ثمة صراع قائم، لا ينتهي، بين الثنائي : العقل و القلب في ميدان تهذيب النفس، و تثقيفها أمر دائم، و قائم لا يهدأ، إلَّا إنّ الهدف من تهذيب النفس، وفق عدد من التعريفات، هو "إيجاد الانسجام بين هذين القطبين المتناحرين في صراعهما المستمر؛ اللا منتهي، وتشمل أيضاً السيطرة على رغبات القلب". و لذلك فإنَّ الضبط و التنظيم منبعهما العقل، و اللامبالاة و التقلُّب في الأهواء منشؤهما القلب.
في كثير من الأحيان يدخل الإنسان في متوالية من الأسئلة الباحثة عن إجابات شافية ما تنفك تحاصره، ولا يستطيع منها فكاكاً، و هي أسئلة مهمة رغم قدمها، إلا أنها تظل تتجدد دائماً، مثل:
- كيف يمكن للإنسان أن يدرك حقائق الأشياء؟
- كيف يمكن للإنسان أن يميّز بين الخير و الشر؟!!
أو حتى، لنقل:
- كيف يمكن للإنسان أن يوازن بين الخير و الشر إن لم يستطع التمييز بينهما؟!!
- كيف يمكن للإنسان أن يختار بين الصح و الخطأ؟!!
- كيف يمكن للإنسان أن يختار بين الحق و الباطل؟!!!
أيفعل ذلك بعقله؟
أو يفعل ذلك بقلبه؟!
حسناً.. لنضع أسئلة مهمة أخرى لتكون مدعاة للتفكير مجدداً:
- هل يتعين على الإنسان أن يفصل بين عقله و قلبه في اتخاذ القرارات؟
- هل ينبغي على الإنسان أن ينحاز إما إلى عقله و إما إلى قلبه؟
- لماذا عليه أن يفعل ذلك؟!!
علمياً؛ فإن العقل هو أداة الإنسان التي بها يعقل و يدرك، وهو القوة التي تساعده على أن يميّز و يستنبط العلاقات و الترابطات و أسلوب حلّ المشكلات بصورة سريعة و دقيقة، كذلك يعمل على إدراك أوجه الشبه و الاختلاف بين الظواهر المختلفة، أضف لذلك "الطلاقة اللغويّة و الأساليب المبتكرة و الاختراعات، كل ذلك و أكثر هو من صميم عمل العقل و ليس القلب" وفق ريهام أبو عياش في تعريفها لعمل العقل.
و مصطلح العقل، ذاته، يستعمل دائماً لوصف القدرة على التمييز و الادراك و اتخاذ القرار بالاستفادة من بيانات للدماغ البشري وخاصة تلك الوظائف التي يكون فيها الإنسان واعياً مثل: التفكير، الجدل، الشخصية، الذاكرة، الذكاء، التحليل؛ وحتى الانفعال العاطفي يعدها كثيرون ضمن وظائف العقل.
و العقل، يا صاح، بالإضافة إلى ما جاء بعاليه، قادر أيضاً على فهم ما يجري وما يحدث من حوله دون مساعدة من أحد، و"كلّما كان الإنسان أكثر قدرة على ذلك كان مستوى ذكائه و قدرته العقلية أعلى و أكبر".
و مع ذلك فإن أكثر الناس نجاحاً في اتخاذ القرارات المناسبة هم الذين يوازنون بين العقل و القلب.
في تقرير قرأته في 2016، أكتشف علماء ان اضطراب معدل ضربات القلب و عملية التفكير يعملان جنباً إلى جنب من أجل الوصول إلى حلول منطقية للمشكلات.
يقول الدكتور أيغور جروسمان، من جامعة واترلو في كندا: "لقد أظهر بحث علمي أن التفكير المنطقي ليس حكراً على العقل و القدرة المعرفية وحدهما".
أضاف: “لقد وجدنا أن الأشخاص الذين لديهم معدل أكبر من اضطراب ضربات القلب والذين لديهم القدرة على التفكير في المشكلات الاجتماعية عن بُعد يمتلكون قدراً أكبر من الحكمة”.
وحده، الإنسان الذي يعاند، إما انطلاقاً من رغبة في الانتصار لذاته المنكسرة، و إما هرولة وراء جهله، سيستمع إلى قلبه، لا إلى عقله، و يرمي نفسه وسط البحر ليسبح؛ لأنه يحب السباحة منحازاً إلى قلبه، على الرغم من أنه لا يجيد السباحة..!