مع المرضى والجرحى تحت الحصار.. تفضل «أسمهان» البقاء في تعز

Monday 30 November -1 12:00 am
مع المرضى والجرحى تحت الحصار.. تفضل «أسمهان» البقاء في تعز
----------
«كان وباء حمى الضنك قد بدأ يتفشى في المدينة، وكان الآلاف من المرضى يصلون إلى مستشفى تعز، فتركت حقائب السفر، وآثرت التوجه إلى المستشفى، بدلاً من الرحيل إلى الرياض، حيث يقيم أهلي».
 
 
 
بهذه العبارات تقول أسمهان علي محمد، وهي خريجة قسم البيولوجي والمختبرات في جامعة تعز، عام 2002، للأناضول، إن الواجب الإنساني والمهني دفعها إلى عدم التخلي عن مدينة تعز، جنوب غربي اليمن، مطلع عام 2015، حيث كانت المعارك قد توسعت في عدد من الأحياء والشوارع.
 
 
 
المعارك كانت دائرة بين قوات الحكومة والمقاومة الموالية لها، مدعومة بتحالف عربي تقوده الجارة السعودية، من جهة، ومسلحي جماعة «أنصار الله» (الحوثيين)، المتهمين بتلقي دعم إيراني، من جهة أخرى، والذين يسيطرون على محافظات، بينها صنعاء منذ عام 2014.
 
 
 
وتسبب الحرب، الدائرة في اليمن منذ نحو ثلاث سنوات، في أوضاع معيشية وصحية متردية للغاية، لا سيما مع تدمير معظم البنى التحتية، ما أدى إلى انتشار أوبئة فتاكة في واحدة من أفقر دول العالم.
 
 
 
** نداءات الأسرة
 
المخبرية اليمنية (متخصصة في التحاليل الطبية)، وهي في العقد الثالث من عمرها، تضيف أن أهلها طالبوها مراراً بمغادرة المدينة للنجاة بنفسها، والانتقال إلى السعودية، لكنها ترفض التخلي عن المرضى والجرحى.
 
 
 
آنذاك، في 2015، كانت معارك قد اندلعت في أماكن محدودة بتعز، وكان الآلاف من سكانها، بينهم أسمهان، قد نزحوا منها إلى القرى والأرياف، إضافة إلى مدن ومحافظات تشهد استقراراً أمنياً.
 
 
 
فضلاً عن ذلك، كان المئات ممن تتشابه ظروفهم مع أسمهان، قد نزحوا إلى دول الخليج ومصر.
 
 
 
** بعيدا عن المنزل
 
غير أن أسمهان، وخلال الأيام الأولى من اندلاع الحرب، فضّلت البقاء في منزل أسرتها بمدينة القاعدة، شمال شرق مدينة تعز.
 
 
 
كانت تتنقل يوميا عبر الحواجز والنقاط الأمنية، حتى تصل إلى مستشفى الثورة (حكومي)، أكبر مستشفيات المدينة.
 
 
 
لكن في أغسطس/ آب 2015 بلغت المعارك ذروتها، وفرض الحوثيون حصاراً كاملاً على المدينة، ومنعوا دخول وخروج المدنيين من منافذها الرئيسية.
 
 
 
وهكذا استحال على أسمهان العودة إلى منزلها، لتقرر البقاء في مبنى المستشفى، وسط مدينة تعز.
 
 
 
47 طبيباً وطبيبة، بينهم موظفون، بقوا في المستشفى، واتخذت أسمهان مع زميلات إحدى الغرف سكناً لهن، وأقمن في المبنى الرئيسي.
 
 
 
كان متوقعا أن تستمر محنة حصار الحوثيين لتعز أياما معدودة، لكن حتى اليوم ما تزال المدينة محاصرة، وما تزال الطبيبة بعيدة عن منزلها.
 
 
 
** قصف المستشفى
 
مع مرور الأيام، تحول مستشفى «الثورة»، الذي تعمل فيه أسمهان منذ عام 2001، إلى سكن دائم لها.
 
 
 
في ليلة 6 نوفمبر/ تشرين ثان 2015، صوب الحوثيون مدافعهم إلى المستشفى، وقصفوا مبنى العيادات الخارجية، فنالت القذائف أيضا من المبنى الرئيسي، بما فيه مقر سكن الطبيبات.
 
 
 
تلك اللحظات تصفها أسمهان بقولها: «المشهد كان مرعباً.. كنا نعمل في القسم، وفجأة تساقطت علينا القذائف، تركنا ما بأيدينا، وحاولنا أن نتوارى في أماكن أمانة، لكن لم يكن لدينا أي مكان آمن لنحتمي فيه».
 
 
 
وتتابع: «كان الظلام حالكا، وفي حال عبرنا من قسم إلى آخر عبر باحة المشفى، كانت القذائف لتنهال علينا، كما كنا نخشى فتح النور، فالقناصة الحوثيون كانوا لنا بالمرصاد».
 
 
 
وتضيف أسمهان أن «21 موظفاً، بينهم أطباء، أُصيبوا بجروح متفاوتة، إضافة إلى عدد من المرضى».
 
 
 
** فك الحصار
 
كانت تلك أسوأ اللحظات التي عاشتها أسمهان وزملاؤها، أما أسعدها فكانت في مارس/ آذار 2016، حينما شنت القوات الحكومية والمقاومة الموالية لها هجوماً على الحوثيين، وسيطرت على معبر «الدحي» جنوب غربي المدينة، لينفك جزئيا الحصار، الذي فرضه الحوثيون.
 
 
 
وهو ما أسعد أسمهان كثيرا: «بكيت من السعادة حينها، وخرجنا إلى الشوارع نهتف ونغني، بعد أن وصلت الأدوية إلى المستشفى».
 
 
 
وتردف بقولها: «لحظات الحصار كانت صعبة جداً علينا، حتى الماء منعته تلك العصابات الحوثية من الدخول إلى المدينة من معبر الدحي، واضطررنا لشرب المياه الملوثة، والطعام كان سيئا للغاية، ولم تكن تتوفر مطاعم بالجوار».
 
 
 
أما على صعيد العمل في المستشفى، تتابع أسمهان، «فكانت المواد والمحاليل والأدوية تتوفر بصعوبة جداً وبكميات شحيحة، عن طريق جبل طالوق، وكنا نشعر بالأسى حينما يتوفى أشخاص بسبب انعدام أدوية بسيطة».
 
 
 
وتزيد: «صمدنا رغم شح الإمكانيات، وكنا نوجه عشرات النداءات يومياً للتبرع بالدم أو دعمنا ببعض المحاليل والأدوية، استمرينا على ذلك الحال عامين، وكان عدد الكادر قليل جداً بالمقارنة مع ما نستقبله من مئات المرضى والجرحى».
 
 
 
** بلا رواتب
 
ووفق أسمهان: «كنا لا ننام سوى ساعات قليلة، ونتناوب بالعمل.. البعض يرتاح والبعض يعمل، وهكذا».
 
 
 
وتقول إن «كل الكادر الطبي كانوا نازحين، وفي قسم المختبر لا يوجد سوى اثنان، هما أنا وزميل آخر من أصل خمسين موظفا (يفترض وجودهم في المختبر)، والمشفى يوجد به 47 موظفاً من أصل 700 موظف».
 
 
 
ورغم الجهد المبذول من أسمهان وزملائها، إلا أنهم ظلوا لأشهر دون رواتب، أسوة بمليون ومائتي ألف موظف حكومي ما يزالون بدون رواتب، منذ نوفمبر/ تشرين ثان 2016 حتى اليوم، خصوصاً في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
 
 
 
** نداء تعز
 
ومنذ مارس/ آذار 2015 تشهد مدينة تعز معارك يومية بين القوات الحكومية والحوثيين، الذين يحاصرون المدينة، التي يخضع معظم أحيائها لسيطرة القوات الحكومية والمقاومة، منذ نحو ثلاثة أعوام.
 
 
 
بعد فتح معبر الدجي عاد والد أسمهان إلى تعز، وهي تقيم حاليا في مستشفى الثورة، وتعود إلى منزلها غلى فترات، لتقيم مع والدها، بعد فك الحصار جزئيا.
 
 
 
في لحظة شرود، ترفع أسمهان نظرها إلى السماء، محاولة استحضار تفاصيل ثلاثة أعوام من المعاناة في تعز ومستشفاها الأكبر، الذي لا تزال جزءا منه.
 
 
 
وربما كانت تجري حالة مقارنة بين وضعها والوضع الذي يعيشه زملاء لها هاجروا خارج اليمن، لاسيما وأنها تلقت عرضوا كثيرة للعمل في السعودية.
 
 
 
وتختم أسمهان بقولها: «يعيش بقية أفراد أسرتي خارج اليمن، منهم من يعيش في السعودية والأردن والبحرين.. كانت لدي فرص للسفر إليهم، لكنني رفضت كل ذلك، فتعز كانت تنادينا ولبينا النداء، ولو عاد الزمن لضحينا من أجلها بكل ما نملك».