يعدّ الأستاذ عبدالباري طاهر واحدا من أهم أعمدة الصحافة اليمنية، وهو بالنسبة لأجيال الشباب، التي تزدحم منذ ثورة 2011 من أجل التعبير عن نفسها، معلما ورمزا ثقافيا طليعيا وقدوة يحتذى به في الإخلاص لقضايا الوطن وفي النزاهة الأخلاقية و سعة الأفق الفكري. ولد عبدالباري طاهر في بلدة المراوعة بمحافظة الحديدة، وهي إحدى بلدات تهامة غرب اليمن. أما عن التعليم والثقافة، فقد كان تكوينه في بداياته تراثيا فقهيا استمده من البيئة المحيطة في منطقته التي كانت تعد من أهم المراكز العلمية الدينية في اليمن؛ وفيها تفتح وعيه على المسائل الفقهية والقضايا الكلامية واللغوية وعلى أشعار المتصوفة وسيرهم و رقائقهم. وبفعل شغفه بالقراءة فقد اتجه نحو الكتابات العصرية من أدب وفلسفة وسياسة واقتصاد وغير ذلك. تاقت نفسه المجبولة على حب العدالة و على تقديس كرامة الإنسان إلى الاتجاه في قناعاته السياسية نحو اليسار في فترة زمنية كان يشهد فيها العالم العربي بزوغ جمهورياته وممالكه المستقلة عن الاستعمار. تعود صلته بالصحافة إلى مطلع سبعينيات القرن الماضي، وبعد انتقاله إلى صنعاء عمل في مجلة «اليمن الجديد» الثقافية، ثم في جريدة «الثورة» التي تسلم رئاسة تحريرها عدّة مرات. أما في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، فقد لوحق عبدالباري طاهر بتهمة الانتماء إلى الجبهة الوطنية الموالية للنظام الماركسي الذي كان حاكما في جنوب اليمن. تنقل طاهر بين دمشق وبيروت، وكان حينها يكتب بأسماء مستعارة في بعض الصحف كالسفير والنداء. عاد طاهر بعد المصالحة التي تمت بين نظامي الشطرين حينها إلى اليمن ليمارس هوايته الوجودية وهي الكتابة الصحفية. وبعد وحدة اليمن 1990 أصبح أول نقيب للصحفيين اليمنيين؛ كيف لا وهو من مؤسسي جمعية الصحفيين اليمنيين سنة 1976م ومن أبرز أقلام الثقافة والفكر في البلد.
يجمع طاهر في كتاباته بين عمق المثقف وحس الصحافي الذي لا تفوته اللحظة لكنه ينظر إليها في ضوء قوانين التاريخ وسياقات محيطها الاجتماعي المحلي وتأثيرات القوى الإقليمية والدولية. وهذا متأتٍ من قراءاته الواسعة ومن خبرته الطويلة مع الكلمة وظلالها ومن متابعاته للسياسة ومنعطفاتها. أصدر عبدالباري حواراته مع عدد من قادة الفكر في الوطن العربي في كتاب له بعنوان ” فضاءات القول” 2001م، أمّا مقالاته المتعددة الموضوعات، فهي تملأ المواقع الالكترونية اليمنية وفيها زاد ثقافي ومدني لجيل ينشد السلم والحياة المدنية والديمقراطية. وعند اندلاع ما عرف بثورة الشباب في 2011م كان طاهر من أبرز الكتاب والمفكرين المباركين لهذا الحدث التاريخي، وظل يكتب ويشارك في الفعاليات الثقافية وفي المسيرات والاعتصامات جنبا إلى جنب مع شباب ينظرون إليه بوصفه واحدا من أهم الأباء التنويريين الملهمين لثورتهم المدنية السلمية، نقول هذا رغم نفوره – لتواضعه المعروف – من مفاهيم الأبوية والوصاية.
أنظر بتفاؤل شديد، وأمل كبير في أن المستقبل لا بد وأن يكون مغايراً ومختلفاً. تعلمنا تجارب الحياة، وسنن الكون أن الحروب مهما يكن جبروتها وقوتها لا بد لها من نهاية، وأنها عبر التاريخ الاستثناء الشاذ، وليس القاعدة؛ فالحياة دوماً أقوى من الموت. يقول المفكر الإيطالي غرامشي: لا يهزم تشاؤم العقل إلا تفاؤل الإرادة. فلا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس. العقل يقرأ الوقائع المحسوسة والملموسة، ولكن الإرادة تستشرف آفاق الآتي، وتقرأ ضمير الغيب.
العيب في الطغاة والمستبدين أنهم يجعلون الواقع ما يمتلكون من قوة ومال وسلاح، وينظرون باستخفاف إلى المحكومين- شعوبهم الضحايا.
هناك الآن في العصر تطورات رائعة؛ فالبوعزيزي يحرق جسمه المتعب والناحل؛ فتنتفض تونس، وتمتد شعلة جسد البوعزيزي؛ لتحرق العديد من الحكام والأنظمة الطغيانية في المنطقة العربية. إنها مفارقة القوة والضعف. من كان يصدق أن أطفال فلسطين ينتصرون بحجارة على جيش إسرائيل الذي هزم جيوش دول الطوق أكثر من مرة.
عمال رومانيا العزل بالإضرابات والاحتجاجات المدنية استطاعوا التطويح بجبروت تشاوشسكو، وأسس انتصارهم السلمي المدني اتجاهاً في النظام، وشكل بداية سقوط المعسكر الاشتراكي- القوة الثانية في المعادلة الدولية. قبلها استطاع غاندي المسالم هزيمة أقوى امبراطورية بالكفاح السلمي، وجسد تلميذه نلسون ماندلا أروع انتصار على نظام الفصل العنصري المدعوم من القوى الاستعمارية. الأمثلة كاثرة، وليس العيب في الطغاة والمتجبرين وحدهم من عدم الاتعاظ؛ فهناك مقولة لهيجل: إن العظة العظيمة من التاريخ ألا يتعظ به أحد. ويصف القرآن الكريم حال الكفار، وهم في جهنم: (ولو ردوا لعادوا إلى ما نهوا عنه، وإنهم لكاذبون). [الأنعام: 28].
إن الحياة المدنية هي الإرادة العامة للناس- كل الناس، بينما الحرب إرادة جلاوزة لا يستطيعون الاستنقاع في الحكم إلا بتسعير الحروب وإشعال الفتن، وهم بذلك يئدون الحياة، ويعتدون على كرامة الإنسانية، ويخرسون العقول، ويخنقون الكلمة، ولكن إلى حين؛ فدوماً: تحت الرماد شرارة مشبوبة، ومن الشرارة شعلة وتوقدُ، كإبداع الشاعر العظيم البردوني، أو حكمة ماوتسي تنج: رب شرارة أشعلت السهل كله. ألم يقل الله: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) سورة الأنبياء، الآية 18. أما المليشيات اليمنية المنتشرة في طول اليمن وعرضها، فإن بقاءها مرهون باستمرار الحرب، ولا بقاء للحرب. إنهم يستميتون في استمرارها؛ لأنهم لايستطيعون التسيد بدونها. الانتفاضتان الفلسطينيتان: الأولى، والثانية، وموج الربيع العربي العاتي والآتي، وما يجري في العراق وفي لبنان والسودان وليبيا حالياً هو الوعد الحق الذي تنظره اليمن. وما أشار إليه سؤالكم حول التصارع والتمزق هو عرض من أعراض الحرب التي لا تنتهي إلا بتصعيد الاحتجاج السلمي. مسئولية المثقفين والمستنيرين والمجتمع المدني والأهلي تصعيد الاحتجاج ضد الحرب ومشعليها في الداخل والخارج؛ فالجلاوزة -على جبروتهم- لهم قلوب من الأطفال تنهزم كتصوير الشاعر أبو الأحرار محمد محمود الزبيري .
الدور المنوط بالمثقفين والمتنورين هو إسقاط حاجز الخوف، كما حصل في الـ11 من فبراير 2011 . راهن كثيرون على الحرب بأن باستطاعتهم حسم الأمور في أسابيع أو شهور، وراهن آخرون على نداء السلام، ولكن الطغاة (لهم أعين لا يبصرون بها، ولهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها. أولئك كالأنعام بل هم أضل). [الأعراف: 179].
نداء السلام الذي دان الحرب منذ انفجارها ينبغي أن يتحول إلى فعل سلامي يغمر اليمن كلها. هناك تفاوت واختلاف في المنطقة العربية كلها، وهناك تفاوت واختلاف داخل كل بلد عربي، ولكن القواسم المشتركة بين العالم العربي قوية وكثيرة أيضاً؛ فما يجري في العراق ولبنان وليبيا والسودان من احتجاجات ضد الحرب والفساد والاستبداد هو الخيار، والسبيل الآمن والمحتمل للوضع اليمني؛ فأطراف الحرب وقادة المليشيات متساوون كأسنان المشط، ولا خلاص منهم إلا بالخلاص من الحرب، وميزة المجتمع المدني في اليمن تمازجه حد التماهي مع المجتمع الأهلي.
الحرب في اليمن تطحن البلاد والعباد، ولكن وطأتها على مناطق القبائل كارثية؛ مما يجعل التنادي والاصطفاف ممكناً، ومسئولية المثقفين والمستنيرين إسقاط حاجز الخوف، والنزول مجدداً للميادين والمساجد والأسواق الشعبية والقرى ومختلف المناطق؛ لتحشيد الجماهير ضد الحرب الأهلية، وإدانة الحرب الإقليمية والدعم الاستعماري لها.
ما يحتم تصعيد الاحتجاج انكشاف سوءة الحرب في مستوياتها الثلاث: الأهلي، والإقليمي، والدولي؛ فالحرب في الجانب الأهلي لا هدف لها غير استمرار نهب الداخل والخارج، وقد تحولت المليشيات إلى عصابات تقوم بأعمال النهب والاختطاف والتقتيل، وفرض الحصار الداخلي على مناطق النفوذ وعزلها عما حولها.
إيران تريد من حربها في اليمن الضغط والمساومة لفك الحصار عنها، وتخفيف الضغط على وجودها الأساس في العراق وسوريا ولبنان، وتهديد السعودية والإمارات يستهدف المواجهة مع الأمريكان. أما السعودية والإمارات؛ فالغاية التفكيك، واستمرار الحرب؛ ليسهل الاستيلاء على الجزر والموانئ، وتأمين خط النفط الذي كانت تفاوض عليه السعودية، والأهم بالنسبة للسعودية تأمين خاصرتها الجنوبية، والقضاء على النفوذ الإيراني، وطمع الإمارات في الموانئ والجزر غير خاف، ومن هنا تحرص كل الأطراف على انتهاج توازن الضعف؛ لاستمرار الحرب، ويكون الأمريكان والبريطانيون والفرنسيون والإسرائيليون هم المستفيد الأكبر، سواء من تجارة السلاح، وإنهاك الأمة كلها بالصراعات؛ لإعادة رسم الخارطة لصالح صفقة القرن، وفرض التطبيع، ولعل تراخي القبضة الأمريكية، ووعود سحب قواتها من المنطقة؛ لتوكل مهمة الحماية للوكيل الإسرائيلي.
لا بد من الإشارة إلى الدولتين الرئيسيتين في الجزيرة: المتوكلية اليمنية، والعربية السعودية. منذ بداية تكون المملكتين كانت جذور الماضي القبلي والطائفي وحتى السلالي حاضرة بقوة في تفكير وسلوك وممارسة القيادتين، ثم إن آل سعود، ومنذ البداية، كانوا موالين أو أصدقاء لبريطانيا، خصوصاً في الحرب العالمية الأولى 1914- 1918؛ ففي حين وقف عبد العزيز آل سعود إلى جانب بريطانيا، وقف يحيى لاعتبارات وجود بريطانيا في الجنوب إلى جانب الخلافة الإسلامية، رغم وجود الصراع ضد سلوك الولاة العثمانيين.
كان ابن سعود طموحاً، وبدعم بريطاني في مستوى معين، إلى اجتياح الجزيرة كلها، ولكن البريطانيين بمقدار ما كانوا مساندين له، وبالأخص في المواجهة مع المتوكلية في حرب 34، كانوا أيضاً يلجمون طموحه في غير منطقة.
ظلت جذوة الصراع تحت الرماد حتى قيام الثورة اليمنية: سبتمبر 62، وأكتوبر 63، واتخذ الصراع الطابع الأيديولوجي: قومي، إسلامي، وامتد الصراع وتعمق بانتشار الأفكار القومية واليسارية ومعاداتها في المملكة السعودية، وتولت المملكة دعم الحركات الإسلامية والثورات المضادة.
كان الحكام السعوديون ينظرون إلى الثورات في اليمن بفزع شديد؛ لذا ناصروا ولي العهد أحمد في إسقاط انقلاب 48، ووقفوا معه -رغم الخصومة- في 1955، وبعد الثورة السبتمبرية 62، ووجود جيش مصري في اليمن- بلغت المواجهة ذروتها بحرب السبع السنوات الشهيرة وحصار صنعاء لسبعين يوماً.
استقلال الجنوب في الـ30 من نوفمبر 67، وانتهاج القومية منحى اليسار عمق الصراع أكثر، والمهم أن السعودية كانت في مواجهة مع الثورة والجمهورية والمبادئ الستة كما كانت في مواجهة حركة التحرر في الجنوب، وهو صراع يمتد ضد الحركات القومية في مصر وسوريا والعراق بسبب التوجه التقليدي المحافظ في السعودية، والتحالف مع بريطانيا وأمريكا، والنوايا والأطماع إزاء حضرموت قديمة، وما أوقف اندفاع عبد العزيز هو الوجود البريطاني، وبعد الاستقلال كان الوجود السوفيتي مركزيا أيضاً.
يخشى السعوديون من وجود قوة عربية في المنطقة كلها؛ وهو ما تجلى في الابتهاج بتدمير قوة مصر في 5 حزيران 67، والإسهام بدور في تدمير القوة العراقية والسورية والليبية واليمنية بغض النظر عن أخطاء الحكام. أما اليمن، فإن المملكة حريصة على عدم استقرار أوضاعها، وعدم وجود قوة عسكرية حتى لو كان الحاكم موال لها كصالح مثلاً، ومن هنا منعت اليمن الـ جمهورية العربية اليمنية من الانضمام لمجلس التعاون الخليجي، وطول الستينات والسبعينات كانت المملكة تشجع القبائل الخارجة على النظام والقانون، وتحول دون بناء دولة حتى لو كانت موالية.
ثورة الربيع العربي أفزعت دول الخليج؛ فتنادى السعوديون والإماراتيون والقطريون لإعادة اللحمة إلى النظام الذي انقسم على نفسه: علي صالح في جانب ، وعلي محسن الأحمر وآل الآحمر والتجمع اليمني للإصلاح في الجانب الآخر. مبادرة التعاون الخليجي كان الغاية منها الالتفاف على ثورة الربيع العربي بالأساس، وتصالح الحكام الأخوة الأعداء- المؤتمر الشعبي العام، والتجمع اليمني للإصلاح مؤقتاً. وبعيداً عن الأوهام والاتهامات، فإن السعودية والإمارات وقطر لم يكونوا بعيدين عن تهميش ثورة الشباب، واستمرار في تغذية الأطراف المختلفة للهدف الأبعد وهو التفكيك، أو بالأحرى ما يحصل اليوم. دعموا بمستوى معين أجواء الحوار الوطني الشامل، مع الإبقاء على أجواء التوتر والصراع، وانقلاب الـ21 من سبتمبر 2014 بتحالف صالح وأنصار الله الحوثيين له صلة بنهج تغذية الصراعات؛ فرأس الإصلاح مطلوب للسعودية والإمارات، بينما هو حليف قطر.
أنصار الله الحوثيون لم يكونوا الطرف الأقوى، وكان جيش صالح وأمنه وتحالفاته القبلية هي الأقوى، ولكن روح الثأر والانتقام أغرى صالح بدفع القبائل الموالية والجيش والأمن إلى جانب أنصار الله؛ لتصفية خصومه الألداء- التجمع اليمني للإصلاح، ومحسن، وآل الأحمر.
ما تريده السعودية والإمارات استمرار الصراع حتى يسهل ابتلاع اللقمة – الخانوق – الصعبة على الابتلاع، أو التجزئة على الأقل. ومن جهة أخرى، فإن الصراع الإقليمي الإيراني- الخليجي حاضر بقوة، وإيران لا هم لها إلا فك الحصار الأمريكي عنها، ومنع استهداف برنامجها النووي، والحفاظ على نفوذها في العراق وسوريا ولبنان، فاليمن بالنسبة لها ورقة تكتيكية، ولكنها في غاية الأهمية. ومن هنا أصبحت اليمن رهينة الصراع الإقليمي ذي البعد الدولي. المملكة بالأساس حريصة على استمرار الصراع، وتعتمد معادلة “توازن الضعف”؛ لتتمكن مع الداعم الدولي من التقسيم، أو إبقاء اليمن في مستنقع الصراع. وجعل اليمن ميدان صراع يجنب الأطراف: إيران، والسعودية، والإمارات من المواجهة المباشرة في الخليج، وللأسف وجدوا في أطراف الحرب الأهلية: أنصار الله الحوثيين، والشرعية، والانتقالي القابلية؛ فوظفوا صراعهم الإقليمي في اليمن، وخدم تصارع اليمنيين على السلطة الصراع الإقليمي، وشيئاً فشيئاً يصبح الإقليمي هو الأقوى، واليمنيون مجرد أدوات، واليمن ميدان قتال، وإذا ما طال الصراع يخرج من الإقليمي إلى الدولي.
في كل حروب الماضي في اليمن على كثرتها كانت القبائل هي عدة الحرب وعتادها ووقودها أيضاً. القبيلة كبنية قد ضعفت كثيراً عما كانت عليه قبل الثورة اليمنية سببتمبر وأكتوبر، ولكنها كفكر وسلوك وممارسة وقيم وتقاليد وأعراف ما تزال حاضرة وقوية.
الحرب الحالية المتداخلة والمركبة من الأهلي والإقليمي والدولي عمت اليمن، وشملت الريف والمدينة، ولكن المجتمع القبلي والمناطق القبلية ظلت ميدان صراع: نهم، وصرواح، والجوف، وحجور الشام، والبيضاء، والضالع، ومأرب. والحرب وإن كانت شاملة لكن المناطق القبلية من حول المدن، والريف في صنعاء وتعز وعدن والحديدة ظلت ميدان الصراع.
الدعم الإيراني لأنصار الله خفي، وليس بمستوى تدخل التحالف السعودي- الإماراتي، وقد أسفر التدخل السعودي- الإماراتي عن طبيعته في الجنوب، وفي سوقطرة، والمهرة- المنطقتين البعيدتين عن ميادين الحرب. وقوف القبائل والمناطق القبلية إلى جانب أنصار الله ليس مرده إلى حب آل البيت، أو التمكين الإلهي كما يظن البعض، وإنما مرده إلى خبرة القبيلة والمناطق القبلية بأهداف السعودية ونواياها؛ فخبرة هذه المناطق القريبة من السعودية قد جعلتها أكثر إدراكاً بأن السعودية ليست في وادي دعم الشرعية أو عودة الدولة التي هي عدو لدود لها منذ مطلع القرن الماضي، أما تمسكها بالقرارات الأممية ومخرجات الحوار فحديث خرافة .
لا تريد السعودية للشرعية أن تنتصر على أنصار الله بالقدر الذي لا تريد أنصار الله أو الإصلاح أو المؤتمر أن ينتصروا. ما يهمها أن يبقى الجميع في مواجهة الجميع، وما لا يدركه التحالف أن ذاكرة اليمني الحربية قوية، وخبرته فيها غير محدودة.
غياب الدور السلامي للقبيلة، بل دور اليمني مدنياً كان أو قبلياً راجع إلى أنه يشعر بوطأة العدوان، و إلى الخطر السعودي على الكيان اليمني، ثم إنه وجد في الحرب المفروضة البديل عن العمل وعن الزراعة، وقد عاش اليمني منذ الحرب العالمية هذا الهاجس.
يقول محمد أنعم غالب:
الحرب قامت
والشباب عاطلون
تجارة الرصيف
لا توفر الرغيف
أنا المحارب الشجاع
أجيد إطلاق الرصاص
رصاصتي لا تخطئ الهدف
الحرب لي عمل
فاليمني الآن يقاوم العدوان، ويتعامل مع الحرب كتعويض عن تعطيل كل سبيل العيش الكريم، وقطع الراتب، وهو يراهن على تعب كل الأطراف الداخلية والخارجية، وعجزها عن الحسم، محييا ذاكرة الحرب الممتدة لأزمان وأزمان. والأخطر انقسام القبيلة والمجتمع ككل، والتفكك الجهوي.
سيطرة الصراع الإقليمي وإغواءاته وإغراءاته غطى على نداءات السلام، وأخفت صوت العقل والضمير، ولا بديل غير تحويل نداءات السلام إلى فعل سلامي يغمر الأرض اليمنية كلها. ويبقى الحديث عن التعليم وفوائده مرهون بوقف الحرب التي أهلكت البلاد والعباد؛ فالسلام في اليمن كما في المنطقة العربية كلها يخدم مصالح شعوب الأمة العربية كلها، ويوفر استنزاف الدماء والأموال، وتدمير الكيانات المدنية والحضارية لأهداف لم تعد خافية.