- مدرجات ملاعبنا بين ماضي غني وحاضر فقير
تعيش اليمن منذ مدة زمنية غير قصيرة احتقاناً سياسيا بالغا وانقسامات سياسية حادة, ألقت بظلالها على كل شيء، الارض والانسان والمدرسة والمؤسسة والشارع ووضع المجتمع الاقتصادي والحياة العامة بشكل عام، والرياضة جزء من منظومة متكاملة في هذا البلد تتأثر سلباً او ايجاباً بما يجري حولها، وفي هذا التقرير التحليلي سنحاول تسليط الضوء على تأثير الازمة السياسية على واقع الرياضة اليمنية.
وصحيح ان الرياضة اليمنية تملك شهادة ميلاد تجاوز عمرها قرنا من الزمن لكنها مع ذلك ما زالت كسيحة، تسير كسلحفاة في سباق مضمار تطور الرياضة العربية والعالمية, وكلما بدأت تتجلى ملامح أمل في الأفق ما تلبث ان تعصف بها ظروف شتى، كسوء إدارة أو بفعل الأحداث السياسية التي تمر بها البلاد بين مدة واخرى, والشواهد على ذلك كثيرة لا تحصى ولا تعد.
ملاعب محظورة ومحافظات خارج نطاق التغطية الرياضية
مازالت الملاعب اليمنية الدولية وخصوصاً في العاصمة صنعاء حتى اللحظة محظورا اللعب عليها اكان من خلال استقبال أندية ومنتخبات الدول الأخرى وديا او رسميا، وذلك بقرار من الاتحادين الاسيوي لكرة القدم، والدولي الفيفا فأصبحت غير قادرة على احتضان مباريات المنتخب او الاندية اليمنية في الاستحقاقات الدولية بسبب حالة عدم الاستقرار الامني والسياسي الحاصلة في العاصمة.
هذا الوضع الرياضي السيء ليس محصوراً على العاصمة فحسب فهناك محافظات يمنية أصبحت خارج نطاق التغطية الرياضية بفعل ما يجري فيها من حروب وصراع سياسي دام كمحافظات صعدة والجوف وشبوة، عمران ، وكذلك محافظتا أبين والضالع فبالرغم من ان لديهما ممثلين في الدرجتين الأولى والثانية إلا ان الوضع الرياضي فيهما لا يسر عدوا ولا صديقا.
ففريق نصر الضالع ممثل المحافظة الوحيد في الدرجة الثانية أصبحت ملاعب عدن هي الملاعب الرسمية له بسبب ما تعيشه المحافظة من احتقان سياسي و انفلات امني.
أيضاً تعيش محافظة أبين الوضع نفسه وأسوأ بعد ان اصبح ملعبا الوحدة والشهداء خارج نطاق التغطية الرياضية بسبب ما لحق بهما من دمار وتخريب جراء حرب الدولة مع القاعدة, وهو ما ساهم في هبوط فريق حسان، واضطر لأجله فريق فحمان ممثل المحافظة في الأولى إلى تسمية ملعب شباب المنصورة في عدن ملعباً رسمياً له.
كل هذا الانفلات الأمني والأحداث السياسية العصيبة التي تمر بها البلاد هي طعنات بظهر الرياضة اليمنية وتأشيرة عودة الى الخلف.
ولتسليط الضوء اكثر على الامر بحث الهدف الرياضي تأثيرات الوضع السياسي والامني على الرياضة اليمنية، وخرج بالتالي:
باسعيدة: : الرياضة دفعة الثمن غالياً .. وعلى القيادة ان لا تستسلم
يرى الصحفي علي باسعيدة ان الازمات السياسية والظروف العصيبة التي تمر بها البلاد لها تأثير سلبي كبير على الرياضة اليمنية كون الواقع الرياضي ليس بمعزل عن الواقع السياسي وبقية المجالات الاخرى، قائلاً :" ان المواثيق الدولية تحاول الفصل بين الرياضة والسياسة إلا ان المتابع يرى مدى تأثير السياسة وتدخلها في الواقع الرياضي والشواهد كثيرة, فكيف اذا كان الأمر متعلقا بوضع سياسي غير مستقر كحال بلدنا في هذه الظروف".
ويضيف با سعيدة القول:" الأزمة أو الازمات السياسية التي تعيشها بلادنا كان تأثيرها على الواقع الرياضي مؤلماً وكبيراً وله اوجه متعددة ولعل قرار الحظر الدولي على ملاعبنا يأتي في طليعتها ومن خلاله دفعت كرتنا اليمنية الثمن غالياً تمثل من خلال تراجع تصنيفها الدولي ومشاركاتها المتواضعة وحرمانها من اللعب داخل أرضها كعامل مهم افتقدته, بالإضافة إلى عدم قدرتنا على استضافة بعض المنتخبات أو البطولات ليس في كرة القدم وإنما شمل بقية الالعاب الأخرى".
ويقول باسعيدة: "ان تأثير الازمات السياسية على البطولات والمسابقات المحلية أدت إلى افتقادها للمنافسة الحقيقة واختزال كثير من المسابقات وإقامتها بطريقة التجمعات وانعدام مبدأ تكافؤ الفرص الى جانب التأثير النفسي الذي تسببت به الازمة على لاعبينا وهوما جعل المستويات الفنية غير مرضية بل ومتدنية".
لافتا الى ان القيادة الرياضية والكروية حاولت جاهده التغلب على هذا الأمر من خلال تنظيم بعض الفعاليات الرياضية في اكثر من لعبة إلا ان الواقع لم يساعدها في ذلك كون الوضع على الأرض يزداد تعقيداً وغموضاً.
ويرى باسعيدة ان استمرار الامور على الارض بهذه الطريقة يجعلنا نخسر الكثير من سمعتنا، ومن مستوى منتخباتنا وفرقنا الرياضية التي لن تحصد أي نتائج إيجابية وهي تلعب بعيدة عن بلدها الى جانب التأثير النفسي الذي تسببت به هذه الأوضاع.
ويختتم باسعيدة حديثه إلينا بحث القيادة الرياضة والكروية ان تبذل الكثير من الجهد والعمل وان لا تستسلم لهذا الواقع وتسعى الى تغييره من خلال خطوات مدروسة تسهم في إعطاء انطباع جيد عن رياضتنا اليمنية.
النزيلي : الظروف أدت الى عزوف الجماهير .. والرياضي في وضع لا يحسد عليه
من جانبه يرى الكاتب الرياضي محمد أحمد النزيلي ان الأزمات السياسية التي تمر بها البلاد ألقت بظلالها على الأرض والانسان وكافة شرائح المجتمع.
ويعتقد ان الازمة السياسية التي أخذت منحى قتاليا تؤثر بشكل أكبر خصوصاً ان الرياضي مجبر خلال ذهابه إلى التمرين أو المباراة على المرور في شوارع تشهد توترات قوية قد تودي بحياته كما أنه مجبر على العودة من نفس الخط ليلاقي نفس المخاطر بانتظاره ويجري مرانه ومبارياته في ملاعب مفتوحه قد يتعرض خلال تواجده فيها للخطر, وأهم ما في الأمر ان الرياضي في هذه الأجواء يحضر كبدن لكن تركيزه الذهني يكون معدوما تماماً، وما فائدة حضور البدن وغياب الذهن, والرياضة بالدرجة الاولى لعبة ذهن وتركيز.
وأكد النزيلي ان الظروف التي تمر بها بلادنا أدت إلى عزوف الجماهير عن متابعة الرياضة وخلو المدرجات منها, وكذلك ضعف الاهتمام الإعلامي بالجانب الرياضي نضراً لانشغال وسائل الإعلام بأخبار الصراع والتوترات، وأيضا سيختفي أو يقل الدعم الحكومي للنشاط الرياضي.
الساكت: رياضتنا في احسن حال لولا الازمات والصراعات
و يرى الزميل ناصر الساكت، مراسل اذاعة البرنامج الثاني عدن في المهرة- ان الرياضة تصلح ما تفسده السياسة, وما بين الصلاح والفساد تبقى الرياضة في مفهومها العام ( قيم, مبادئ, أخلاق وعلم) فهي التي تجمع ولا تفرق, وتبني ولا تهدم.
ويقول الساكت:" ان الرياضة كانت اللبنة الأولى في بنيان إعادة تحقيق الوحدة اليمنية, ولولا الازمات السياسية المتكررة والصراعات التي مرت بها اليمن طيلة العقود الماضية لكانت الرياضة اليمنية اليوم في احسن حال لما لهذه الأزمات من انعكاسات سلبية وكارثية دفعت ثمنها الحركة الرياضية أندية واتحادات ومنتخبات وطنية".
وأضاف الساكت:" نأخذ مثلاً تأثيرات الأزمة السياسية الحالية والاضطرابات التي تشهدها اليمن حالياً منشآت دمرت وتراجع مستوى الاندية وتأخر صرف المخصصات المالية للأندية والاتحادات وحتى المنتخبات الوطنية فالمنتخب الوطني لكرة القدم الذي يستعد لخليجي 22 يخوض استعداداته في ظل مشاكل وازمات مالية عويصة, وهناك حظر دولي مفروض على اليمن بسبب هذه الاضطرابات غير المسبوقة حرم بموجبها منتخبنا لعب مبارياته التجريبية على ارضه".
ويختم الساكت كلامه بالحديث عن حال المنتخب الذي أصبح تصنيفه الدولي في مؤخرة الترتيب بسبب الحضر المفروض على الملاعب بالإضافة الى الظروف التي تمر بها بلادنا والتي حالت دون خوض المزيد من المباريات التي تعزز من تصنيف الكرة اليمنية على المستوى العالمي وهذا له انعكاسات سلبية مؤثرة.
الجماهير .. بين ماضي النجوم وحاضر السياسة
في الماضي شمالاً وجنوباً عندما كانت الرياضة أحسن حالاً من الوضع الراهن, كانت المدرجات تمتلئ بالجماهير وتعطي للمباريات والبطولات نكهة ومذاقا خاصا.
ظلت الجماهير في الماضي -عندما كانت بعيدة عن السياسة- تهتف لأنديتها وللنجوم وتحلم بمقابلتهم, وفي الوقت الحاضر بدلاً من ان تكون الجماهير في المدرجات أصبحت في الميادين والساحات, وبدلاً من أن تهتف لفريقها ونجومها أصبحت تهتف لحزبها وجماعتها وللشيخ والسيد.
هذا مؤشر لما وصل إليه حال الرياضة في بلدنا وكيف أصبحت رهينة الوضع السياسي .. نسأل الله السلامة.