نبتت الحضارة، ترعرعت وكبرت، اتسع نطاقها ونطق الإنسانية بحروفها الأولى، بين جنبات اليمن، على أرضها ولد خط المسند، وبنت بلقيس عرشها، ذاك الذي حضر بين يدي النبي سليمان بطرفة عين.
وبين جنبات معرض "اكسبو 2020 دبي" فتح اليمن أبواب مهد الحضارة، حيث تلتقط تفاصيلها بـ"طرفة عين"، فقد تمددت سطوراً رقمية تمددت على جدران الجناح الواقع في منطقة الإستدامة، لتصله متتبعاً رائحة القهوة اليمنية التي أعدت على مهل فوق نار توقدت بين حجرين كريمين، حيث أرض اليمن مصدرهما، وفق صحيفة "البيان" الاماراتية.
ما إن تلج بوابة جناح اليمن، حتى تضوع في رائحة قهوة "التفاحي" و"اليافعي" التي تعد الأجود في اليمن، على عبقها ستلقى على مسامعك حكايات كثيرة، سطور بعضها كتبت بماء القهوة، وأخرى بحبر العلامة صفي الدين أحمد بن عبد الله السّلمي الوصابي الشهير بـ (بالسانة)، والراحل عن الدنيا في 1710 ميلادية، وثالثة جملت بحروف خط المسند، بينما الرابعة تقودك نحو المستقبل.
لكل حكاية منها تفاصيلها الخاصة، لكن أكثرها وقعاً تتمثل في معجزة «الوصابي» تلك الحاضرة في جنبات الجناح، ستقف أمامها مذهولاً وأنت تقرأ 6 علوم مختلفة منابتها، وقد جمعت بين دفتي كتاب واحد فقط، حمل عنوان "الإعلان بنعم الله الواهب المنان في الفقه، والعروض، والنحو، والتصريف، والمنطق، وتجويد القرآن".
أمام الكتاب سيسردون لك شباب اليمن، شيئاً من تاريخ الوصابي، ويجتهدون في شرح تفاصيل كتابه المعجزة، الذي حبست نسخة من المخطوطة الأصلية بين جدران صندوق زجاجي، ترافقها نسخة اخرى أكثر حداثة.
بنسق أنيق تجمل بالحرف العربي، ستقرأ بين دفتي كتاب "الوصابي"، الذي لا تزال نسخته الأصلية في حفظ أهله باليمن، سيخبرونك بأنه من أندر الكتب وأكثرها دهشة، على هوامشه تقرأ العروض وتتعرف على قواعد النحو والصرف، بينما في خطوط أخرى تقتبس شيئاً من الفقه وأصول التجويد، وتتعرف على مبادئ المنطق، وأنت تطالع الكتاب ستذهلك التفاصيل الخاصة به، ستثير في نفسك سؤالاً عن تلك الطريقة التي ابتكرها الوصابي في البناء والتأليف، والتي يمكن وصفها بـ"الفريدة" التي كتبت ذات يوم بخط اليد، لتصبح موسوعة عبقرية بصرية وفكرية وأدبية وفنية أيضاً.
الكتاب المعجزة لم يكن حاضراً بنسخته الأصلية فقط، وإنما رافقها نسخة حديثه تزينت بالألوان، وقد تمددت الكلمات على أكثر من 400 صفحة، تقرأ من اليمين إلى الشمال، وأفقياً وعمودياً، حيث كل لون فيها يرمز إلى علم معين، وقد جمعت في صفحة واحدة.
قبل أن تأخذك قدميك نحو مخرج الجناح، يستوقفك خط المسند أو الحميري في بعض الروايات، سيقال لك إنه يمثل نظام كتابة قديم، وقد تطور في اليمن، سترى تفاصيله ضمن النقوش الأثرية التي كانت تزين جدران ومداخل المعابد والبيوت القديمة، كما سيخبرك عبد العزيز، الدارس للأثار بأنه خط يتألف من 28 حرفاً، لكل واحد منها شكله الخاص وطريقة نطق خاصة، لا يعرفها سوى أولئك الذين رفعوا أشرعتهم وأبحروا في محيط الآثار.