كنت يوم أمس الأربعاء (28 مارس 2018م) على تواصل مع الزميل الدكتور يحيى الريوي أستاذ المعلوماتية بجامعة عدن ورئيس المركز الوطني للمعلومات في حكومة الشرعية، الدكتور والعالم الذي استقرت به رحلة النزوح في العاصمة القطرية الدوحة حيث وجد من يحترم مواهبه وقدراته.
وللأمانة فقد كان هو المبادر للاتصال للسؤال عن صحتي بعد أن سمع عن إجرائي عملية علاجية صغيرة لانتزاع قسطرة من منطقة الحالب وهذه القسطرة زرعت أثناء عملية زراعة الكلية الجديدة في أواخر يناير الماضي، واكتشفت أنه يتصل من مدينة جنيف السويسرية حيث يشارك في مؤتمر القمة العالمي للمعلوماتية، ألقى فيه محاضرة عن الثورة العلمية التكنولوجية الرابعة، وهذا الموضوع ما يزال غير معروف التفاصيل بالنسبة للكثيرين من غير المتخصصين وأنا أحدهم.
ليس هذا موضوعنا، فالرجل يتقن تخصصه بمهارة فائقة، وما زلت أتذكر أنني سمعت على لسانه لأول مرة في العام 1989 وما بعدها مفردات مثل (الدوز) و (الويندوز) و(الوورد) و(الإكسل) و(الآكسيس) حينما أسس معهد تعليم الكومبيوتر برعاية اتحاد الشباب الاشتراكي اليمني (أشيد)، لكن موضوعنا هنا حادثتان غريبتان جرتا مع تقديم الدكتور الريوي محاضرته ثم مداخلته النهائية في الجلسة الختامية.
الحادثة الأولى: وهي غياب الدكتور علي مجور سفير اليمن لدى المقر الأوروبي للأمم المتحدة (حيثما عقد المؤتمر) عن جميع الجلسات بما في ذلك الجلسة التي تحدث فيها الدكتور الريوي، بينما حضر جميع سفراء ال ١٤٩ دولة المشاركة في المؤتمر ، وظلوا قاعدين بجوار الوفود العلمية لبلدانهم، بينما ظل الدكتور الريوي وحيدا على المقاعد المخصصة لليمن، وقد برر السفير د. علي مجور غيابه بعدم تلقيه توجيهات من وزير الخارجية (عبد الملك المخلافي) لحضور جلسات المؤتمر، (كما روى لي الدكتور الريوي)، ويبدو على الأرجح تلقيه توجيهات بمقاطعة الجلسات لأن سيادة الوزير المخلافي يعتقد أن اليمن قد تجاوزت الثورة الرابعة، فما حاجته لهذا المؤتمر ؟
الحادثة الثانية: تلقي د. يحيى الريوي اتصالا من مسؤول كبير في مؤسسة الرئاسة اليمنية في الرياض، يبلغه فيه استياء فخامة رئيس الجمهورية المشير عبدربه منصور هادي لما تضمنته كلمة د. يحيى في الجلسة الختامية وهي الكلمة التي لم تصل إلى أربع دقائق (يمكن العثور على تسجيل لها على صفحتي على فيس بوك).
نشير هنا إلى أن الصفة الرسمية للدكتور الريوي هي رئيس المركز الوطني للمعلومات (بدرجة وزير) وبرغم أن الدعوة التي تلقاها لحضور القمة العالمية للمعلومات جاءت بصفته الشخصية لما حقق من سمعة متميزة بفعل مشاركاته الإبداعية في الكثير من الفعاليات الدولية، مع الإشارة إلى أن كل المشاركين (من أكثر من 150 دولة) تحملت دولهم نفقات سفرهم وإقامتهم ومصاريفهم بينما تحمل الدكتور يحيى الإنفاق على نفسه سفراً وسكناً وتغذيةً وغيرها من النفقات، وبرغم هذا أصر الدكتور الريوي على أن يمثل الدولة التي ينتمي إليها وتناول في كلمته القصيرة أوضاع اليمن وموقعها من ثورة المعلومات ومستوى الخدمات التي تصل إلى المواطنين.
وبدلاً من شكره وتقديره على هذا الموقف الوطني النبيل، وتمثيله للبلد التي بقي مقعدها فارغاً إلا منه، طوال جلسات المؤتمر، راح المتنفذون في رئاسة الجمهورية يوجهون له رسائل الاستياء، تماما كما فعلوا معه في العام 2013م عندما رفض الدكتور الريوي صفقة مشبوهة (تخص المركز الوطني للمعلومات الذي يديره) مع إحدى الشركات الصينية بكلفة 60 مليون دولار عقدت عبر اتفاق ثنائي بين الشركة وبين أحد النافذين في مكتب رئاسة الجمهورية، بالمخالفة لقوانين المزايدات والمناقصات ، وراح هذا النافذ يعد ملفا لاتهمام د. الريوي بالفساد، لكن الحوثي وعفاش كانا أسرع من هؤلاء الذين لا يستقوون إلا على الشرفاء والنزيهين ويتحولون إلى أرانب وديعة أمام العتاة والعتاولة ولصوص المال العام والمتمردين.
من الوضح أن الاستياء جاء من الجماعة التي تحيط برئيس الجمهورية وهم يستغلون مراكزهم في مؤسسة الرئاسة للتعبير عما يجول في خواطرهم ثم ينسبون ذلك الشعور إلى رئيس الجمهورية الذي لا يرون فيه إلا مجرد موظف لديهم وإن بدرجة رئيس جمهورية، أما الرئيس فلا أخاله فاضياً لمتابعة ماذا قال فلان؟ وماذا حكى علان؟ وربما يأتي هذا الاستياء كإجراءٍ تمهيدي للاستيلاء على الوظيفة التي لم تعد ذات قيمة تذكر إلا من زاوية الراتب الشهري والموازنة التي سيحصل عليها من سيخلف الدكتور الريوي الذي لم يستلم ريالا يمنيا واحدا منها من الحكومة اليمنية منذ تعيينه بهذا المنصب، في حين يستلم نظرائه من المقيمين في الرياض عشرات الآلاف من الدولارات شهرياً مقابل لا شيء، لأنهم لا يقومون بعمل ولا يقدمون للبلد ما قيمته دولار واحد.
سيستمر المستاؤون في استيائهم من تفوق الدكتور الريوي وإبداعاته التي لا يستطيعون فهم معانيها وأبعادها، أما الدكتور الريوي فإن عشرات الجهات الدولية والشركات التجارية والمؤسسات الجامعية والمعاهد العلمية تتسابق على عقد اتفاق معه لانتقاله إليها للاستثمار في كفاءته وسمعته وقدراته العلمية والتكنولوجية الاستثنائية بينما يتسابق هؤلاء على المناصب التي لا تحتاج عملاً ولا يوجد ما تقدمه للوطن والمواطن، خصوصا في ظل هجرتها المتطاولة التي لا تلوح لها نهاية في الأفق القريب.