عفارة
أ.د مهدي دبان
العقل والعضلات معا... المهارات الفذة والقوة البدنية... الفكر الراقي واللعب الرجولي المتقن... صفات لا تجتمع إلا في النادر، والنادر هو موضوع حديثنا اليوم.
من بين أزقة حواري الشيخ عثمان، ومن عبق الروحانيات في تلك الأزقة، بزغ نجم خالد في سماء الكرة اليمنية. نجم لم يكن عابراً، بل ظل علامة فارقة، بل إن لم أبالغ أقول إنه الأفضل على الإطلاق. أفضل من أنجبتهم ملاعبنا، وأفضل من مثّلنا خارجها.
ترعرع الأسد الهصور في مراتع الرجولة، في روابي الفيحاء. وعلى أصوات موشحات مولد الهاشمي، تبلورت شخصيته واكتمل تكوينه. كان رجلاً قبل أن يشب عن الطوق، مكتمل الصفات خلقا وأخلاقا. لم يطل به المقام في الفئات العمرية لفريق وحدة عدن، إذ سرعان ما صعد إلى الفريق الأول، وفرض نفسه رقماً ثابتاً في منتخباتنا الوطنية بمختلف فئاتها.
حين تشاهده في الملعب، تراه صلبا، صارما، لا يلين. خارجه، تراه مبتسمًا، ضاحكًا، يعيش بين الناس، بسيطا كأبناء الحواري الجدعان الذين خرج من بينهم. بينما البعض يطغى ويتعالى بما لايملك، تجده من عليائه يعيش التواضع، والبساطة، والروح الجميلة الراقية.
هو اللاعب الذي أجمع على حبه والتغني به جمهور ناديي الغريمين: التلال والوحدة. وهو أمر لم يحدث لأحد غيره، ولن يتكرر. أحبته الجماهير، وصفق له اللاعبون، وأشاد به المدربون والإعلاميون. ظاهرة كروية تستحق كتبا ومجلدات.
تألق خالد عفارة أو كما يحب أن يناديه محبيه العفرور، في صفوف نادي تضامن صور اللبناني، وكان سفيرا فوق العادة للكرة اليمنية في المحافل الخارجية. التصق به لقب "وزير الدفاع" وكان ظلما له فهو جيشا كاملا بعتاده فهو نجمًا فريدًا في الأداء والتألق والنجومية وقبل كذلك في البساطة المتناهية..
هو خالد الخالد في الذاكرة، الباقي في الوجدان. النجم الذي لا يمكن الوصول إلى تاريخه بسهولة، لأنه ببساطة، نجم في السماء، وأصله من الأرض وبين الناس.
العفرور ...ليس مجرد اسم في سجل اللاعبين، بل هو فصل كامل في تاريخ الكرة اليمنية. هو أسطورة جمعت بين الفكر، والقوة، والخلق، والنجومية. سيظل خالدا في القلوب، كما خلدته الملاعب والتاريخ.