اجمد راضي
أ.د مهدي دبان
في زمن كانت فيه الكرة عشقا خالصا، وكانت المتعة تُقاس بمدى قدرتك على الوصول إلى جهاز تلفاز ينقل مباراة عالمية أو عربية أو خليجية أو حتى محلية، وُلدت لدينا قصص عشق لا تُنسى. لم يكن الطريق سهلاً، ولم تكن الوسائل ميسرة، لكن الشغف كان قائدنا والقلوب تنبض بأسماء خُلدت في الذاكرة. من بين كل أولئك، كان هناك لاعب واحد فقط خطف روحي، وجعلني أقطع المسافات من كريتر إلى المعلا مشيا على الأقدام، فقط لأشاهد سحره يُعرض عبر تلفزيون صنعاء في وقتٍ كان فيه تلفزيون عدن يقاطع البطولة لأسباب سياسية.
كنت أذهب إلى مقهاية صغيرة في المعلا، ذلك المكان البسيط الذي امتلك جهاز استقبال يلتقط بث تلفزيون العربية اليمنية سابقًا، فقط لأشاهد كأس الخليج. لم أكن أتابع البطولة كغيري، بل كنت أبحث عن لاعب واحد، عن لحظة يظهر فيها أحمد راضي على الشاشة، فيأسرني كما تأسر القصيدة قلب الشاعر.
كان هناك شيء مختلف في هذا اللاعب... لا يمكن أن تشرحه بالكلمات، ولا أن تختصره في مهارة أو هدف. كان هادئا... لا يُثير المشاكل، لا يتصدر العناوين بالصخب، ولكنه فجأة يتحول إلى إعصار، ينقض على فريسته كالوحش الكاسر، يغير مجرى المباراة، يوقظ الحماس، ويجعل الجميع ينهض واقفا يُصفق.
كان مبدعا لدرجة الخيال. يذهب إلى الملعب بكامل أناقته، يلبس الزيّ وكأنه في عرض أزياء راق، وقامته الرشيقة تجعلك تظنه راقص باليه، يتنقل بين المدافعين بخفة ورشاقة لا يتسخ جسده بعشب الميدان، وكأن بينه وبين الأرض اتفاقا أن لا تُفسد زينته. يعانق الكرة بعينيه قبل قدميه، يلاعبها بحب، يهمس لها فتطاوعه، تدور معه كأنها شريكته في رقصة خيالية، كأمير يتهادى بخفة وأناقة في قاعة البرت الكبرى.
لم يكن مجرد لاعب... كان لوحة فنية تمشي، وكان الحلم الذي تمنيت أن أراه يوما أن يحترف في أوروبا ليُدهش العالم كما أدهشنا.
أحمد راضي لم يكن نجما عابرا، بل كان أسطورة تجسدت في نجم، ملأ قلوبنا حبًا وساحاتنا فرحا. لم تكن خطواتي من كريتر إلى المعلا سوى رحلة حب خالص، سطرتها الذاكرة في زمن لا يُنسى. سلام على اللاعب الذي لم تلوثه الأضواء، وظلّ نقيًا كأول هدف سجله، وأنيقًا كأول ظهور له، خالدا فينا ما حيينا ....رحمه الله تعالى واسكنه الفردوس الأعلى. من الجنة ...