قالت أوساط يمنية إن التزام التحالف العربي بالهدنة سيجعله يركز على الجانب الإنساني في أنشطته ليبدو وكأنه يوفر بنفسه للحوثيين فرصة الاستعداد للحرب من جديد، خاصة في ظل تجارب سابقة للمتمردين المرتبطين بإيران الذين استفادوا من التهدئة لتجهيز أنفسهم.
ويدعم التحالف العربي وقفا دائما لإطلاق النار بالتوازي مع مشاورات الرياض بين الأطراف اليمنية التي دعا إليها مجلس التعاون الخليجي والتي يأمل القائمون عليها في تحويلها إلى غطاء سياسي ينظم البيت الداخلي للقوى اليمنية المناهضة للحوثي، وتهيئة هذا المعسكر المضطرب للتعامل مع أعباء التحولات الدولية والإقليمية المتسارعة بخصوص الملف اليمني والتعاطي بشكل جدي مع استحقاقات أي اتفاق سلام يُبرم مع الحوثيين مستقبلا.
ويراهن المجتمع الدولي على الهدنة التي أعلنت عنها الأمم المتحدة ودخلت حيز التنفيذ في اليمن، آملًا في أن تؤسس لمسار جديد في العملية السياسية وخفض مستوى العنف وتعزيز خطوات بناء الثقة بين الفرقاء اليمنيين.
وأعلن الجيش اليمني عن رصد العشرات من الخروقات الحوثية لوقف إطلاق النار الذي يسري لمدة شهرين قابلة للتمديد، في ظل مخاوف متصاعدة من استخدام الحوثيين الهدنة كغطاء لإعادة ترتيب صفوفهم وحشد المزيد من العتاد والمقاتلين باتجاه محافظة مأرب.
وقال المركز الإعلامي للجيش اليمني الأحد إن ميليشيا الحوثي ارتكبت سلسلة من الخروقات للهدنة المعلنة في يومها الأول في مختلف جبهات القتال بمحافظات الحديدة وحجة وتعز والجوف ومأرب.
وأفاد بأنه تم رصد أكثر من 44 خرقا ارتكبته الميليشيا الحوثية، وتنوّعت هذه الخروقات بين هجمات على مواقع القوات الحكومية واستهداف مواقع عسكرية ومدنية بسلاح المدفعية والعيارات المختلفة، إضافة إلى الدفع بتعزيزات بشرية وعتاد ضخم إلى مختلف الجبهات، بجانب خروقات وتحركات أخرى تأتي في إطار استعداد الميليشيا لشن هجمات واسعة.
وتترافق الخروقات الحوثية مع تحضيرات متسارعة لتنفيذ بقية بنود المبادرة التي رعتها الأمم المتحدة والتي تنص على السماح بدخول سفن المشتقات النفطية وتشغيل رحلات مباشرة من مطار صنعاء الدولي إلى الأردن ومصر، إضافة إلى استكمال عملية تبادل الأسرى والمعتقلين بين الحكومة اليمنية والحوثيين.
وشهد الإعلان الأممي عن مبادرة وقف إطلاق النار ترحيبا إقليميا ودوليا واسعا بعد أن رحبت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا والحوثيون والحكومة السعودية والإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي بالخطوة واعتبروها انفراجة في المسار السياسي للأزمة اليمنية.
ويشكك مراقبون يمنيون في جدية الحوثيين في الانخراط في حوار سياسي جاد يفضي إلى وضع حد للحرب اليمنية، مستشهدين بتاريخ الجماعة الطويل في عدم الالتزام بالاتفاقيات والاستفادة منها في تحقيق أهداف عسكرية وسياسية من بينها تخفيف الضغوط الشعبية والدولية عن الجماعة نتيجة تفاقم الوضع المعيشي والاقتصادي في مناطق الانقلاب.
وفي تصريح لـ”العرب” يتعلق برؤيته لمصير الهدنة، قال الباحث السياسي اليمني محمود الطاهر إن “الهدنة مازالت حتى الآن من جانب واحد، وعلى المستوى الإعلامي، بالرغم من أن الحوثيين هم من طالبوا بها”.
وأشار الطاهر إلى أن الميليشيات الحوثية وظفت أحدث الأسلحة والعربات المصفحة التي نهبتها من الحرس الجمهوري، وزجّت بها في جبهات مأرب التي تتعرض لهجوم عنيف من قبل جماعة الحوثي على كافة الجبهات الشمالية والجنوبية والغربية دون توقف.
وتابع “الحوثيون حتى الآن ارتكبوا أكثر من 80 خرقًا للهدنة الأممية، فقط في محافظة تعز، وتلك الهجمات أكثر من الهجمات المعتادة اليومية قبل إعلان الهدنة، وهو ما يشير إلى أن الحوثيين يعدون لجولة كبيرة من الحرب ضد الشعب اليمني، أو ربما فهموا الهدنة بطريقة خاطئة، على اعتبار أنها بين السعودية والحوثيين، كما تتحدث وسائل الإعلام الحوثية لأنصارها”.
ويسعى الحوثيون لتكريس هدنة تعمل على تحييد التحالف العربي ووقف عملياته الجوية مقابل وقف عملياتهم بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية خارج الحدود، دون أن يشمل ذلك وقف أي من هجماتهم على محافظة مأرب وبعض الجبهات الأخرى داخل اليمن.
وحول إمكانية صمود الهدنة أضاف الطاهر “أعتقد أن الحكومة اليمنية ستلتزم بها، وستكتفي بالدفاع عنها، لكن الحوثيين سيستغلونها في عملية التحشيد، لاسيما وأن الهدنة تأتي بالتزامن مع حملة حوثية أطلقوا عليها اسم: إعصار اليمن للتحشيد”.
وتابع الطاهر “لم يكن الحوثي ليقبل بتلك الهدنة لولا الاستنزاف الكبير الذي تعرض له من قبل ألوية العمالقة الجنوبية في شبوة وحريب مأرب والقوات المشتركة في تعز والجبهة الجنوبية في الحديدة، ولولا الرفض المجتمعي الواسع للحوثي. لكنه طالب بهذه الهدنة لإعادة استراتيجية التحشيد والتعبئة العامة بهدف إسقاط مأرب”.
وعن التحديات التي تواجه وقف إطلاق النار قال الطاهر “هناك تحديات كبيرة لصمود هذه الهدنة، منها التزام الحوثي بمخرجاتها، وتسليم رواتب الموظفين من خلال عائدات مطار صنعاء الدولي وكذلك ميناء الحديدة وفقًا لاتفاق ستوكهولم والهدنة الأممية الأخيرة، وحتى الآن لم ينخرط الحوثيون في البدء العملي للهدنة من أجل تخفيف المعاناة عن المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، ولم يرفعوا الحصار عن تعز، ولم يبدأوا بإجراءات على الأقل تؤكد أنهم ملتزمون بالهدنة”.