الحوثيون.. قرامطة جدد يحقدون على مكة وكعبتها الشريفة

Monday 30 November -1 12:00 am
الحوثيون.. قرامطة جدد يحقدون على مكة وكعبتها الشريفة
----------
كتب: محمد ولد محمد سالم
ليست هذه هي المرة الأولى، التي يستهدف فيها المتمردون الحوثيون منطقة مكة المكرمة، فقد وجهوا لها صاروخاً في بداية الشهر، وتم اعتراضه، ويبدو أن اعتداء، الخميس الماضي، لن يكون الأخير ما دام الحوثيون يحملون في أيديهم صواريخ، وفي أنفسهم نقمة على مكة والكعبة الشريفة، ورمزيتها كمكان مقدس تهفو إليه نفوس المسلمين في زوايا الأرض الأربع، ويهرعون إليه، ما وجدوا لذلك سبيلاً، لكن الكعبة ستظل شامخة، تعج بالطائفين والراكعين والساجدين، الذين يتداعون للاقتباس من نور عظمتها، وستظل شوكة في حلق أولئك الحاقدين وحرماً آمناً يأوون إليه للتطهر من أخطائهم، والتزود من نور الإيمان، ف«للبيت رب سيمنعه» كما قال عبد المطلب بن هاشم جد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، عندما حاول أبرهة الأشرم غزو مكة المكرمة وهدم الكعبة حقداً وغيرة من قداستها وتعظيم العرب لها، بينما لم يجد «القليس» الذي بناه أبرهة في الحبشة من يعظمه.
 
ستبقى الكعبة حرماً آمناً مهما كانت مكائد شياطين هذا العصر وقرامطته من حوثيين وإرهابيين ومتطرفين وغيرهم، لأنها بلد أمنه الله في كتابه العزيز: «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ» (العنكبوت 67)، ومنّ على قريش سكان مكة أنه «أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف»، ولذلك ستبقى قبلة للمسلمين، ومَحَجّاً يحجون له كل عام، ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله، كما كانت منذ غابر العصور، منذ أن أرشد الله خليله إبراهيم -عليه السلام- إلى مكان البيت، وأمره هو وابنه إسماعيل ببنائه، ثم أمره أن يؤذن في الناس بالحج، فانطلقت من يومها رحلة الحج من كل حدب وصوب، رجالاً وركباناً وعلى كل ضامر إلى اليوم، وظلت تزداد أعدادهم وتعظم، وتقض مضاجع الحاقدين الذين يريدون أن يطفئوا نور الله، ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
 
كم مرة استهدفت فيها الكعبة الشريفة من قبل الحاقدين، مريضي النفوس، وروّع سكانها الآمنون، وسامهم الإرهابيون الحاقدون الخسف وقتلوهم تقتيلاً، لكنها عادت بعد ذلك أعظم وأشرف وعاد سكانها آمنين كما كانوا، وعادت طيورها وادعة تجوس بين الطائفين والعابدين، لا يزعجها شيء عن لقط الحب، كما تركها الشاعر النابغة الذبياني في الجاهلية، ذلك الشاعر الذي أثرت فيه تلك الصورة الجميلة للأمن والسكينة التي أودعها الله في ذلك المكان حتى أصبح الطير ينعم بها، فخلدها في صورة جميلة في معلقته الشهيرة «أمن آل مية»، إذ يقول:
والمؤمنُ العائذاتِ الطيرَ تمسحها**ركبان مكة بين الغيل والسعد
 
لماذا ينقم أولئك الأشرار على مكة؟، أينقمون منها لأنها تجمع ملايين القلوب المسلمة المسالمة التي تأتي لتغتسل من شرور الدنيا وعداواتها، وترتوي بالسلام والسكينة والأمان، فتستعين بذلك على الحياة، ولتكون رسل سلام إلى العالم، ما أجمل الحاجّ حين يعود من حجه، وقد عَمِر قلبه بالسكينة، وأحب للناس ما يحب لنفسه، أي نوع من البشر هم أولئك الذين يحقدون على مكان يصنع الحب والسلام، وعلى أناس أرادوا أن يعيشوا ذلك الحب ويعمروا به قلوبهم؟.
 
كان قرامطة القرن الرابع الهجري: الإرهابيون الغنوصيون قد حقدوا على مكة وأهلها، وأغاظهم أن المسلمين يعظمونها، ويحجون إليها، وأرادوا أن يصرفوهم عن ذلك، وأن يقطعوا خبر مكة إلى الأبد، فاستغلوا ضعف الدولة العباسية، وهاجموا مكة سنة 317ه، وعاثوا فيها فساداً، وقتلوا آلافاً مؤلفة من المسلمين الآمنين، ونهبوا خيراتها، واقتلعوا الحجر الأسود من مكانه، وأخذوه إلى مقر إمارتهم في هجر بالبحرين التي بنى فيها زعيمهم أبو طاهر الجنابي القرمطي بيتاً عظيماً ووضع فيه الحجر، ودعا الناس إلى حجه، وهددهم بالويل والثبور، لكنّ دعوته لم تلق استجابة من المسلمين، وباء بالفشل حتى اضطر تحت تهديد الثورات الكثيرة التي قامت عليه إلى رد الحجر الأسود إلى البيت عام 339، بعد 22 عاماً من احتجازه، لكنّ ذلك لم ينقص من مكانة الكعبة، فعاد الحجر إلى مكانه، وعادت الكعبة كما كانت منارة للضياء والنور الروحي، وخسئ الجنابي وأتباعه من الضالين المضلين، وتهدمت «كعبته» بعد أن فقد نفوذه وتلاشت من الأرض وتلاشى ذكرها.
 
الحوثيون المتطرفون يعيدون الكرة، من جديد، ويهاجمون مكة المكرمة، فيا لله ما أشبه الليلة بالبارحة، لكنّ للبيت رباً منعه وسيمنعه، ولله جنود تقاتل في سبيله.
 
هل كان صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، يشير من طرف خفي إلى تلك الأيادي المتجددة التي تستهدف صفاء الإسلام وأمن وأمان الإسلام، ورمزه العظيم، عندما صور جريمة القرامطة، في مسرحيته «الحجر الأسود» وصور فيها فشل محاولتهم استبدال الكعبة المشرفة التي أسست على التقوى والتوحيد، ببيتهم الذي أسس على الإلحاد والضلال والإفساد في الأرض، وهو مؤرخ يعرف أن التاريخ هو العبر التي يخلفها الماضي للمستقبل، ويعي جيداً أن تلك المحاولات الشريرة لن تنتهي، وأن بوادرها كثيرة في حاضرنا، وكان بعمله ذلك يحذر منها، وينبه إلى خطرها الدائم، ويحث على عدم الاستهانة بها، وهذا هو الواقع يؤكد صدق إشاراته، وقد صورت المسرحية كيف نشط القرامطة بدعوتهم سراً حتى قويت شوكتهم، وأصبحوا يهددون الخلافة الإسلامية، وبدأ إرهابهم، فأصبحوا يغيرون على الحواضر الإسلامية، ينهبون الأموال ويقتلون الرجال ويسبون النساء ويعيثون في الأرض فساداً، ولم يتوقفوا عن السلب والنهب والغارة على المدن والقرى، إلا بعد أن اتحدت ضدهم قبائل العرب في هُجر وما حولها، وتمكنوا من القضاء عليهم، وأشاعوا الأمن، وأصبح طريق الحج سالكاً، فعاد المسلمون إلى حجهم آمنين مطمئنين، وتنتهي المسرحية بتلك اللوحة البيضاء ممثلة في لباس الحجاج والحركة الدائرية تلفها روحانية الابتهال الجماعي في التلبية «لبيك اللهم لبيك» ترتفع من حناجر الحجاج في مشهد الطواف حول الكعبة المشرفة، فيبدو كل ذلك كأنه الإعلان بأن الإسلام ليس دين إرهاب وقتل، بل دعوة إلى الصفاء والسلام، وأن الكعبة ستظل منبع الأمن والأمان في العالم. ما أشبه قرامطة الأمس بالحوثيين اليوم الذين يتطلب التعامل معهم الوعي بأهدافهم وجذورهم التاريخية، وما أشبه اليوم بالبارحة في المقدمات والأحداث والنتائج لو كنا نتعلم من دروس التاريخ.