الحرب الحقيقية في عدن !

Monday 30 November -1 12:00 am
الحرب الحقيقية في عدن !
----------



  سامي الكاف
----------------------

 
 
ثمة اعتقاد أن عودة نائب الرئيس خالد بحاح إلى عدن كانت مهمة بل و ضرورية للتأكيد على الانتصارات التي تحققها المقاومة (الجنوبية و الشعبية) والقوات الموالية للرئيس هادي في اليمن بمساعدة قوات التحالف العربي بقيادة السعودية على مليشيات تحالف صالح- الحوثي.
كانت وسائل الإعلام التابعة لهذه القوات تُركّز على هذه الزيارة و كأنها كانت نصراً عظيماً تحقق على أرض عدن؛ لأن ذلك يعني أن الحكومة اليمنية، والرئيس هادي بالضرورة، ستعود تدير أعمالها فعلاً من أرض الوطن عوضاً عن فعل ذلك من الرياض: [المنفى الرغيد]. لكن سرعان ما أتضح أن العودة كانت مجرد زيارة لثلاث ساعات فقط. لا تنسوا: (في المنفى الرغيد يعيش الرئيس هادي حياته الطبيعية و كذلك يفعل أبناؤه و أحفاده، و كثير من أقاربه وحاشيته، والأطفال يدرسون و يمرحون و الكبار منهم سيواصلون دراساتهم سواء في دول الخليج أو في مصر وتركيا وألمانيا وفرنسا وانجلترا وأمريكا وكندا، و كذلك الأمر ذاته يفعله نائب الرئيس- رئيس الحكومة و أبناؤه و أحفاده، و أعضاء الحكومة و من متصل بها كذلك ..الخ). هل لدى أحد ما معرفة بعدد الذين يزعمون أنهم يديرون اليمن من المنفى الرغيد؟   
حسناً.. أخذت زيارة بحاح الخاطفة إلى عدن حيزاً كبيراً من الاهتمام في عدد غير قليل من وسائل الإعلام. كان بحاح الذي - ارتدى بدلة رسمية رغم صيف عدن اللاهب- يُلوّح بيده اليمنى لمستقبليه الذين حضروا إلى مطار عدن لاستقباله و كأنه حقق بالفعل شيئاً غير عادي. مثل هذه الأخبار - حسب كثيرين- مهمة في العمل السياسي خصوصاً عندما يتم التأكيد على أن المطار الوحيد في عدن بات في مأمن من أي خطر. و هذا أمر يمكن تقبله و تفهمه أيضاً في إطاره السياسي. 
على مستوى ما يحدث على الأرض، لم يهتم أحد من المواطنين في عدن بمثل هذه الزيارة. ليس لأن أحداً غير مكترث بها، بل لكون الجميع مهتم بخوض صراع يومي من أجل البقاء على قيد الحياة. معظم الناس الذين لا علاقة لهم بالسياسة و لا حتى بالقتال مُرغمون على خوض هذا الصراع بغض النظر عن من المتسبب فيه. في الواقع ان الناس - هنا في عدن- الذين يخوضون مثل هذا الصراع ليس بوسعهم التفكير بأمر أخر.
لم يعد أحد مهتماً كما ينبغي بأسباب الحرب التي طالت البشر و الحجر. إنهم - ببساطة- ناس منهمكون في الصراع اليومي من أجل البقاء على قيد الحياة. نعم البقاء وحسب على قيد الحياة.
من المهم الاشارة إلى أن تدفق المساعدات الإغاثية الغذائية و الطبية و الايوائية التي تصل إلى عدن بدأ يسير بشكل أفضل مما كان عليه الأمر في وقت سابق من عمر الحرب التي بدأت في مارس الفائت و هذا أمر جيد. و في هذا الموضوع يبذل الكثير من العاملين في مجال الإغاثة جهوداً غير عادية للقيام بما يتوجب عليهم القيام به وعلى نحو يستحق التقدير فعلاً ففي صفوفهم في نهاية المطاف ناس يتمتعون بالنزاهة و القدرة و السمعة الحسنة. 
و مع ذلك فإن هذا التدفق - على أرض الواقع- يكاد يكون أثره بلا فائدة حقيقية، فعدد الناس المحتاجين إلى الإغاثة أكبر بكثير من حجم هذا التدفق بل و يتجاوزه بمراحل. فضلاً عن ذلك: لا تصل كل المساعدات إلى مستحقيها لأسباب كثيرة و مختلفة بعضها مرتبط بالآليات المتبعة في عمليات التوزيع و بعضها له علاقة بأوجه قصور، و أخرى ذات صلة بالفساد: بعض المساعدات تم الاستيلاء عليها بالقوة و أخرى بيعت في الأسواق.  
إنّ مواجهة تداعيات الحرب، إنسانياً، لا تتمثل فقط في عمليات الإغاثة و ضرورة انجازها على النحو الذي يتوافق مع ما هو مأمول منها. هناك قتلى و جرحى، و هناك أسر نازحة، و هناك مرضى و حالات مستعصية، فضلاً عن كون سوء التغذية لم يصب الأطفال فقط بل وطال معظم الناس على نحو مؤسف، ناهيك عن بُنى تحتية عامة و خاصة لم يعد لها أي أثر، و أخرى باتت مجرد أطلال و حسب، بالإضافة إلى تلك التي طالها عمليات سرقة و نهب سواء من عناصر تنتمي إلى مليشيات صالح- الحوثي أو إلى المقاومة أو إلى بلاطجة و من ذوي السوابق. و لكي يتصور المرء كيف أصبح الحال في هذه المدينة التي كانت ذات يوم تسبق كل مدن شبه الجزيرة العربية تمدناً، يكفيه النظر إلى الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء المنعدمة تماماً في عدد من المناطق والتي أضحت وكأن عدن رجعت 100 عام إلى الوراء: يستخدم الكثيرون (الحطب) للطبخ بدلاً عن اسطوانات الغاز المنزلية غير المتوفرة منذ نحو ثلاثة أشهر. هل كان أحدكم يتصور أن هذا أمر ممكن الحدوث فعلاً: أن تعيش عدن كما عاشت قبل 100 عام؟
إن الناس في عدن و الجنوب، و في عموم مناطق اليمن التي طالتها الحرب بطبيعة الحال، يحتاجون إلى استراتيجية حقيقية على الأرض لمواجهة ما حدث و يحدث، استراتيجية فاعلة على نحو سريع لتصل إلى هدفها، و مستدامة الفعل بالضرورة، و ليس مجرد عرض إعلامي في قنوات التلفاز. إن لم يصل القطار سالماً في رحلته إلى محطته الأخيرة فلا جدوى من رحلته. 
إنّ حجم الدمار الذي خلفته الحرب في عدن هائل فعلاً، بل و كارثي على نحو لم يكن يخطر على بال أحد مطلقاً. و كل هذا لا يشمل معالجة التداعيات النفسية الخطيرة التي دائماً ما تكون نتائج مباشرة لأي حرب: لا أحد يتحدث عن هذه الكارثة الإنسانية التي يتطلب علاجها سنوات طويلة، بل و لا يوجد حتى مركز واحد خُصص لهذا الأمر.
حسناً.. هذه ليست صورة كاملة لحقيقة ما يحدث في عدن. ان معظم الناس الآن يخوضون حرباً من نوع أخر. إنهم يحاولون [الاستمرار في البقاء على قيد الحياة] و هذه هي بالضبط الحرب التي تحدث. إنها الآن الحرب الحقيقية في عدن، و في مناطق أخرى من اليمن بطبيعة الحال. 
سيتوجب على الجميع فهم ذلك و التعامل معه بإيجابية بمن فيهم الرئيس هادي الذي عليه أن يعلم أن استمرار وجوده في المنفى الرغيد [لن يُكتب له الاستمرار] إلى ما لا نهاية، شأنه في ذلك شأن استمراره في البقاء كرئيس وفقاً لمبادرة خليجية حددت مدة رئاسته بسنتين فقط: هل ما زال أحدكم يتذكر هذا الأمر؟  
في نهاية المطاف ستعود الحياة إلى طبيعتها في عدن، و في كل اليمن شريطة أن يتم نزع كافة الأسلحة من جميع القوى في الساحة بدون استثناء. و سيتعين أن ينتهي الحال بالضرورة إلى قيام دول التحالف و في مقدمتها السعودية بإنفاق كم هائل من الأموال - بلايين من الدولارات- لإعادة ما دمرته الحرب؛ والقيام بجهود هائلة أيضاً: حقيقية، واضحة، و صحيحة. في الواقع سيتعين عليها أن تنفق المال وتبذل الجهود في آن.
سيتوجب عليها فعل ذلك على نحو سريع و في هذا ما يمكن فعله و انجازه بخلاف الوصول إلى (حل سياسي) مع كل الأطراف السياسية في اليمن و هو الأمر الذي لا مفر منه. لكن هذا الأخير أصعب و أعقد مما يبدو عليه الأمر على أرض الواقع و إلا ما كان حدث ما نعيشه اليوم و يشهده الجميع.