عنصرية متأصلة تبقي على حياة السود غير مهمّة في اليمن

Friday 17 July 2020 10:20 pm
عنصرية متأصلة تبقي على حياة السود غير مهمّة في اليمن
----------

صنعاء - حياة الغالبية العظمى من اليمنيين في ظروف الحرب وفي ظل انتشار الجوع والفقر والأوبئة ليست نعيما بكل تأكيد، ومع ذلك يوجد بينهم من هو أكثر بؤسا وأشدّ معاناة من سائر فئات المجتمع.. إنّهم المهمّشون السود الذين لم تبلغهم موجة الحملة الدولية العاتية ضد العنصرية. فذلك ترف لا يتوّقع أن يمارسه اليمنيون في وضعهم الحالي.

ولا يعوّل المهمّشون في اليمن من سود البشرة على تغيير ظروفهم السيئة المستمرة منذ المئات من السنين، على الرغم من زخم حركة “حياة السود مهمة” المناهضة للعنصرية في العالم.

وأثارت وفاة الأميركي الأسود جورج فلويد على أيدي الشرطة خلال توقيفه في مينيابوليس، تظاهرات حاشدة وموجة من الاحتجاجات المناهضة للعنصرية في أنحاء العالم.

لكن في العاصمة اليمنية صنعاء الواقعة منذ قرابة الستّ سنوات تحت سيطرة جماعة الحوثي المتمرّدة، يقول اليمني هيثم حسن إنه لا يزال يسمع الآخرين ينعتونه بكلمات مثل “خادم” أو “عبد” بسبب لون بشرته الداكن.

دفاع زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي المفاجئ عن المهمشّين السود هدفه استمالتهم لتجنيدهم للقتال في صفوف جماعته

وفي منطقة دار سلم في جنوبي المدينة يعيش “المهمّشون” وهو الاسم الذي يعرفون به في حي عشوائي يسمى “محوى” في ظروف صعبة للغاية وفي فقر مدقع. وفي شوارع المحوى الضيقة بيوت مصنوعة من ألواح كرتونية وخيم وأخرى مبنية بالحجارة، ويمكن رؤية نساء يطبخن في الشارع.

ويقول حسن لوكالة فرانس برس “كأننا شريحة منفصلة من اليمنيين مع أننا نحمل البطاقة الشخصية اليمنية”. ويضيف “تلتقي بأشخاص بتأففون ويهربون منك ويقولون هذا خادم. وفي المدارس يعاملون أطفالنا بشكل مختلف عن الأولاد الآخرين، وكذلك في الأسواق. نلفت أنظارهم وأول شيء يقولونه انظروا هذا لونه أسود هذا خادم”.

ويعمل “المهمشون” في وظائف مثل كنس الشوارع وجمع القمامة وغيرها. وهم يعيشون في مناطق مختلفة في اليمن من صنعاء وصولا إلى عدن في الجنوب وخصوصا في منطقة تهامة التي تمتد من مضيق باب المندب حتى مدينة الحديدة في غرب البلاد.

وبحسب المجموعة الدولية لحقوق الأقليات ومقرها لندن “يوجد جدل حول الأصول العرقية للسود في اليمن. ويعتقد البعض أنهم يتحدرون من عبيد أفارقة أو جنود إثيوبيين من القرن السادس، بينما يعتقد آخرون أنهم من أصول يمنية”.

وتقول المنظمة إنهم يعانون “من نسب عالية من البطالة ويعيشون عادة في الفقر ولا يملكون الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل المياه أو الصرف الصحي أو التعليم أو حتى الفرص الاقتصادية”. ويُقدّر بأنهم يشكّلون بين 2 إلى 5 في المئة من السكان البالغ عددهم نحو 27 مليونا، بينما تشير تقديرات أخرى إلى أنهم يشكلون 10 في المئة من السكان.

وفي اليمن الذي يغلب على مجتمعه الطابع القبلي أدّى وجود المهمشين خارج تصنيف القبائل إلى جعلهم أكثر عرضة للتمييز القائم على النسب.

ويقول شيخ المهمشين في منطقة دار سلم في صنعاء مجاهد عزام “نحن نعاني من التفرقة العنصرية. لا ندري هل حكموا علينا لأن بشرتنا سوداء.. لم يعطونا أي حقوق. لكن الآن جاء الوقت لنحصل على حقوقنا”.

ودعا زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي الشهر الماضي إلى إدماج المهمشين في المجتمع، وإطلاق برنامج وطني طويل الأمد لدمج هذه الفئة في المجتمع.

 

وضع مأساوي

 

وبقدر ما أثارت هذه الدعوة من أمل بين عدد من المهمّشين مثل هيثم الذي يقول “بدأت نظرة أمل بعد مبادرة السيد الحوثي. ونتأمل خيرا بتغيير تعامل الناس معنا”، فقد أثارت الريبة بشأن دوافعها الحقيقية، إذ رأى رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين نعمان الحذيفي أن دعوة الحوثي مبطنة بهدف تجنيد المهمّشين للقتال في صفوف الحوثيين، مؤكّدا أن المبادرة تهدف إلى “إثارة مشاعر المهمشين واقتيادهم إلى الجبهات للقتال”.

ويدور نزاع في اليمن بين حكومة يساندها منذ 2015 تحالف عسكري تقوده السعودية، والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران والذين يسيطرون على مناطق واسعة في شمال البلاد وغربها وكذلك على العاصمة منذ بدء هجومهم في 2014. وقتل خلال سنوات النزاع وأصيب عشرات الآلاف من الأشخاص معظمهم من المدنيين.

وتقول الباحثة في هيومن رايتس ووتش أفراح ناصر إنه حتى قبل اندلاع الحرب “وضع النظام الطبقي اليمني المهمشين في أسفل الهرم الاجتماعي”، مشيرة إلى أن وضعهم ازداد سوءا بعد النزاع خصوصا في المناطق التابعة لسيطرة الحوثيين.

ووفقا لناصر، تشبه حياة المهمشين “الجحيم على الأرض”، معتبرة أنّهم يتعرّضون لتمييز ممنهج ويتمّ حرمانهم من حقوق أساسية ويمارس التمييز ضدّهم حتى في الحصول على مساعدات إنسانية.

وبالتزامن مع حركة “حياة السود مهمة” المناهضة للعنصرية في العالم، لا يعول الحذيفي كثيرا على تغير الوضع في اليمن. ويوضح “هناك عنصرية سائدة على أساس العرق وعلى أساس اللون. كل أسود في اليمن ينظر إليه كأنه خادم”.

ويشير الحذيفي إلى أنه عندما بدأت احتجاجات شعبية في 2011 ضدّ الرئيس السابق علي عبدالله صالح، شارك المهمشون في التظاهرات على أمل تغيّر الوضع. كما أشار إلى مشاركته هو شخصيا في مؤتمر الحوار الوطني اليمني كممثل وحيد عن المهمشين.

ويتابع “كنا نتمنى أن نكون جزءا من الحراك العالمي ضد العنصرية، لو كان الوضع مستقرا في اليمن لكنّا جزءا من هذا الحراك وكنا سنخرج إلى الشوارع ونشارك في هذه اللحظة التاريخية، لكن الحرب حالت دون ذلك”.

ويؤكّد تشاؤمه بالقول “للأسف سيبقى الوضع على ما هو عليه في اليمن، لأن التركيبة الاجتماعية والقبلية معقدة جدا، هناك تمييز على أساس القبيلة والمنطقة والمذهب”.

قد يعجبك أيضاً