اتفاقية الرياض… ماذا بعد؟

Tuesday 29 October 2019 1:36 pm
----------
لا يحتاج القارئ اليمني المتابع لأحداث بلاده، أو المهتم بهذا الشأن، كثيراً من الذكاء؛ ليدرك أن الاتفاقية الصادرة في الرياض، بين الشرعية ممثلةً بعبد ربه منصور هادي، وبين قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، برعاية، أو بالأحرى وصاية السعودية والإمارات المتحدة، هي في جوانب معينة اتفاقية بين السعودية والإمارات.
منذ بدء التدخل الإماراتي- السعودي بالحرب، باسم التحالف، اقتسم الحليفان ميدان المعركة، حسب أهداف ومرامي كل منهما. رمت الإمارات بثقلها في الجنوب؛ فما يهمها هو الموانئ، والاستيلاء على الجزر، وتكوين مليشيات موالية، ودعم الانفصال، وتحرص السعودية على الشمال؛ لحماية خاصرتها الجنوبية؛ ولبسط نفوذها على حضرموت والمهرة؛ لمد أنابيب النفط إلى البحر العربي، بدلاً من مضيق هرمز، ولم تكن دعوى عودة الشرعية إلا شرعنة لهذه الحرب.
استكملت الإمارات بناء مليشيات وأحزمة أمنية ونخب موالية، وبدأت بالتقارب والتنسيق مع إيران، وأعادت سفارتها إلى سوريا؛ ما أقلق الحليف السعودي، وبدأت كذلك بتشجيع دعوات الانفصال؛ مما يضع الشرعية في حرج، ويدفع بها خارج الحلبة، ويبطل ذريعة الحرب، وهي عودة الشرعية.
حققت الإمارات الانتصار بسبب غضب الجنوبيين من تسلط قوات صالح والإصلاح، بينما غرقت السعودية في الشمال. لم تكن الشرعية الخارجة من كم الرئيس صالح مُرحَّباً بها في الجنوب؛ فمنذ البدء كان وجودها شكلياً ومحاصراً.
استكملت الإمارات بناء مليشيات وأحزمة أمنية ونخب موالية، وبدأت بالتقارب والتنسيق مع إيران، وأعادت سفارتها إلى سوريا؛ ما أقلق الحليف السعودي، وبدأت كذلك بتشجيع دعوات الانفصال؛ مما يضع الشرعية في حرج، ويدفع بها خارج الحلبة، ويبطل ذريعة الحرب، وهي عودة الشرعية.
في أغسطس الماضي، أعلن “الانتقالي” الحرب ضد الشرعية، واستولى على عدن وأبين وشبوة، ودارت معارك حسمتها الإمارات عبر الطيران لصالح “الانتقالي”، في ظل صمت وتغاضي الحليف السعودي، وصمت الشرعية.
دعت السعودية إلى لقاء بين “الانتقالي” والشرعية، استمر عدة أسابيع، تمخض عمَّا سمِّي “اتفاقية الرياض”. واضح -في سياق الأحداث المرعبة- أن الإمارات تريد الانفراد بالجنوب، وجني الثمار ضداً على الشرعية، ودون اعتبار للحليف السعودي الذي -وإن كان مع مطلب انفصال الجنوب، بل إنه يتبناه منذ قيام المتوكلية اليمنية 1918، وربما قبل ذلك، وله مطامع في ابتلاع أجزاء منه- إلا أنه يراعي عدة اعتبارات، أهمها القرارات الدولية.
اتفاقية الرياض بين الطرفين اليمنيين، هي في جوهرها تسليم سعودي بمطالب الإمارات في الانفراد بالجنوب عبر المجلس الانتقالي، وتقديمه -أي “الانتقالي”- كطرف في أي تفاوض قادم.
بنود الاتفاق، ووقائع الأحداث ومسارها منذ بدء الحرب، تؤكد أن الإمارات قد تفردت بالجنوب، سواء عبر المليشيات، أو تشجيع الانفصال، وإثارة النعرات الجهوية، سواء ضد أبناء الشمال، أو داخل الجنوب نفسه، وإحياء صراعات ما قبل الاستقلال، أو ثارات ما بعد الاستقلال، وصولاً إلى أحداث يناير 1986.
الاتفاقية في جوهرها تسليم سعودي بسلطة الإمارات، الممثلة في سلطة الأمر الواقع في عدن والضالع ولحج، ولكن هناك قوى أخرى على الأرض في أبين وشبوة، موالية أو محسوبة على الشرعية، لا تقبل الاتفاق: الميسري (وزير الداخلية)، والجبواني (وزير النقل)، وهما مستبعدان، ويبدو أن طول المفاوضات في جدة مصدره مخاطر نتائجها. الاتفاقية تهمش الشرعية، وتضعها طرفاً في عدة أطراف، ثم إنها تشق الوضع في الجنوب. إن الاتفاقية بين حليفي الحرب شاهد فشل الحرب، وهي بمثابة اقتسام الغنائم قبل انجلاء دخانها.
الاتفاقية ترمي إلى أن التفاوض القادم، وهو قادم حتماً، سيكون بين سلطات الأمر الواقع؛ بين المليشيات وممثليها؛ وهو ما يضعف موقف الشرعية، ويضعف أطرافاً أساسية في الحرب، وهما: حزب المؤتمر الشعبي العام (جناح الشرعية)، والتجمع اليمني للإصلاح.
إن فشل الحرب قد أدى إلى تعقيد الأوضاع في “المناطق المحررة”؛ فالقسمة الضيزى بين الحليفين جائرة؛ فالإمارات تنفرد بمناطق الساحل الجنوبي المحسوم أمرها، بينما تغرق السعودية في الشمال المشتعل.
التسوية الجديدة في الاتفاقية تضع السعودية في الواجهة كوصي، بينما تبقى عدة وعتاد الإمارات على الأرض في مناطق عدن ولحج والضالع، ويتعلق الأمر بالتطورات القادمة في المنطقة والإقليم كله، وهي أحداث متسارعة.
الحقيقة الماثلة هي فشل الحرب، وعجز الأطراف كلها عن حسمها عسكرياً؛ فهل يهيئ ذلك الأجواء لحل سياسي؟
يريد كل طرف أن يعوض خسائره بقضم ما تيسر من كعكة لم تنضج، وتريد السعودية أن تلج المفاوضات متأبطةً المجلس الانتقالي الجنوبي.
الوضع في اليمن كلها متحارب ومضطرب وقلق، وهو قابل للاشتعال. هناك رفض شامل للحرب وزبانيتها، ومموليها والوارطين فيها، وجذوة الربيع العربي في اليمن لم تنطفئ بعد، رغم كارثة الحروب المتناسلة والمتواصلة التي تغطي كل شيء