أ.د مهدي دبان
تفتح المدينة الزراعية ذراعيها للجميع.. مبتسمة رغم الوجع، متماسكة رغم الجراح، ترحب بكل زائر وتعانق القادم والمقيم بكل حُب، لا تبخل بالمشاعر ولا بالخيرات.. إنها جعار، زهرة الجنوب – كما قيل في مقالات سابقة – المدينة الأصيلة التي ما فتئت تمنح وتعطي رغم المآسي والنكد.
لا تراها إلا باسمة، حاضنة للجميع حتى أولئك الذين تنكروا لها، ونسوا فضلها، ونسوا أنها المدينة التي أرضعتهم من خيرها، وأطعمتهم من أكفها، وأسكنتهم في دفء محبّتها. جعار التي ما زال خيرها يصل إلى كل مكان، ويشهد لها القاصي والداني.
نعم، لقد كانت زهرة للجنوب لما تميزت به من جمال ونظافة وتاريخ، واليوم تعاني، لكنها لم تنحنِ، ولم تنكسر، ما زالت شامخة كشموخ جبل خنفر حارسها الأمين المطل عليها، تنبض بالأصالة والكرامة، وتصر على الحياة رغم الألم.
في قلب مديرية خنفر، تتعايش الأرواح في جعار بكل الحب والصفاء، كما فعلوا لقرون. تحتضن القريب والغريب، وتمنح الجميع الإحساس بالأمان والانتماء. أحياؤها تنبض كالأوردة والشرايين: حي التعويضات، حي المثلث، حي المحراق، حي ناجي، وحي يسلم صالح، وكل حي فيها يروي قصة من قصص التعايش والكرم والنسيج الجنوبي الواحد. نموذجٌ فريد للتسامح والاحتواء والتعايش، يثبت أن التآلف ممكن، وأن الجنوب يمكن أن يكون بيتا واحدا متماسكا.
لطالما كانت جعار، قلب خنفر، مدينة المنجل والسلاح، سباقة في المواقف، سبّاقة في التضحيات. ألقت بأبنائها الأبرار في منعطفات التاريخ، يدافعون عنها وعن الأرض والعِرض، ويُسطرون ملاحم من الولاء والعزة والشرف. وقد أنجبت هذه المدينة شخصيات بارزة في السياسة، والجيش، والرياضة، والفن، والمجتمع، ولا تزال رحمها المعطاء ينجب كل يوم.
ورغم كل ذلك.. جُحِد حقها، وتُركت في زاوية النسيان. نسيها من كان يجب أن يكرّمها، وبخل عليها من كانت له الحضن والملجأ. فها هو ملعب "البيتي" في قلبها، يتألم بصمت، يحزن ككل من فيها، يستقبل شباب المدينة بكل الحب، بينما لا أحد يلتفت إليه أو يمد له يدا تعيد له الحياة. إنه ملعب تاريخي، شاهد على مواهب الجنوب، وشبابه الذين لطالما فاخرت بهم الساحات الرياضية.
أليست هذه خيانة؟ أن تظل مدينة الحب والسلام والخير بلا ملعب معشب؟ أليس من الظلم أن يُحرم شبابها من مساحة آمنة تفتح أمامهم الآمال وتبعدهم عن كل ما يؤذيهم نفسيًا واجتماعيًا؟
جعار لا تطلب المستحيل، فقط تريد أن يُعاد لملعبها التاريخي الحياة، أن يُزرع فيه العشب، ليحضن طاقات الشباب ويفجر إبداعهم.
فلنقف جميعا معا.. لتعشيب ملعب البيتي التاريخي لنعيد الروح إلى زهرة الجنوب..