عسكرة الأزمات.. مسألة تاريخية تهدد منطقة الخليج

Monday 30 November -1 12:00 am
عسكرة الأزمات.. مسألة تاريخية تهدد منطقة الخليج
- متابعات:
----------

تبدو الأزمة الخليجية وكأنها قد دخلت مرحلة عصيّة على الحل بسبب تعنت دول الحصار من جهة، وعدم وجود ضغط غربي من جهة أخرى، الأمر الذي جعل هواجس انتقال الخلاف من ساحة السياسة إلى ساحة الحرب، تلوح أمام الأعين من جديد، خاصة أن عسكرة الأزمات السياسية لطالما كانت الطريقة الأسهل لبعض قادة الخليج عبر التاريخ.

ومنذ اندلاع الأزمة في 5 يونيو الماضي، كانت التخوفات من عسكرتها كبيرة واحتمالاتها أيضاً، وهو الأمر الذي أكده لاحقاً أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد، في سبتمبر الماضي، بقوله إنه نجح في وقف تصعيد الأزمة عسكرياً.

ورغم أن دول الحصار (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر)، نفت رسمياً نيتها التدخل عسكرياً في قطر، فإن التحركات السريعة والاستراتيجية التي اتخذتها الدوحة فور اندلاع الخلاف، تشي بأن ثمة شيئاً ما غير معلن كان على وشك الحدوث.

ويعيد حديث الحرب إلى الذاكرة الاجتياح العراقي للكويت مطلع تسعينيات القرن الماضي، والذي دفعت المنطقة، وما تزال تدفع، ثمنه باهظاً. كما أن إنكار دول الحصار نيتها التحرك عسكرياً ضد قطر، يذكّر بحديث مماثل للرئيس العراقي الراحل صدام حسين، قبيل غزوه الكويت.

ورغم تراجع احتمالات لجوء دول الحصار لتعويض خسارتها السياسية بمكسب عسكري قد لا يتحقق، فإن واقع الأزمة يجعل كل الاحتمالات قائمة، وإن كانت صعبة بالنظر لتداعياتها، وهو ما أشار إليه أمير دولة قطر مؤخراً.

الشيخ تميم بن حمد قال في حوار مع قناة "سي بي إس" الأمريكية، بث جزء منه الجمعة 27 أكتوبر 2017، إن الرئيس الأمريكي أكد له أن واشنطن لن تقبل باقتتال حلفائها فيما بينهم، الأمر الذي يُفهم منه أن عسكرة الأزمة كانت، أو ما تزال حاضرة وإن في الخفاء، خاصة أن أمير قطر حذر من الفوضى التي ستعم المنطقة إن تراجع الساسة وتقدّم العسكريون الصفوف.

 

- احتمالات العسكرة

وبعيداً عن أحاديث الدبلوماسية المنمقة فإن ثمة عاملاً لا يمكن التغاضي عنه في الأزمة، التي تعد الأصعب بين دول مجلس التعاون الخليجي منذ غزو العراق للكويت، ألا وهو عقلية العسكر الحاضرة بقوة في إدارة هذا الخلاف السياسي.

احتمالية ترك الحديث للسلاح، وإن كانت ضعيفة، إلا أنها قائمة؛ خاصة في ظل دور مصري يجعل إدارة الأزمة بعقلية عسكرية أمراً لا يجب تجاهله؛ في ظل عداء الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لقطر وقيادتها، وهو شعور لا يخفى على أحد.

ومن الأمور التي تعزز المخاوف أيضاً، أن دول الحصار الثلاث لا يمكنها اتخاذ مقاعد للقتال من دون دعم عسكري مصري، وهو دعم يبدو سهلاً؛ لكون مصر يحكمها رجل دخل إلى السياسة على ظهر دبابة، وحتى عندما لبس ثياب المدنيين ليصبح رئيساً فإنه لم يتخلّ قط عن مسدسه، ويبدو أنه لن يفعل.

كما أن وجود رجل مثل عبد الفتاح السيسي في المعادلة الخليجية يجعل من القتال أول الحلول وليس آخرها، مهما قلل البعض من دوره؛ والشواهد على ذلك كثيرة سواءً داخلياً (مع المعارضة)، أو خارجياً في ليبيا وسوريا واليمن.

ومع ذلك، فإن كل هذه الاحتمالات قد تفقد مفعولها إذا ما وضع في الاعتبار انقسام دول مجلس التعاون إزاء الأزمة على نحو يرجّح كفّة السياسة على غريمتها؛ فبينما شهرت السعودية والإمارات والبحرين سلاحي المقاطعة والحصار في وجه قطر، وقفت الكويت وسلطنة عُمان، في مواجهة هذين السلاحين وحاولتا تخفيف تداعياته، في مسعى واضح لحصر الخلاف في دائرة السياسة بتعزيز معادلة ثلاثة مقابل ثلاثة.

مواقف الدول الكبرى الداعمة لموقف قطر هي الأخرى تجعل التحوّل للاقتتال أمراً محفوفاً بالمصاعب؛ فقد تمكنت من حشد دول أكثر وأكبر من تلك التي حشدها محور الحصار.

ومنذ بدء الأزمة، أعلنت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وروسيا، رفضها إجراءات دول الحصار ثم عادت وأعلنت رفضها استمرارها، فضلاً عن تأكيد هذه الدول مراراً ضرورة إبقاء الخلاف في إطار السياسة وحلّه عبر الحوار.

كما اتخذت دول أخرى مؤثرة مواقف مناهضة لكل ما هو بعيد عن السياسة، وشددت على ضرورة الجلوس إلى طاولة الحوار، مؤكدة أن انتقال الأشقاء من الخلاف إلى الاقتتال أمر لا يمكن القبول به.

اجتماع وزراء خارجية دولة الإمارات والسعودية والبحرين ومصر في المنامة

وإن كانت دول كالأردن وموريتانيا وجيبوتي والسنغال وتشاد وجزر القمر، قد وقفت إلى جانب دول الحصار، فإن احتمال تراجع هذه الدول عن مواقفها يظل قائماً إذا ما نظرنا إلى الانتصار السياسي الكبير الذي حققته قطر حتى اللحظة، وليس مستبعداً أن تتأسى هذه الدول بالسنغال التي أعادت سفيرها للدوحة الأسبوع الماضي.

حتى باكستان، حليف الرياض القوي، مالت إلى السلم وطالبت بإنهاء الحصار وعرضت القيام بدور الوسيط بين الفرقاء، بل إن صحيفة "يني شفق" التركية قالت في بداية الأزمة، إن إسلام آباد تنوي إرسال 20 ألف جندي إلى قطر لدعمها في مواجهة غزو محتمل، وهو ما لم يصدر تأكيد أو نفي رسمي له من أي طرف.

- تأثير تركي

الحضور التركي في الأزمة كان الأقوى منذ لحظتها الأولى؛ حيث عجّل الرئيس رجب طيب أردوغان من إقرار اتفاقية عسكرية بين أنقرة والدوحة في 13 يونيو، تجيز نشر قوات وإقامة قواعد تركية في الدوحة، ليرسل على إثر ذلك قوات عسكرية إلى قطر، وهو ما حال دون وقوع "كارثة" في المنطقة، بحسب تصريح للرئيس التركي في أغسطس الماضي.

تركيا

مناورات

غير أن هذا التصعيد المتسارع لا يعني وقوع حرب بالضرورة، خاصة أن الولايات المتحدة صاحبة الحضور العسكري والسياسي القوي في المنطقة، والتي يمكن وصفها بأنها الصديق المشترك والمؤثر بين طرفي النزاع، ستضع مستقبل حملتها ضد تنظيم الدولة نصب عينيها وهي تتابع مسلسل الأزمة.

قوات تركيا

وربما تتدخل واشنطن بقوة لوضع حد للخلاف إذا ما شعرت بأن مصالحها ستتأثر به، وهو ما أكده البروفيسور محمد الشرقاوي، أستاذ حل النزاعات الدولية وعضو هيئة الخبراء بالأمم المتحدة لـ"الخليج أونلاين"، في تصريح سابق.

الشرقاوي أكد أيضاً أن إدارة ترامب قد تقرر في لحظة ما سحب الملف برمته إذا ما ارتأت أنه سيهدد حملتها على تنظيم الدولة، أو خططها المتعلقة بتحجيم الخطر الإيراني.

تيلرسون

 

- رفض الاقتتال

الشيخ تميم بن حمد أكد في حواره مع "سي بي إس"، أن دونالد ترامب أبلغه صراحة بأنه لن يقبل باستمرار الحصار، وأن واشنطن لن تتساهل مع غزو خارجي من دولة صديقة لأخرى.

وكشف أمير قطر عن أن ترامب اقترح عقد اجتماع في كامب ديفيد لأطراف الأزمة الخليجية من أجل إيجاد نهاية للأزمة، مؤكداً: "ترامب أخبرني بأنه ملتزم بإيجاد نهاية للأزمة".

واشنطن بوست: المناورة الأكبر لتيلرسون في الشرق الأوسط.. محور سعودي عراقي لمواجهة إيران

ووفق الشيخ تميم، فقد كان من المفترض أن يعقد اجتماع كامب ديفيد بين قطر ودول الحصار سريعاً، لكنه لم يتلق رداً بهذا الشأن، مذكراً بأن بلاده مستعدة للمشاركة في الاجتماع، وأنها هي التي دعت للحوار منذ البداية لحل الأزمة.

وأوضح أمير قطر أن السبب الحقيقي وراء حصار بلاده هو أن "دول الحصار لا يعجبها استقلالية الدوحة"، مشيراً إلى أن قطر تدعو إلى حرية التعبير في المنطقة، وهو ما ترى فيه دول الحصار تهديداً لها، كما شدد على أن "السيادة خط أحمر، ولا نقبل من أي أحد التدخل في سيادتنا، ولن تغلق قناة الجزيرة".

ولا يعتبر الحديث عن الفوضى التي قد تنتج عن تطور الأزمة عسكرياً تضخيماً للأمر، بقدر ما هو إقرار لواقع؛ فقد تسبب الغزو العراقي للكويت في حالة من الفوضى الأمنية، وأحدث زلزالاً سياسياً لا تزل توابعه تهز المنطقة منذ 27 عاماً.

في سبتمبر الماضي، قال الكاتب دوغ باندو، في مقال بمجلة "فوربس" الأمريكية، إن الولايات المتحدة مطالبة بوضع حد للأزمة الخليجية في أقرب وقت؛ لأن السماح للسعودية والإمارات بالاستمرار في تجسيد مخططهما في المنطقة لن يكون أقل خطورة من التخلي عن المنطقة لإيران.

وأوضح الكاتب أن الولايات المتحدة، ولأنها نصبت نفسها ضامنة لأمن الخليج، لا يمكنها أن تتجاهل المعركة الجارية؛ "لأن الخليج الذي تهيمن عليه السعودية والإمارات لن يكون أقل خطورة من ذلك الذي تهيمن عليه طهران"، مطالباً المسؤولين الأمريكيين بدفع السعوديين والإماراتيين إلى "تنظيف الفوضى التي خلقوها في أسرع وقت".

وأوضح الكاتب أن السعودية ترغب في قيادة الخليج والإمارات ترغب في التحكم بالرياض، والدولتان تستهدفان قطر لأنها لا تتبنى وجهة نظرهما، واعتبر أن الحصار المفروض على قطر أتي بنتائج عكسية وعزز موقع الدوحة.