى منزلي، ولو كنت أريد الخيانة لقمت بتسليمكما إلى أقرب دورية أميركية عندما مررنا في مدينة بعاج وكانت الدوريات منتشرة فيها».

اعتذر له «قصي» على الفور طالبا منه نقله إلى منزل مواطن آخر اسمه «أ.م» من البدو المقربين من الرئيس صدام حسين، وهو ما حدث بالفعل.

3 أيام فقط كانت كافية لعودة «عدي وقصي» برفقة «التكريتي» إلى منزل «ع.م»، وبعد أن تناولو القهوة طلبوا منه أن ينقلهم إلى الحدود العراقية السورية: «لدينا الاستعداد لدفع أي مبلغ تحدده.. إن مواطنا سوريا نافذا اسمه (ن.ع) سيكون بانتظار اتصال منا، ومهمتك تقتصر على إيصالهم إلى الحدود وليس داخل سورية».

يردف «ع.م»: «قام التكريتي بالاتصال عبر هاتف فضائي بالمواطن السوري وقال له: (تكلم مع فلان)، ولما تحدثت إليه أبدى استعداده لاستقبال عدي وقصي، ولما سألته عن التكريتي قال: (إنه سيستقل سيارة الفان مع السائق ويعود إلى تكريت بعد أن يعبر عدي وقصي الحدود)».

نتيجة بحث الصور عن عدي وقصي

يروي المواطن عن كواليس توجه الشقيقين إلى سوريا: «أخذت عدي وقصي، بعد أن أخذا صندوقا من الدولارات وعددا من الأسلحة والرمانات اليدوية، وقمت بعبور جبل سنجار ومن ثم الأراضي الزراعية شمال الجبل إلى أن وصلت إلى المكان المحدد، فأوقفت سيارتي في أحد الأودية بانتظار الإشارة المتفق عليها مع المواطن السوري، وبعد قليل استلمنا الإشارة وتركت سيارتي وذهبت معهم سيرا على الأقدام، إلى أن سلمتهما إلى (ن.ع) وعدت إلى سيارتي ومن ثم إلى منزلي».

بعد يومين فوجئ «ع.م» باتصال من المواطن السوري، يخبره بضرورة مقابلته في المكان نفسه، وما أن وصل حتى وجد «قصي وعدي»: «عرفت أن السلطات السورية أعادتهما، وطلبا مني مساعدتهما في الوصول إلى منزل المواطن العراقي (ا.م) الذي التجآ إليه لمدة ثلاثة أيام».

في اليوم التالي توجه «التكريتي» إلى المواطن السوري على الحدود، وعرف منه أن السلطات السورية أوقفت نجلي الرئيس العراقي آنذاك في مدينة حلب، بعد أن وجدوا سيارتهما متوقفة إثر تعطل الإطار الأمامي لسيارته وطلبت إعادتهما إلى المكان الذي جاءا منه.

بعد 4 أيام غادر «عدي وقصي» منزل «ع.م» قاصدين بيت نواف الزيدان، وهناك التحق بهما مصطفى قصي الذي كان يقيم مع جده لأمه الفريق أول ركن متقاعد ماهر عبدالرشيد.

في 18 يونيو 2003 ألقت القوات الأمريكية القبض على «التكريتي »، بعد أن توجه إلى جهة يتواجد فيها صدام حسين آنذاك وفق ما رواه «قصي» لـ«ع.م»، كما أخبره بأنه من الصعب في الظروف المحيطة به حينها أن يغادر البلاد: «سأبقى في العراق بانتظار تعليمات السيد الوالد».

صورة ذات صلة

مرت الأيام هادئة حتى 22 يوليو 2003، عندما شنت القوات الأمريكية هجوما شرسا على الموصل لمدة 6 ساعات، فيما رأى شهود عيان إطلاق الطائرات لـ20 صاروخا على منزل بعينه، حتى فاجأ الجنرال الأمريكي «ريكاردو سانشيز» الأوساط العالمية بإعلانه عن مقتل نجلي الرئيس صدام حسين «عدي وقصي».

وكشف الجنرال حينها أن «عدي وقصي» قتلا خلال هجوم شنته القوات على منزل في الموصل شمال العراق‏، مؤكدا أن الولايات المتحدة استخدمت مصادر متعددة للتعرف علي هويات القتلي، كما اكتشفت مكان تواجد الشقيقين بعد تلقي معلومات عنهما، متوقعا حصول من أدلى بتلك التفاصل على المكافأة البالغة ‏15‏ مليون دولار المعلنة قبل الهجوم.

‏في يوم الإعلان عن مقتل ابني الرئيس العراقي نشرت صحيفة «الأهرام» عن إحدي قريبات صاحب المنزل المختبئ فيه الشقيقين، نواف محمد الزيدان، أن الأخير هو من‏ أبلغ القوات الأمريكية بمكان وجود «عدي وقصي»،‏ مشيرةً إلى أنه أراد التخلص منهما‏.‏

على الجانب الآخر نشرت وكالة الأنباء الفرنسية «أ.ف.ب» بأن العاصمة العراقية بغداد شهدت إطلاق الأعيرة النارية ابتهاجا بمقتل «عدي وقصي»، فيما بث التليفزيون الرسمي أغنيات حماسية.

حينها ظهر على الشاشة أحد المواطنين وهو يفرغ خزان رشاش الكلاشينكوف في السماء، وقال في النهاية: «لقد قُتل عدي وقصي‏.. رأينا ذلك على التليفزيون‏».‏

 

*محمود عبدالوارث – اكسترا