طيّار صدام حسين : سألنا ذات يوم كيف يعود الأسد بطائرته مباشره من هافانا الى دمشق ونحن نتزود بالوقود في مدريد

Monday 30 November -1 12:00 am
طيّار صدام حسين : سألنا ذات يوم كيف يعود الأسد بطائرته مباشره من هافانا الى دمشق ونحن نتزود بالوقود في مدريد
----------

ذات يوم من عام 1979، غضب الرئيس العراقي السابق صدام حسين من الفريق التقني على متن طائرته، وهو يسألهم كيف يستطيع الرئيس السوري حافظ الأسد أن يعود بطائرته مباشرة من العاصمة الكوبية هافانا إلى دمشق، بينما طائرته يجب أن تنزل في مدريد للتزود بالوقود قبل أن تتجه إلى بغداد.

رحل الرئيسان حافظ الأسد وصدام حسين، وبقي الطيّار العراقي علي الوهابي، ليروي هذه القصة، مستعيدا بعض ذكرياته عندما كان أحد الطيارين البارزين في الطائرة الخاصة لصدام حسين.

في تلك الأيام، بقدر ما كان "علي الوهابي" سعيدا والاستخبارات العراقية تختاره طيارا جديدا إلى طاقم طياري صدام، بقدر ما كان في سنوات لاحقة مترددا رافضا أن يعلق صورة صدام في منزله، مما دفع الاستخبارات لإخضاعه "لاختبار الولاء" طالبين منه أن يمارس الحب مع صديقته أمام عدستهم، فأبى، وقرر الرحيل عن وطنه.

ويقول علي الوهابي، مستعيدا ليلة دخوله إلى طاقم طياري صدام حسين: "بعد عودتي من لندن حيث أجريت دورة تدريبية في الطيران صرت طيارا على طائرة القادسية "الجامبو"، وعلى طائرة أخرى الـ737، وبعد ذلك وقع الاختيار عليّ لأكون أحد طياري صدام وهذا ما حصل حيث عملت معه حتى 1986".

ويضيف "لقد قدت طائرات صدام حسين الخاصة 3 مرات في رحلات خارجية منها إلى مؤتمر فاس بالمغرب، فضلا عن الرحلات الداخلية، وكان ذلك على متن طائرة جامبو 747 إس بي".

ويصف الطائره بأنها "كانت اعتيادية جدا.. فأول مدخل الطائرة يلاحظ وجود كرسيين درجة أولى، وفيها غرفة للاجتماعات في وسطها، ومقاعد عادية في مؤخرة الطائرة للتقنيين ورجال الحماية، والطابق الثاني لراحة الطواقم، وفي مقدمة الطائرة غرفة ليست مترفة للنوم".

ويتحدث الطيار علي الوهابي عن صدام كما شاهده في الطائرة، ويقول "كان يلقي التحية على الطاقم ويشكرنا كثيرا بعد انتهاء أي رحلة.. لقد كان لطيفا جدا ومؤدبا".

ويتابع "طعامه في الطائرة كان يأتي من بيته في القصر الجمهوري ولا يأكل أبدا من طعام الطائرة، وأذكر عندما وصلت طائرة جديدة للعراق من مصانع سياتل أنه صعد للطائرة وصافحنا واحدا تلو الآخر".

وزاد "صدام أحب العراق بطريقته الخاصة لدرجة أنه دمره"، ويروي: "في إحدى الرحلات كان المهندس الجوي برفقة صدام على متن الطائرة. وبينما كان صدام يلقي نظرات على بغداد ليلا من نافذة الطائرة، قال له المهندس الجوي "يا سيدي الرئيس بغداد حلوة في الليل"، فالتفت صدام ورد عليه بنبرة قوية "بغداد حلوة في الليل وفي النهار". وبقي المهندس الجوي قلقا لمدة ثلاثة أيام خوفا من أن يتأذى ولكن لم يقع عليه شئ. لقد كنا حذرين جدا أثناء وجود صدام في مقصورة الطائرة لأننا لا نتوقع كيف سيكون رد صدام علينا إذا ما تحدثنا إليه.

وأما "طائرة سياتل" فهذه قصة أخرى في عالم الطيران يرويها الطيار العراقي ولها مدلولات سياسية تشير إلى عمق الصراع الذي كان آنذاك بين جناحي البعث في كل من العراق وسوريا، وانتقال هذا الخلاف والتنافس من الأرض إلى الجو.

يقول علي الوهابي "سافر صدام حسين إلى مؤتمر عدم الانحياز الذي انعقد في هافانا عام 1979 بطائرة 707 بوينج التي كان يجب أن تتزود بالوقود في مدريد، بينما كان الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في طائرته 747 إس بي التابعة للخطوط السورية يعود مباشرة من هافانا إلى دمشق، فسأل صدام التقنيين حوله: كيف نحن يجب أن ننزل في مدريد لنتزود بالوقود وحافظ الأسد سافر مباشرة من هافانا إلى دمشق. ثم طلب شراء طائرة خاصة مثل مواصفات الطائرة السورية. واشترينا الطائرة من شركة بوينج وجلبناها من سياتل في أميركا سنة 1982 وكان قدوم الطائرة يوم 31 آب1982.

وأما رجال حماية صدام حسين فقد "كانو أغبياء جدا في الموضوع التقني للطيران"- كما يصفهم الطيار علي الوهابي.

ويوضح: "كانت خمس طائرات في مطار بغداد، والكل يتوقع أن صدام كان في طائرته التي تحضرت للتوجه إلى السعودية وبعد ذلك علمنا أنه سبقنا بطائرة سعودية. فجاء رجل من رجال الحماية الذين كانوا في الطائرة الواقفة في المطار وأعطانا الأوامر أن ننطلق وقال لنا "تحركوا"، وعندما سألناه أين نذهب قال "اتبعوا الطائرات الباقية في المطار"، متصورا أننا نطير في الجو ونتبع الطائرات الأخرى دون خطة طيران".

كما يروي علي الوهابي حكاية أخرى عندما اكتشف أن الطائرة التي يقودها – غير طائرة الرئيس- تنقل أسلحة للعراق وليس البيض.

ويحكيها قائلا: "تم تكليفي بمهة نقل مواد تموينية غذائية للجيش. آنذاك اختار الأميركيون موقعا ثالثا لنقل السلاح إلى العراق لكي لا توجه اصبع الاتهام إليهم، وكان يقال لنا إننا ننقل تموينا غذائيا للجيش العراقي مثل البيض وغيره، لأن نقل أسلحة على طائرة مدنية محرم. وكنا ننقل هذه المواد من دولة ثالثة هي تشيلي. العملية استمرت لعدة اشهر وقمت بذلك مرتين".

ويضيف "البضاعة على متن الطائرة كانت بوزن 2 طن كما أخبرونا وكان رقما صغيرا في حين كان وزن الطائرة أكثر مما قيل لنا وبعد صعوبة في إقلاع الطائرة عرفنا من رجل التحميل والمخابرات العراقية أن المواد هي أسلحة وطلبوا منا كتمان الأمر. كانت خط الطائرة بغداد – لشبونة - ريودي جانيرو، وفيما بعد أضافوا تشيلي - سانتياغو لنقل حمولة تموينية، وكانت تشيلي هي البلد الذي استخدمته أميركا لنقل السلاح للعراق.

ورغم أنه طيار للرئيس العراقي صدام حسين، كان علي الوهابي يرفض وضع صورة صدام في بيته وهي دلالة مدى الولاء له في أعراف النظام آنذاك.

ويقول: "كوني كنت طيار صدام فقد كان رجال المخابرات يزورون بيتي بين فترة وأخرى ويسألون لماذا لا أضع صورة، وكنت أعدهم بذلك ولم أفعل لأنه في رأيي ولائي لواحد هو رب العالمين".

ويضيف: "كنت في تلك الفترة غير متزوج وعلى علاقة مع إحدى زميلاتي في الخطوط العراقية، ولم أكن أعلم أن هذه الزميلة على علاقة مع أحد الديبلوماسيين العرب هناك رغم أنه متزوج، والمخابرات يعرفون بعلاقتي بها و أرادوا أن أمارس معها الحب أمام الكاميرا حتى أوافقهم وأؤكد بذلك ولائي، فقلت لهم أعطوني فترة أفكر، فأمهلوني أسبوعا، وخلالها وأنا أقود رحلة عادية من بغداد إلى لندن بقيت في لندن ولم أرجع إلى وطني، وفي العام 2000 انتقلت إلى استراليا".

ويقيم علي الوهابي (51 عاما) في استراليا حيث يؤلف ويكتب في فراغه وأما عمله فهو كابتن طائرة في شركة طيران عالمية.