أ.د. مهدي دبان
يأبى القلم إلا أن يقذف حممًا أو قطرات من دم، حين يُكتب بحروف ممزوجة بالألم والقهر، حين تنبثق الكلمات من جراح الروح قبل حبر الحروف. ماذا نكتب وماذا نقول؟ الكلمات تختنق، وتُحشر في الجوف، فتعلو النفس عبرات، ويخفت صوت الحديث، إذ لم يعد له جدوى، بعدما صار الجمال يُباع في سوق الإهمال والجحود والنكران، بلا ثمن.
الحديث عن نجوم الكرة وأساطيرها دائمًا ما يحمل في طياته التغني بفنياتهم، وإبداعاتهم، وأهدافهم الجميلة، وتمريراتهم الساحرة، وتاريخهم الذي نقشوه بالعرق والجهد والتعب. وصاحبنا ليس استثناء... بل هو عنوان الإبداع وفارس الزمن الجميل، غزال شارد لم يعرف له المدافعون طريقًا، وقدمه اليسرى كانت "سمًّا زعافًا" سقى به كل من تجرأ على مواجهته.
ذاك الفتى السعودي الذي أذهل الأرجنتين بكل نجومها في كأس القارات، حينما واجههم وحيدًا كمن يخوض معركة بأسطورة واحدة. راوغ وتمايل وتراقص، حتى خُيّل للناظر أنه "زورو" في فيلمه الشهير. أعاد كأس آسيا إلى بيت الطاعة في الإمارات 96، وزفّها بكل فخر وإبداع إلى رياض المملكة، فتزينت له القلوب قبل الشوارع.
إنه خالد المسعد... النجم الرائع، الجميل، الرشيق... الذي أسعد الجماهير، ونثر السعادة في الجبال والقرى والوديان وسهول الجزيرة. لكن يا للأسف، ويا للحسرة، كم هو مؤلم أن نرى من أعطى كل شيء يُترك بلا شيء. تم تجاهله، ونُسي، وكأنه لم يكن يومًا سيدًا لملاعب جدة، ملكًا على عرش الإبداع.
أين الوفاء؟! كيف يُترك فارسنا يصارع قسوة الحياة ومراراتها، مشردًا في شوارع مدينة كان يومًا يرفع اسمها ويجعلها تفتخر؟! شوارع تهتف الآن باسمه بصمت موجع، بعد أن كانت ترتج بأهازيجه. ويا لقلوب لا تعرف إلا أن تنكر و تقابل الوفاء بالجحود كم قال الشاعر :
وظلمُ ذوي القربى أشدُّ مضاضةً
على النفسِ من وقعِ الحسامِ المهندِ
أعيدوا للمسعد ابتسامته... أعيدوا له الحياة، فقد منحنا من الفرح ما لا يُقدر بثمن. لم يبخل يومًا على الوطن، فلا تبخلوا عليه بوقفة إنسانية تعيد له كرامته. فهو ليس مجرد لاعب، بل هو تاريخ حي، وفصل ناصع من رواية المجد السعودي.