المكتبة الوطنية " باذيب" مرآة عدن وواجهتها الحضارية

Monday 30 November -1 12:00 am
المكتبة الوطنية " باذيب" مرآة عدن وواجهتها الحضارية
تقرير / عبدالقادر باراس
----------

 كانت مكتبة "ليك" هي المكتبة الوحيدة قديما في عدن تأسست في 1919-1953م تقع بنايتها في بلدية عدن المسمى "المجلس البلدي" وعرفت هذه المكتبة بعد ذلك في الستينيات بـ "مكتبة مسواط" كما شهدت عدن في الخمسينيات من القرن الماضي في عدد من مناطقها وجود مكتبات متنقلة كانت تابعة لمكتبة "مسواط" هذه المكتبات المتنقلة تجرها عربة تابعة لبلدية عدن تقف في أماكن محددة وبمواعيد يتم إعلانها مسبقا، يصعد مرتاديها حتى يتمكنوا من الجلوس والقراءة بداخل العربة وفي أوقات قصيرة ومحددة.

وبعد الاستقلال الوطني 1967م توقف دورها بالكامل لسنوات حتى أنشئت بديلا عنها مكتبة وطنية عامة عرفت بـ"مكتبة الفقيد عبدالله باذيب" والذي تقع بالقرب من المتحف العسكري بكريتر، المكتبة مهداة  من دولة الكويت للشعب الجنوبي والذي تم افتتاحها في 14 أكتوبر 1980م.

بدت المكتبة تظهر شخصيتها الاعتبارية المستقلة كأحد المؤسسات الثقافية والعلمية بعد أن تم فصلها عن المركز اليمني للأبحاث والثقافة والآثار والمتاحف في العام 1983م، لكنها بقيت مقتنية بحفظ المراجع والوثائق والدوريات ذات الارتباط بالجوانب التاريخية والثقافية لتلبي الحاجات الملحة للبحث الثقافي والعلمي وفي مختلف فروع المعرفة، وتقام فيها معارض وندوات ومحاضرات. كما أسهمت برفع مستوى التأهيل والتدريب لأمناء المكتبات على الصعيد الداخلي والخارجي، وتقدم تسهيلات لمرتاديها من الطلاب والباحثين ومن ذوي الإهتمام بالثقافة والمعرفة بنظام الإعارة.

قدمت المكتبة العامة منذ افتتاحها دورا تنويرا في نشر العلوم والمعارف، وتضم بين رفوفها مختلف كتب مكتبة "مسواط" إلى جانب الكتب الخاصة بمكتبة الجيش البريطاني، وفيها  إدارات وأقسام التي تقدم خدماتها مثل إدارات التزويد والتصنيف والميكرو فيلم وأقسامها المختلفة والعامة "الإعارة" والمراجع الأجنبية واليمانيات والإبداع القانوني والطفل والدوريات، إلى جانب قاعتين للفقيد لطفي أمان وأخرى للكتب القانونية.

فقد كانت تجربة المكتبات العامة في فترة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين في عدن تجربة ناجحة في رفع المستوى الثقافي والأدبي والعلمي.

يتذكر كثيرين ممن عاصروا المكتبة  في سنوات افتتاحها الأولى بأنهم منبهرين من حداثتها ولا ينسوها في حياتهم عند زيارتهم المتكررة لها، حيث وجدوا التنظيم فيها، وكانوا سعداء وفخورين بارتباطهم الوجداني بها ومعتبرينها البيت الأخر لهم يستظلون منها المعرفة بالكتاب.

كان مرتادوها يخصصون أوقاتهم لخلق المتعة في القراءة، ويعدونها من الطقوس المحببة لهم، ويجدون الاستفادة من كتبها، فالجامعيين والطلاب يعتمدون عليها في الحصول على مراجعهم عند كتابة بحوثهم. كانت تزخر رفوفها بكتب متعلقة بالأفكار الاشتراكية لطبيعة توجه البلد آنذاك.

استقطبت المكتبة معظم الباحثين في عدن والمحافظات المجاورة لها وحتى من خارج البلد خاصة في الدراسات الاجتماعية والإنسانية لطالما وجدوا ضالتهم فيها بما تحتويه المكتبة من كنوز معرفية مختلفة وناذرة ومخطوطات من المكتبات العالمية وكذلك من الصحف والمراجع العلمية. ويتذكرون بأنها كانت توفر لهم هواءً مكيفا، وتقدم لهم خدمة بمستوى راقي بما يتوفر لها من إمكانيات حتى فيما يتعلق بالوثائق التي تم توثيقها وحفظها عن طريق الميكرو فيلم والميكرو فيش.

كانت قاعاتها تعج بالحضور والمشاركات في ندوات وفعاليات تقيمها الجهات الرسمية فيها، وتعرض أفلام وثائقية وتعليمية في أوقات محددة. كما تنظم بعض المدارس زيارات إليها بالتنسيق مع إداراتها ليطلعوا على ما فيها من كتب.

لا زالت إدارة المكتبة تتبع نظام "إعارة الكتاب" عن طريق بطاقة عضوية ينالها المشترك في المكتبة ليحصلوا عليها بتسجيل الاسم وعنوان الكتاب وتاريخ الإعارة وخلال فترة زمنية محددة وذلك لقاء اشتراك رمزي. ومرتاديها إذا لم يجدوا ما يريدونه من كتاب معين كانوا يسألون عنها فيقوم مسئول القسم المحدد بتسجيلها بقائمة لترفدها إدارة المكتبة.

وكان يتم إهداء كتب وكتيبات للمكتبة من قبل مؤلفيه ومعديه عن طريق الوزارة "وزارة الثقافة" وبموجبه تعطى لهم رسالة شكر مرفقة لمؤلف الكتاب او معده.

إذا ما قارننا تلك التجربة الرائعة التي كانت قائمة آنذاك والدعم الذي تلقاه المكتبة من قبل الوزارة منذ تأسيسها ومقارنتها بواقع حالها اليوم، سنجد فارقا كبيرا بين ما كانت عليه بالأمس حيث لاحظ كثير من مرتاديها عند زيارتهم للمكتبة بأنها تعيش منذ العقدين الماضيين بحالة من الركود ووضع متدني إلى جانب الإهمال وغياب المسئولية ويرجي موظفيها واقعها الصعب الذي تعيشه اليوم نظير الإهمال والتهميش المتعمد وقلة الإمكانيات بميزانية تشغيلية لا تكاد تذكر، فعلمنا بأنها تقدر بـ (80) دولار شهريا، كما يؤكد موظفي المكتبة بأنه منذ عام 1993م عدم وجود دعم كاف لتغطية نفقاتها، كما قلصت واردات الكتب إليها وعدم استطاعتها شراء كتب لعدم وجود مخصص لها، كما لم يتم إدخال دماء شابة للعمل في أقسام المكتبة مع أنه كان يفترض إدخال الكادر لتطويرها لكن ذلك لم يحدث، وبقيت المكتبة مستمرة تقوم بدورها التنويري لتسّير أنشطتها دون تطور.

يقول سالم بن سالم يوسف، أحد مرتادي المكتبة مدرس تربوي بمحافظة لحج: "في أثناء بحثه للصحف القديمة بقسم  الدوريات والنشرات اخبره احد مسئولي القسم "قسم الدوريات" بأن بعضها موجودة في المستودع ولا يوجد من يقوم بنقلها من المخازن إلى المكتبة، لكني قلت له اخشى أن تتلف". كما أبدى سالم ملاحظته بالقول: " يفتقد قسم الدوريات بعض الصحف لعدم توفرها، وإن توفرت لم يجدها مرتبة، وهي بحاجة إلى إعادة ترميم وتجليد". 

تحدث لـ"عدن الغد" الأستاذ عبدالعزيز بن بريك مدير عام المكتبة الوطنية العامة بعدن عن أهمية المكتبة ودورها في تنمية وتثقيف الفرد قائلا: "تبرز أهمية القراءة من كونها تخلق عوالم معرفية وقيمية للفرد. وهذا لن يتأتى إلا من خلال الاهتمام بغرس البذرة الأولى عند الأطفال وتجديد المهارات لدى هذه الفئة حتى تتربى على هذه العادة الجميلة".

واستطرد بن بريك بالدور الإيجابي والبناء الذي تلعبه المكتبة قائلا: "ومن هنا نعمل في المكتبة الوطنية على الاهتمام بكل الفئات المستهدفة من أطفال وطلاب مدارس وجامعات وباحثين وخلق مناخ من خلاله يتم ربط الفئات المستهدفة بالمكتبة عبر عدة طرق منها القراءة الداخلية وعملية إعارة الكتاب وتوثيق البحوث والرسائل العلمية وإقامة الأنشطة الثقافية والعلمية وفتح مجال أوسع لأنشطة المنظمات الشبابية المختلفة في المدينة وذلك عبر إقامة الندوات والدورات التدريبية حول المهارات المتعددة للشباب وكذا الدورات التعليمية".

وأشار بن بريك بتبني المكتبة بدور عملها الجديد من خلال خروجها من الأسوار الداخلية لبنيتها إلى ماهو أوسع وأعمق لإداء رسالتها المعرفية والثقافية في عدن هذه المدينة التي دوما وأبدا يتخلق فيها الجديد من الإبداع.

وفيما يتعلق بتجديد الكتاب في المكتبة قال بن بريك: "يجبرنا الحديث عن تجديد الكتاب فهو الذي يقف عائقا أمام بحر الإصدارات الجديدة التي لم تعرضها المكتبة الوطنية منذ العام 2000م حيث ان هذه القطيعة مع الجديد يدخلنا باحراجات مع القارئ الذي يهمه أن يقرأ إلى جانب ماهو موجود في المكتبة من إصدارات جديدة".

وحول النشاط العام للمكتبة في الأشهر القادمة قال بن بريك: "أن هناك حملة بعنوان "معا لنقرأ من أجل المستقبل".

وعن الصعوبات والتحديات التي تواجهها المكتبة قال بن بريك :"هناك صعوبات نواجهها لكن لا صوت لم تنادي، حيث سبق أن زاروا المكتبة خمسة وزراء ولم يفعلوا شيء فميزانيتها لا تكفي حتى لشراء أدوات تنظيف ليومين. لكن مع ذلك أنشطتنا المستمرة هي التي تمنحنا للحفاظ على هذه المؤسسة الثقافية. كما تشكو من الاعتمادات الحالية لبنود المطبوعات والكتب ضئيلة جدا تقدر بـ (10) دولار شهريا، كما تعاني المكتبة إلى جانب أنشطتها المختلفة من عدم اهتمام الهيئة العامة للكتاب بصنعاء بمتابعة ما ينقصها من إمكانيات وتحديثات تنهض بها المكتبة لأداء رسالتها المعرفية، على الرغم من أن ميزانية المكتبة الوطنية عند تأسيس الهيئة العامة للكتاب ارتكزت عليها الهيئة باعتبار أن المكتبة الوطنية بعدن كانت محور ارتكاز عمل الهيئة عند التأسيس وحتى الآن".

وينهي عبدالعزيز بن بريك مدير عام المكتبة قوله عن ما تواجهه المكتبة من صعوبات: "أيضا عدم قدرة المكتبة بالإيفاء بمتطلبات القراء من خلال عدم وجود المناخ الملائم لجذب القراء داخل القاعات وخاصة في فصل الصيف حيث ان المكتبة تعاني من نقص أجهزة التكييف الأمر الذي يجعل القارئ لا يستمر طويلا داخل المكتبة. ومع كل ما ذكر من صعوبات إلا أن المكتبة تعمل بإمكانياتها المحدودة، فهذا تحدي نخوضه يعطينا قدرة أكبر من رسم ملامح الإبداع بعيدا عن الانكسار الذي يحوطنا في هذا الظرف بالذات، لذا فإننا جميعا من إدارة المكتبة وحتى أخر عامل عقدنا العزم على ان يكون هدفنا هو انتشار الكتاب وكسب ود القارئ الذي يعد المكمل للعملية الثقافية في مديتنا".

ختاما نقول أن للمكتبة دورا أساسيا في تطور الشعوب فهي مفتاح المعرفة وأساس العملية التربوية والثقافية لمدينة عدن، كان على الجميع سواءً  فرد وحكومة أن يقدروا قيمتها ويعملوا على تطويرها، لكن تبيّن من أن القصور كان متعمدا من الجهات المعنية في هذا الجانب ليس كمبنى بل في توفير الكتاب وتفعيل دور القراءة.. كل ذلك نتج عنه كثير من الصعوبات بفعل التهميش المركزي من صنعاء، إلى جانب المتغيرات التي طرأت على حياة الناس.    



اقرأ المزيد من عدن الغد | المكتبة الوطنية " باذيب" مرآة عدن وواجهتها الحضارية .. لقيت الإهمال ولم تلق دعماً منذ 94 http://adenalghad.net/news/155029/#ixzz3V01pOBER