تقرير يقرأ واقع الحكومة التوافقية الجديدة المزمع تشكيلها تنفيذاً لاتفاق الرياض

Tuesday 30 June 2020 4:10 am
تقرير يقرأ واقع الحكومة التوافقية الجديدة المزمع تشكيلها تنفيذاً لاتفاق الرياض
متابعات:
----------

حكومة توافق.. أم صراع؟

تقرير - بديع سلطان:

تبوح الأخبار القادمة من العاصمة السعودية الرياض، بالكثير من المؤشرات التي تكشف عن بوارق أمل نحو انفراجٍ مرتقبٍ للأزمة بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي.

دواعي الأمل تكمن في توافق المجتمعين في الرياض من كلا الطرفين، ورغبتهم بوضع حدٍ للصراع الذي عصف بعدن والجنوب برمته، أو هكذا يرى المراقبون والراصدون لما يدور في العاصمة السعودية.

وبغض النظر عن طبيعة رغبة المتصارعين، سواءً كانت ذاتية أو مفروضة -وهو ما سنتعرض له لاحقاً- إلا أن ما يهم الآن، هو التوصل إلى توافق يُنهي الصراع والاقتتال بين أبناء الجنوب، ويوجه بوصلة جهودهم نحو عدوهم الحقيقي.

وهذا ما يعقد عليه المواطنون اليمنيون في الداخل الآمال، ويبنون وفقاً له التطلعات والأحلام في أن تتمخض مفاوضات الرياض ومشاوراتها عن مشاريع عملية تُغيّر واقع البلاد، وتضع حد للاقتتال، وتفرض الاستقرار.

وغير خافٍ على أحد أن البلاد متخمة بالمشاكل والكوارث على كافة الصعد، سياسياً، عسكرياً، أمنياً، اقتصادياً، وصحياً، وجميع تلك النوائب ما كان لها أن تتفاقم وتتعاظم لولا استمرار الحرب التي فرضها الإنقلابيون الحوثيون بدءاً من 2014 ومروراً باجتياح كافة المحافظات في 2015.

لكن تلك النائبات الصعاب اتخذت منحنى مخيفاً وخطيراً في جنوب اليمن؛ نتيجة صراع الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي منذ منتصف 2017، كانت عدن هي المتضررة الأكبر منه.

ونظراً لكل ما سقناه من أسباب وعوامل، تبدو الحكومة المرتقبة محلاً لكي تُعوّل عليها الآمال، وتُعقد عليها الأمنيات، في أن تنتقل البلاد -وخاصةً الجنوب- إلى مكانٍ أفضل للعيش والحياة، عنوانه الأبرز القبول بالآخر والتعايش السلمي.

معيار نجاح الحكومة القادمة

تتوجه الانظار نحو الرياض، ليس فقط أنظار الجنوبيين، بل حتى أنظار اليمنيين عامةً؛ لمعرفة ما يمكن أن تتمخض عنه مفاوضات الرياض بين الحكومة والانتقالي.

المؤشرات تقول أن النتائج يمكن أن تكون عبارة عن تشكيل حكومة شراكة وطنية بين الشرعية والانتقالي، بحسب ما نصّ عليه الشق السياسي لاتفاق الرياض، بالتزامن مع تعيين محافظ بمحافظة عدن ومدير عام لإدارة الأمن العام فيها.

ويرى محللون أن الحكومة المرتقبة لا يمكن لها أن تحقق نجاحاً يلمسه المواطنون، سوى بالتركيز مباشرةً على حل المشاكل ومعضلات الأمور التي تسببت بتقسيم وتمزيق واحدية النسيج الاجتماعي الجنوبي، والحفاظ على ما تبقى من تماسك في هذه الجزئية المهمة.

كما أن كثير من المتابعين يعتقدون أن نجاح أية حكومة مقبلة يعتمد على سرعة تلبيتها للاحتياجات الأساسية للمواطنين، كالخدمات العامة من كهرباء ومياه وصحة وغيرها، وتوفير المرتبات بشكل منتظم ومعالجة تردي الاقتصاد الوطني وانتشال العملة المحلية من محنتها، ومعالجة ارتفاع الأسعار، وإحياء عجلة التنمية وتشجيع الحركة التجارية.

تلك المعايير والمشكلات التي يكتوي بنيرانها للمواطن البسيط كفيلة برفع أسهم أية حكومة عند مواطنيها، غير أن أية محاولات لتجاوز تلك المعضلات وترحيلها سيكتب لأية حكومة مقبلة الفشل، وسيجعله أمراً حتمياً.

الجانب الخدمي والتنموي -على أهميته البالغة- لن يكون هو الوحيد الذي ستقاس من خلاله نجاحات الحكومة التي تُجرى مشاورات تشكيلها الآن في الرياض، فثمة جانب ليس بأقل حيوية وأهمية يجب أن تضعه الحكومة القادمة في حسبانها.

إنه الجانب الأمني والعسكري الذي يجب أن تضع له الحكومة القادمة معالجات متوازنة، تُعيد لُحمة المؤسستين العسكرية والأمنية إلى طبيعتها، وتُنهي حالة الانقسام التي يعيشها الوضع الأمني والعسكري، خاصةً في الجنوب

مخاوف ومحاذير من شكل الحكومة القادم

يستاءل كثير من المحللين حول الشكل المتوقع أن تبدو عليه الحكومة الجاري تشكيلها في الرياض، ورغم توقعات بعضهم المتفائلة، إلا أن البعض الآخر يرى أنها ستكون من أصعب الحكومات التي مرّت في تاريخ اليمن عموماً.

ومرد ذلك يعود إلى أن الانقسامات السياسية البارزة بوضوح على سطح المشهد اليمني، ليست بأقل حدة وخطورة من الانقسامات العسكرية والأمنية.

وبالتالي؛ فإن الانقسام السياسي يقتضي بطبيعة الحال توزيعاً للحقائب الوزارية في الحكومة القادمة مبني على "محاصصة سياسية"، ونتيجة لهذه المحاصصة سيبدو شكل الحكومة الجديدة مشتتاً إن لم يكن مشوهاً، تتجاذبها الانقسامات والمصالح.

وهو أمر ليس بجديد على الحكومات اليمنية، التي تماهت مع مثل هذا الانقسام السياسي منذ حكومة ما بعد 2011، واستمر الوضع على ما هو عليه حتى قبيل حرب 2015.

غير أن ما يميز هذه الحكومة عن سابقاتها أنها استغنت عن فصيل غير سياسي ولكنه مسلح، تمثل في جماعة الحوثية المليشاوية، واستعاضت عنه بفصيل سياسي مسلح جديد هو المجلس الانتقالي الجنوبي.

وتواجد المجلس الانتقالي المرتقب في الحكومة الجديدة سيكون هو الأول لهذا المكون والفصيل الحديث، منذ تأسيسه في مايو 2017، لكنه لن يكون وحيداً، بل سيتجاور ويتقاسم حقائب الحكومة مع كلٍ من خصومه في الحكومة الشرعية، وغريمه حزب الإصلاح، وبقية الأحزاب اليمنية المؤيدة للشرعية والتحالف العربي، بل وحتى فصائل الحراك الجنوبي التاريخية.

ولهذا يتخوف مراقبون من إمكانية أن يؤدي هذا الوضع غير المستقر في بنية الحكومة المرتقبة، إلى وضع أقل استقراراً على مختلف الأوضاع الاقتصادية الأمنية؛ ومن المؤكد أن ينعكس ذلك على الحياة المعيشية للمواطنين.

كما أن مصدر الخوف الذي عبر عنه المحللون ينبع من الاستغراب في قبول المجلس الانتقالي المشاركة في حكومة يتواجد فيها "إرهابيون ودواعش" كما كان بعض قادة وإعلاميي الانتقالي يصفون خصوم المجلس من الحكومة الشرعية وحزب الإصلاح.

وفي المقابل، كيف يمكن لحزب مثل حزب الإصلاح، أن يتوافق مع المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي ما فتئ يصفه بأنه "مجلس اتفصالي" يسعى إلى تقويض الشرعية وتشويهها، والحد من تحركاتها الوطنية، وفق محسوبين على حزب الإصلاح.

كما أن مكونات الحراك الجنوبي ما زالت متمسكة بتمثيلها للقضية الجنوبية، باعتبارها أول من تبنى هذا الحراك الحقوقي والسياسي، وترفض استئثار المجلس الانتقالي وادعاءه امتلاك التفويض الشعبي الحصري بالتحدث باسم قضية الجنوب وشعبه.

كما أن ثمة احزاب ومكونات أخرى ستكون متواجدة في الحكومة المرتقبة، كالاشتراكي والناصري، وحتى حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتهمه الحراكيون والجنوبيين بمسؤوليته واشتراكه عن حروب الاجتياح في 1994، 2015.

ولعل هذا الشكل الذي ستبدو عليه الحكومة الجديدة، أقرب إلى "الفانتازيا الفوضوية"، أكثر منه إلى التنوع والتعدد، بحسب مراقبين.

لذلك.. فإن بقاء هذه المكونات المتصارعة لدرجة التناقض داخل بنية وهيكلة حكومة واحدة، كمثل الذي يضع "البنزين بجانب النار"، وفق وصف متابعين، وهو ما قد يفاقم المشكلات التي تمر بها البلاد، والجنوب تحديدً، بدلاً من معالجتها وحلها.

التحدي الأكبر

قد تبدو الانقسامات السياسية بين أطياف الصراع في الجنوب أمراً هيناً إذا قارناها بما هو أسوأ.

وما هو أسوأ هنا يُقصد به الانقسامات العسكرية والأمنية، والاختلافات التي ضربت التشكيلات المسلحة وأدت إلى تشظيها وتعدد ولاءاتها، حتى بات بعضها يُسبّح بحمد أشخاص ويدين بالولاء لها وليس لمؤسسات نظامية رسمية.

فتحديد مصير القوات المسلحة التي يمتلكها كل طرف -الشرعية والانتقالي- أمر لا بد منه؛ لضمان قدر أكبر من الاستقرار، وعدم تكرار الاقتتال بين الجانبين كما حدث في جبهة أبين.

وإذا كان المتصارعون اتفقوا في العاصمة السعودية على تقديم الشق السياسي على حساب الشق الأمني والعسكري من اتفاق الرياض، فإن أولى مهام الحكومة الجديدة المرتقبة يجب أن تتركز في هذه القضية، وهي قضية توحيد التشكيلات المسلحة ودمجها في المؤسستين العسكرية والأمنية الرسميتين.

حيث يعتقد محللون أن بقاء أية قوات أو تشكيلات منفلتة دون أن يتم استيعابها ودمجها في كنف الدولة؛ سيؤدي حتماً إلى تجدد الاقتتال، وتحول كل ما انفلت وشذّ عن نفوذ الدولة إلى شوكة في خصرها، تمنع استقرارها وتفاقم الفجوة بين نسيجها الواحد، وتؤخر تنميتها وتطويرها.

من هنا، يعتبر توحيد التشكيلات العسكرية والأمنية تحديٍ كبير، بل يعد هو الأكبر في مهام الحكومة الجديدة، فعمل هذه الأخيرة لن يُكتب له النجاح والتوفيق إذا استمرت المناوشات والمواجهات هنا أو هناك في رقعة الجنوب المشتعلة.

كما أن هذا التحدي هو المهدد الأخطر على سير أداء اي توافق بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، خاصةً في ظل تعبئة خاطئة شرع فيها الطرفان ضد بعضهما البعض منذ أكثر من ثلاث سنوات.

وما يجعل هذا التحدي صعباً وخطيراً، الفشل الذي رافق كافة محاولات دمج واستيعاب.. حتى أن إعادة هيكلة الكيانات والتشكيلات المسلحة من قبل التحالف باءت هي الأخرى بعدم التوفيق.

فالمخاوف الأكثر تهديداً على تحقيق أي تقدم في الملف السياسي الحكومي تبدأ من تأمين الملف العسكري والأمني.

وسبق للعديد من الخبراء العسكريين أن دعوا إلى ضرورة أن يحظى المقاتل اليمني عموماً، والجنوبي على وجه التحديد، بهوية وعقيدة قتالية أكثر اتساعاً، والا تتقيد بمناطقية أو عنصرية مقيتة، كانت سبباً في تكرر الصراعات والمواجهات.

فولاءات الجنود والمقاتلين في الجنوب اليوم، تأتمر بإمرة أشخاص ومناطق أكثر منها مؤسسات أو كيانات رسمية، بحسب عسكريين.

ويرى الخبراء أن وجود حكومة توافقية يحتم على المتصارعين خفض صوت المناطقية وجعل ولاء وعقيدة كافة جنود ومقاتلي الشرعية أو الانتقالي للحكومة التوافقية وتنفيذ توجيهاتها التي يجب أن تكون توجيهات توافقية.

طبيعة التعامل داخل حكومة توافقية

في ظل مثل هكذا ظروف، ووسط التناقض الذي تمتلئ به المكونات المتوقع أن تتقاسم الحكومة الجديدة، تبقى درجة المخاطر مرتفعة إلى حدٍ كبير، وقد تهدد نجاح الحكومة، إذا لم تضع مصلحة الناس أولاً، وقدمت عليها مصلحتها الحزبية الضيقة.

ووفقاً لهذه المعطيات تظل مسألة التعامل بين المتصارعين داخل حكومة واحدة قضية حتمية ومفروضة عليهم، خاصةً وأن جميع المتصارعين مطالبون بتقديم رؤاهم ومقترحاتهم لتجاوز المشكلات التي تعاني منها البلاد.

بل وأبعد من هذا.. أن أية رؤى يتم تبنيها من هذا الطرف أو ذاك يُحتم على الطرف الآخر الأخذ بها وتنفيذها ما دامت حظيت بالموافقة والإجازة، ومن يعترض على أداء مثل هذه المهام سيضع نفسه في قفص الاتهام بعرقلة عمل الحكومة وعدم التعامل مع أطيافها، بغض النظر عن انتمائهم.

ويعتقد المتفاؤلون أن مثل هذا التقارب والتلاقي العملي الصادر عن المسئوليات الجديدة التي سيتقلدونها؛ سيؤدي إلى توافق بين المتصارعين، على الأقل خلال فترة العمل المشترك الذي تقتضيه المهام الحكومية.

متغيرات لعبة السياسة

غير أن بعض المتشائمين ما زالوا يتمسكون بصعوبة إمكانية التوافق بين أطياف وفرقاء متناقضي التوجهات والانتماءات.

ومثل هذه الظروف باستطاعتها إفشال أية حكومة في أي مكانٍ من العالم.

لكن تبقى اللعبة السياسية مفتوحةً على كل الاحتمالات، خاصةً وأن منظري العلوم السياسية يؤكدون على أن ليس ثمة أمرٌ ثابت في السياسة، وأن ما من شيء ثابت في السياسة سوى "التغيير".

وبناءً على هذه القاعدة يرى المنظرون السياسيون أن أية خلافات أو صراعات يمكن أن تتلاشى وتنتهي، متى ما توحدت المصالح وتواجدت قواسم مشاركة جديدة يمكن أن يبني عليها المتصارعين تحالفات جديدة، لم تكن متوقعة ولم تكن في الحسبان.

لكن هذا التحول الذي ينتظره البعض في علاقة مكونات الحكومة الجديدة، التي سيكون تنوعها "فوضوياً ومتناقضاً"، قد يستغرق وقتاً طويلاً، تتبلور فيه مواقف كل طرف، كلٌ بحسب مصالحه وأجندات من يقف خلفه.

لكن في النهاية، قد يبدو الأمر يستحق المحاولة، كما يستحق أن نرى حكومةً متعددة التوجهات، لنرى كيف سيحكمون!.

الرغبة الفوقية

أي نجاح يتمناه الجميع من الحكومة القادمة، يجب أن يُبنى على أساس من الرغبات الذاتية لكل المكونات وأطياف السياسة اليمنية والجنوبية التي ستشمل منها الحكومة.

لكن.. هل تمتلك كل الأطراف المشاركة في الحكومة رغبةً جادة في تحويل الواقع المزري للجنوب واليمن عموماً نحو الأحسن؟، وهل هذه الرغبة نابعة من داخلها؟.

وحتى وإن شكك البعض في رغبة مكونات الحكومة، ويحاول أن يوحي بأن تلك الرغبة لم تكن ذاتية، أو أنها ليست نابعة من الأطراف المتصارعة نفسها، وإنما فُرضت عليهم "كرغبة فوقية"، فإن العارفين بخفايا السياسية لا ينكرون حدوث مثل هذا الاختراق، كإحدى السبل المتبعة من قبل المجتمع الدولي أو دول الإقليم؛ لفرض السلام والاستقرار.

ولعل المنطقة التي تطل عليها اليمن، وخاصة الجزء الجنوبي من البلاد وخصائصه الجيوسياسية، وقربه من خطوط الملاحة الدولية والصراعات الإقليمية، قد سئمت استمرار الصراع الدائر في البلاد منذ ما يزيد على خمس سنوات.

فلم يعد الجوار الدولي والإقليمي قادراً على رؤية مزيد من الصراعات الجانبية على هامش الصراع الرئيسي بين الحكومة اليمنية والإنقلابيين الحوثيين؛ فلهذا يبدو أن اللاعبين الإقليميين سعوا إلى "فرض رغبتهم" لإنهاء المناوشات الجانبية في الجنوب؛ للتفرغ لما هو أشمل وأخطر، والمتمثل في تهديدات مليشيات الحوثي.

من الذي يهتم؟

ما تضمنته السطور الماضية، قد تهم أرباب السياسة والمحللين، والمهتمين بالشأن المحلي والإقليمي والدولي.

لكنها قد لا تهم المواطن البسيط، الذي ينتظر الاستمتاع بوقتٍ كافٍ من الكهرباء دون انقطاع، ويستطيع أن يرسم ملامح مستقبل أبناءه دون قلق، ويحلم بشيء من الاستقرار والأمان دون أن يتسامع دوي الانفجارات وأزيز الرصاص.

ولعل هذه الجزئيات الأخيرة هي ما يجب أن تسعى لتحقيقه أية حكومة جديدة؛ حتى ينعم اليمنيون والجنوبيون تحديداً بواقعٍ أفضل، يستطيعون من خلاله صياغة أحلامهم وتحقيقها واقعاً ملموساً في الغد القريب.