فيلم «عمرة» السعودي ضمن مهرجان لندن السينمائي هذا الشهر

Monday 30 November -1 12:00 am
فيلم «عمرة» السعودي ضمن مهرجان لندن السينمائي هذا الشهر
----------
 
مع اقتراب موعد إطلاق الدورة الـ62 من مهرجان لندن السينمائي، الذي يرفع ستائره في العاشر من شهر أكتوبر (تشرين الأول) وحتى الحادي والعشرين منه، يواصل هذا المهرجان العريق لعب دوره في تنشيط السينما الحياة السينمائية في عاصمة البلد وضواحيها بثقة واعتزاز.
 
مضت تلك السنوات التي كان فيها المهرجان محاولة متواضعة لجمع أفلام من المهرجانات الأخرى كافة، وحمل شعار «مهرجان المهرجانات»، وهو شعار كان مهرجان تورونتو الكندي يرفعه كذلك. ومثل المهرجان الكندي تخلى مهرجان لندن عن اعتبار نفسه مجرد مستقبل لأفلام عرضتها قبله المهرجانات المختلفة (برلين، كان، كارلوفي فاري، لوكارنو، فينيسيا الخ...) وأمّ نظام المهرجانات القادرة على جذب الأعمال التي تشهد عروضها العالمية الأولى فيه، التي تقيم حفلات السجادة الحمراء ولديها مسابقات وبرامج موازية ولجنة تحكيم، وكل ما يتطلبه الأمر لكي يتبوأ «لندن» المكانة المطلوبة.
 
 
 
بداية ونهاية
 
البعض يفتقد تلك البساطة التي كانت لهذا المهرجان حتى التسعينات. يرى أن كل ما كان مطلوباً ولا يزال من مهرجان لندن هو جمع أفضل ما يمكن جمعه من أفلام عالمية، حتى وإن كان معظمها شهد عروضه الأولى في مهرجانات مختلفة.
 
آخرون، أكثر عدداً، يرون أن المهرجان لم يكن ليستطيع أن يستمر من دون أن يترك بصمته على خريطة المهرجانات، وأن لندن تستحق مهرجانها الخاص كما حال عواصم ومدن أوروبية وآسيوية وأميركية أخرى.
 
ضمن هذا الواقع، يشهد المهرجان في دورته الجديدة 225 فيلماً آتية من 77 دولة. بذلك، وعلى الرغم من أنه - بمعايير جادة - ما زال على بعد أشواط من تلك القمم التي تحتلها المهرجانات الثلاثة الأولى عالمياً (كان وبرلين وفينيسيا) وأشواط أخرى عن مهرجان تورونتو الذي بات مقصد كل فيلم ينوي توظيف المناسبة لدخول السوق الأميركية الشمالية، يضع نفسه حثيثاً في الصف الثاني من المهرجانات العالمية لجانب« كارلوفي فاري» التشيكي و«لوكارنو» السويسري و«سان سابستيان» الإسباني و«موسكو» الروسي و«روما» الإيطالي و«طوكيو» الياباني، وبضعة أخرى.
 
مهرجان «صندانس» يبقى المهرجان المتخصص الأول في الأهمية هذه الأيام، لكن كل هذه المهرجانات المذكورة تتعامل مع السينما تعاملاً جاداً ومجدياً؛ كونها تقام في مدن زاخرة وأمام جماهير غفيرة وبأهداف يتم تأمين شروطها بكل جدارة.
 
نعم، هناك بساط أحمر لاستقبال الضيوف، لكن الأمر، وعلى عكس أحد المهرجانات العربية التي أقيمت مؤخراً، لا يتحول إلى مهرجان لاستعراض القدرات التمويلية والرغبات السياحية والأزياء النسائية أو الرجالية.
 
يفتح المهرجان أبوابه بعرض فيلم ستيف ماكوين الجديد «أرامل» الذي يُغير على قواعده السابقة، ويحقق فيلماً تشويقياً بعيداً عن أفلام المعاناة التي اشتهر بها (مثل «عار» و«جوع» و«12 سنة عبداً»). فالموضوع الماثل هنا هو أن أربع نساء فقدن أزواجهن الذين كانوا رجال عصابات بارزين يلتئمن لمواصلة نشاطات أزواجهن. الفيلم لا يخلو من الرجال (ليام نيسون، ولو في دور قصير، جون برنثول، روبرت دوفال وكولين فارل)، لكنه يتمحور حول النساء: ڤيولا ديڤيز وميشيل رودريغيز وسينيثيا إريڤو وإليزابث دبيكي من بين أخريات.
 
لحفل الختام اختار المهرجان تقديم الثنائي الكوميدي لوريل وهاردي (ما زالا أفضل ثنائي كوميدي من أيامهما المبكرة إلى اليوم) في حلة جديدة. فيلم روائي عن قيامهما في أواخر الأربعينات برحلة إلى بريطانيا لتقديم بعض الاستكشات المسرحية. لكن الفترة كانت بدأت تشهد أفول النجومية التي شهداها في الثلاثينات، والجولة الفنية لم توفر النجاح المأمول، وبعدها حققا فيلماً أخيراً هو «الجزيرة المرجانية ك» (Atoll K).
 
الحكاية تستند إلى وقائع، لكن المثير فيها قيام الممثلين ستيف كوغن وجون س رايلي بدوري هذين الكوميديين المحبوبين. وجون س رايلي هو كاتب وأحد الممثلين الرئيسيين في فيلم الأخوين جووَل وإيتن كووَن «أنشودة بستر سكرغز»، الذي سيعرض في مهرجان لندن بعدما تم عرضه في فينيسيا العرض العالمي الأول.
 
كوميدي النبرة في مطلعه حزينها فيما تبقى منه، ويحتوي على ست حكايات تتمحور حول موت الغرب الأميركي وشخوصه وحكاياته.
 
المخرج ديڤيد ماكنزي، الذي كان آخر ما شاهدناه له وسترن حديث (أي تقع أحداثه في الزمن الحاضر) هو «الجحيم أو الفيضان» (Hell or High Water) يعود بفيلم جديد موضوعه تاريخي وفحواه ثوري وعنوانه «الملك الخارج عن القانون» (The Outlaw King).
 
يدور حول المعارك التي قادها الثائر الاسكوتلندي روبرت ذ بروس (يقوم به الأميركي كريس باين) في القرن الرابع عشر ضد الجيش البريطاني طلباً لاستقلال اسكوتلندا. مع تصوير باري أكرويد، مدير التصوير لأفلام معروفة مثل «ذ هيرت لوكر» و«يونايتد 93» و«كابتن فيليبس» (وسابقاً أفلام عدة للبريطاني كن لوتش) يبدو أن ماكنزي أمّ عملاً تاريخياً كبيراً وحافلاً. واحداً من تلك الأفلام التاريخية القتالية القليلة المتاحة. والفيلم هو أيضاً الدليل على أن شركة «نتفلكس»، منتجة هذا الفيلم، تذهب إلى حيث لم تعد شركات هوليوود تكترث للذهاب إليه من موضوعات أو أنواع إلا مع لفيف من المؤثرات الخاصة والبطولات الأكبر حجماً من الواقع.
 
 
 
فيلم سعودي وأعمال عربية أخرى
 
الأفلام المذكورة آنفاً تعرض خارج المسابقة الرسمية التي تضم في برنامجها عشرة أفلام، نصفها من إخراج نساء، كما لو كان المهرجان يريد البرهنة على اهتمامه الجوهري بالمواهب الأنثوية وراء الكاميرا.
 
هذه الأفلام الخمسة، هي «سعيد مثل لازارو» لأليس رورووشر (إيطاليا) و«طيور الممر» لكرستينا غاليغو وسيرو غويرا (ألمانيا، كولومبيا) و«جوي» لسودابه مرتضاي (النمسا) و«مدمّـر» لكارين كوساما (الولايات المتحدة) و«موت تأخر عن سن الشباب» (أو حرفياً: Too Late to Die Young) لدومينغا سوتومايور (تشيلي، برازيل وأرجنتينا).
 
الموضوعات تختلف بالطبع، لكن اثنين منها يعودان بإحداثهما إلى زمن ليس بالبعيد، هما «موت متأخر عن سن الشباب» و«طيور الممر». الأول عن أحداث تقع في تسعينات القرن الماضي خلال حكم الفاشية في تشيلي، والآخر في الستينات محاولاً العثور على البذرة الأولى لعصابات الكارتل الكولومبية.
 
باقي الأفلام العشرة المتسابقة هي الفيلم البريطاني «سنة جديدة سعيدة، كولين بيرستَد» لبن ويتلي (بريطاني) و«في المشغل» لبيتر ستريكلاند (بريطانيا) و«العجوز والمسدس» لديڤيد لاوري (الولايات المتحدة)، ثم «ظل» لزانغ ييمو و«غروب» للازلو نيميش (المجر، فرنسا). هذان الفيلمان الأخيران من عروض مهرجان فينيسيا المنتهي في الشهر الماضي.
 
هناك ثلاث مسابقات إضافية واحدة للعمل الأول، والثانية لأفضل فيلم غير روائي، والثالثة للفيلم القصير.
 
على الجانبين، هناك 11 قسماً آخر تحتوي على أفلام متعددة، كل منها تحت اسم يعكس حالة أو نوعاً أو وضعاً. هذا المنوال سار عليه المهرجان في أعوامه السابقة. فتحت عنوان «ضحك» تتجمع خمس عشرة محاولة كوميدية، يتقدّمها الفيلم الفاشل لتيري جيليام «الرجل الذي قتل دون كيشوت» (عرض أولاً في «كان» وبعض النقاد الفرنسيين سمّاه «المخرج الذي قتل دون كيشوت»).
 
لكن أحد أهم مفاجآت البرنامج والمهرجان بكامله عودة المخرج السعودي محمود صباغ إلى السينما بفيلم كوميدي آخر هو الثاني له من بعد «بركة يقابل بركة» الذي تم عرضه في مهرجان برلين قبل عامين.
 
الفيلم الجديد عنوانه «عمرة والزواج الثاني» من بطولة شيماء الطيب في دور عمرة التي تكابد الوضع العائلي بعدما هجرها زوجها للزواج من امرأة أصغر سناً؛ كون عمرة «أخفقت» (في عرفه وعرف والدته) في أن تنجب له ولداً ذكراً. على عمرة أن تجد حلاً يضمن إعالة بناتها الثلاث وأمها المريضة وكل ذلك في إطار يجيد المخرج، كما برهن في فيلمه الأول، وضعه في إطار كوميدي يطرح الموضوع الاجتماعي ويطلق نقده عليه.
 
ثلاثة أفلام عربية أخرى نجدها في قسم «نقاش». هذا القسم يحتوى على 23 فيلماً من تلك التي تطرح قضايا اجتماعية أو سياسية. يتقدم هذه المجموعة فيلم نادين لبكي «كفرناحوم» (من أعمال «كان» أيضاً) وهو فيلم خرج من مخاض إنتاجي صعب بذلت فيه المخرجة جهداً كبيراً لجمع تمويله من جهات لبنانية وأجنبية مختلفة. كما سبق لنا أن تناولناه، يتحدث عن صبي في العاشرة يترك بيت أهله المتعثر بالفقر والجهل ويأوى إلى كوخ تعيش فيه امرأة أفريقية تعمل خادمة ولديها طفل رضيع. حين تختفي تؤول مسؤولية العناية بالطفل إلى الصبي. موضوع جيد ومثير للاهتمام، ومعالجة فنية محسوبة، لكن الحكاية تخرج عن طور الواقع أكثر مما يجب، وتخلق مناسبات يضعف فيها المنطق أمام صيرورة الحدث.
 
الفيلم التونسي «ولدي» لمحمد بن عطية هو ثاني الأفلام العربية المشتركة في هذا القسم حول الصبي الشاب الذي بدأ يعاني العزلة وألم رأس مستمراً، ووالديه اللذين لا يملكان حلاً للمعضلة. وعلى الرغم مما تعانيه ليبيا من حروب ومشكلات أمنية واجتماعية وثقافية، زرعت المخرجة الجديدة نزيهة عربي بذرة ترعرعت وأنبتت فيلماً ليبياً (نادراً كون الأفلام الليبية الطويلة منذ بدء التاريخ تعد على أصابع اليد الواحدة) عنوانه «حقول الحرية». موضوعه يواكب عنوانه فهو يدور عن سعي عدد من النساء لتأليف فريق كرة قدم والمصاعب الجمّـة في هذا الشأن. المصاعب كانت من نصيب المخرجة خلال العمل وقبله لأن تمويل هذا المشروع تم عبر خريطة جغرافية تمتد من كندا إلى لبنان وقطر وليبيا مروراً ببريطانيا والنمسا.
 
وهناك فيلم إسرائيلي للفلسطينية المقيمة إيريس زكي عنوانه «بلا مستقر» يدور حول مقابلات مع عدد من الإسرائيليين يعيشون فوق المستوطنات التي أقيمت عنوة في الضفة الغربية. تجدر الإشارة إلى أن مهرجان حيفا واجه غضبة وزيرة الثقافة الإسرائيلية ميري رجف حيال ما يختاره من أفلام وجدتها المخرجة منحازة سياسياً مع أوضاع الفلسطينيين وضد اليمين الإسرائيلي؛ ما دفعها لكي تطلب من وزير التمويل موشي كالون إيقاف الدعم المادي المقدّم للمهرجان.
 
بالعودة إلى المسابقات الرسمية، تستوقفنا الأفلام التسجيلية والوثائقية العشرة المشتركة في هذا القسم ومن بينها فيلم مصري - ألماني بعنوان «استمر حالماً» (Dream Away) لمروان عمارة وجوهانا دومكي.
 
يتناول المخرج عمارة الوضع الذي تعيشه الحياة السياحية في شرم الشيخ حالياً. في الماضي كانت المدينة وجوارها مقصداً للسياح الأجانب. في السنوات الأخيرة، ونظراً للعمليات الإرهابية التي شهدتها مصر، قل عدد السياح وعانى الموظفون من خفض أجورهم. يعمد الفيلم للإحاطة بالوضع عبر الانتقال ما بين أحد الفنادق الكبرى ومواقع أخرى، كما عبر إجراء مقابلات مع أصحاب مهن مختلفة يتكفّـلون بشرح التفاصيل.
 
في الوقت، ذاته تعود المخرجة الأرجنتينية لولا أرياس إلى حرب شبه منسية اليوم هي حرب جزر فوكلاند لتقدم بعض خلفياتها، وكيف أن آثار تلك الحرب ما زالت مستمرة. الفيلم بعنوان «مسرح حرب» وهو من إنتاج أرجنتيني ألماني وإسباني لهذا الفيلم الأول لمخرجته.
 
والناحية العنصرية متوفرة عبر «ما الذي ستفعله عندما يشتعل العالم» (What You Gonna Do When the World is on Fire‪?) هنا يتقدم المخرج الإيطالي روبرتو منريفيني لطرح أحداث عنصرية عاشتها ولاية لويزيانا قبل عامين عندما قام رجال البوليس بفتح النار على رجل أفرو - أميركي عمره 37 سنة من دون سبب ظاهر.