أصدرت منظمة اليونسكو العالمية تقريرًا بعنوان الاتجاهات العالمية في حرية التعبير وتطوير وسائل الإعلام، يتمحور حول حالة حرية وسائل الإعلام واستقلالها وسلامة الصحفيين خلال الأعوام الخمس الماضية. ويشدد التقرير على الخطر الذي يحيط بالصحافة المستقلة في كل أنحاء العالم بسبب تراجع مستويات حرية الصحافة.
وبعد تحليل 160 مصدرًا للبيانات، أجرته اليونسكو بالاشتراك مع تحالف داتا بوب حول اتجاهات حرية وسائل الإعلام واستقلالها وسلامة الصحفيين، خلصت النتيجة إلى تراجع حرية الصحافة لدى 85% من سكان العالم خلال السنوات الخمس الماضية. وبحث التقرير أيضًا تأثير جائحة "كوفيد19" على بيئات وسائل الإعلام الإخبارية التي تعاني أصلاً من الصعوبات من التعامل مع الرقابة والحصول على التمويل الكافي بما يضمن ديمومتها.
في هذا المقال، تعرض شبكة الصحفيين الدوليين أهم النتائج الرئيسية التي خلص إليها التقرير.
الصحافة المستقلة. عرض التقرير واقع الصحافة المستقلة التي تفضل الصالح العام على المصالح السياسية، التجارية أو الأجندات الخاصة، حيث لفت إلى الخطر الذي تواجهه بظلّ التدهور السريع في نماذج الأعمال التقليدية الذي ساهم في تفاقم أزمة استدامة الإعلام وساهم في تقويض حرية وسلامة الصحفيين حول العالم. كما خلص التقرير إلى أنّ الردود العالمية لهذه التحديات في العقد القادم ستكون حاسمة لتقرير مصير الصحافة المستقلة والديمقراطية حول العالم.
حرية الصحافة في تدهور مستمر حول العالم. شهد 85% من سكان العالم تراجعًا في حرية الصحافة في بلادهم خلال السنوات الخمس الماضية. وأشار تحليل استند على بيانات من معهد تنوع الديموقراطية إلى أنّ الإجراءات التي اتخذت للاستجابة للجائحة قد استخدمت أيضاً كمبرر للتعدي على حرية الصحافة.
القوانين والسياسات والتشريعات الجديدة التي تحدّ من حرية التعبير عن الرأي في العالم الرقمي. أشار تقرير اليونيسكو إلى أنّ الكثير من الدول قامت بإقرار أو تعديل عشرات القوانين التي تحتوي على الكثير من المصطلحات العامة والمبهمة أو على عقوبات مبالغ بها لا تتناسب مع حجم الفعل، منذ العام 2016، مما يقوض حرية التعبير عن الرأي في العالم الرقمي. كما أفادت تقارير صادرة عن شركات الانترنت جوجل وميتا وتويتر زودتها لتحالف Data-pop عن مضاعفة عدد الطلبات الحكومية والقضائية والأمنية لحذف المحتوى عن العديد من المنصات الرقمية العالمية على مدار الخمس سنوات الأخيرة لتصل إلى 117,000 طلب في العام 2020.
الجماهير والدخل الناتج عن الإعلانات واستمرار التوجه الى العالم الرقمي. ممّا يضع نماذج الأعمال التقليدية في خطر محدق. حيث ازداد عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي من 2.3 مليار في العام 2016 الى ما يزيد عن 4.2 مليار في العام 2021، كما أنّ الدخل الناتج عن الإعلانات يتجه بشكل متسارع نحو الشركات الرقمية وشركات الانترنت عوضاً عن وكالات الأنباء والمواقع الإخبارية. حيث أشار تقرير مؤسسة زينيث إلى تناقص دخل إعلانات الصحف عالمياً.
ما زال تمثيل المرأة في المناصب القيادية في المؤسسات الإخبارية وفي البرامج السياسية والإخبارية المهمة ضعيفاً. في حين أن نتائج الأبحاث الكمية والنوعية تشير إلى وجود تحيز مستمر في تمثيل المرأة داخل هذه المؤسسات والبرامج، تتعرض المرأة الى تهميش مستمر من ناحية استضافتها كخبيرة أو كمصدر للمعلومات. تشير الدراسة التي أجرتها المؤسسة الإعلامية الدولية للمرأة (IWMF) حول النقص في تمثيل النساء بالأخبار بظلّ "كوفيد 19" إلى أنّ 27% فقط من أخصائيي الصحة الذين تمّت الإشارة إليهم كمصادر للمعلومات في وسائل الإعلام خلال الجائحة من النساء، على الرغم من أنّ نصف أخصائيي الصحة في العالم من النساء.
ساهم سيل من المعلومات المغلوطة والمضللة على مدار الأعوام الماضية في تراجع الثقة بوسائل الإعلام في كل أنحاء العالم. وصل التحدي المستمر في مواجهة المحتوى الكاذب والمضلل إلى مستويات عالية خلال جائحة "كوفيد19"، مما ساهم في انهيار الثقة في وسائل الإعلام ومصادر المعلومات. حسب نتائج استبيان صادر عن مؤسسة ايلدلمان تراست بارومتر والذي أجرته في 28 دولة حول العالم، أفاد 59% من المشاركين بالاستبيان عن إيمانهم بأنّ الصحفيين يتعمدون محاولة تضليل المتابعين وأنّ المؤسسات الإخبارية تهتم بدعم موقف سياسي معين أكثر من اهتمامها بإعلام الجماهير. كما أشار تقرير الأخبار الرقمية الصادر عن معهد رويترز إلى أنّ ثقة الجماهير بوسائل الإعلام التقليدية قد تناقصت بمقدار 5 نقاط في 18 بلداً خلال الأعوام الخمسة الأخيرة. العزاء الوحيد الناتج عن هذه التقارير والأبحاث هو أن ثقة الجماهير بوسائل الإعلام التقليدية أعلى بـ18 نقطة من ثقتهم بالأخبار والمعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي. ومن المهم التنويه بأن قياس مستوى الثقة هو أمر صعب جداً لأنه من الصعب فصل الثقة عن توجهات الأشخاص السياسية.
شهدت السنوات الأخيرة دعوات متزايدة لإنهاء غموض سياسات شركات الإنترنت في إدارة ومراقبة المحتوى. حيث أن ازدياد الشفافية حول السياسات المتبعة لإدارة المحتوى من شأنه أن يعرض هذه الشركات للمزيد من الرقابة أمام الجماهير والمستخدمين. ولفتت تقارير مستقلة إلى الحاجة لمزيد من الشفافية، لا سيما فيما يتعلق بحوكمة الشركات ومساءلتها حول سياسات الاحتفاظ بالبيانات والخصوصية، والتحقق من المعلومات، ومعايير المجتمع وتنفيذها، بما في ذلك إدارة الرقابة على خطاب الكراهية والمعلومات المغلوطة والمضللة.
الصحافة ما تزال مهنة خطرة. في 9 من كل 10 جرائم قتل للصحفيين لا يتم القبض على الجناة أو محاكمتهم. منذ العام 2016 إلى العام 2021 وثقت اليونيسكو 455 حالة قتل للصحفيين أثناء عملهم أو بسبب عملهم الصحفي، كما أنّ عدد الجرائم التي تمّت متابعتها عن طريق القضاء لم يتجاوز الـ13%، مما يشير الى استمرار حالات القتل والعنف ضد الصحفيين، في حين أنّ عدد التهديدات الموجهة للصحفيين في العالم الرقمي والواقعي في ازدياد مستمر، وعدد الصحفيين الذين تمّ سجنهم قد حقق أرقامًا قياسية جديدة، في حين أنّ التهديدات الرقمية تؤدي الى ارتفاع حالات الرقابة الذاتية من قبل الصحفيين، حيث أنّ هذه التهديدات تؤثر بشكل مباشر على الصحفيات والصحفيين من الفئات المهمشة والأقليات. وفي دراسة عالمية نشرتها اليونيسكو بالتعاون مع المركز الدولي للصحفيين تحت عنوان "العنف الرقمي ضد الصحفيات"، تبيّن أنّ 73% من الصحفيات اللواتي شاركن في الدراسة، أفدنَ أنّهن تعرضنَ لنوع من العنف والتحرش الرقمي خلال أدائهن لعملهن.
يمكن للبيانات المساعدة في فهم قطاع الإعلام وحرية التعبير عن الرأي وتقديم الدعم لهما. ولكن في البلدان والمجتمعات حيث لا تزال الصحافة عرضة للخطر، بقيت صحة النظام الإخباري حول قضايا الملكية والتعددية والاستقلالية والاستمرارية أشبه بصندوق أسود، لكن لكي نستطيع استخدام البيانات وتحليلها من أجل اعتماد سياسات وحلول مناسبة، يجب التغلب أولاً على تحديات توافر البيانات وإمكانية الوصول إليها واستخدامها.
في خضم جائحة "كوفيد19"، أثبتت وسائل الإعلام المستقلة الجديرة بالثقة نفعها العام، لكنها تتعرض لتهديد اقتصادي ممنهج وتحتاج إلى دعم. وأدى تأثير الوباء إلى تفاقم مشكلة استدامة وسائل الإعلام، وهناك حاجة ماسة وضرورية إلى اتخاذ سياسات وتدابير جديدة لضمان أن الصحافة يمكن أن تستمر في العمل للمصلحة العامة.