قراءة في : أطروحة دكتوراه بعنوان: (السلطنة الكثيرية الأولى في حضرموت1411-1730م) للدكتور.عبدالله سعيد سليمان الجعيدي

Thursday 21 August 2014 7:50 pm
قراءة في : أطروحة  دكتوراه بعنوان: (السلطنة الكثيرية الأولى في حضرموت1411-1730م) للدكتور.عبدالله سعيد سليمان الجعيدي
بقلم /مبارك أحمد باخريصة: -
----------

 

 

     بلغت الرسائل العلمية في عصرنا أعداداً هائلة ، تكدّست معظمها في مكتبات الجامعات ، وتسلسلت عناوينها إلى عدد أقصى  في موسوعات الببليوجرافيا ، ومن بين هذا الكم الهائل تتميز عدد من الرسائل بأهمية بالغة ، وكانت هي الأخرى في عداد المصفوفات ، وتنتظر من يخرجها إلى النور وتبصر الطريق ، ومن تلك الرسائل العلمية التي انتظرنا طباعتها بفارغ الصبر ، والتي بقيت قرابة عشر سنين من إجازها لم تطبع بعد ،وشاء المولى تعإلى أن تطبع وتخرج بحلة فاخرة في عامنا هذا 2014م ، أطروحة الدكتوراه الموسومة بـ (( السلطنة الكثيرية الأولى في حضرموت)) للدكتور / عبدالله سعيد الجعيدي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المشارك ـ كلية الآداب جامعة حضرموت ـ حيث امتحن صاحبها ونوقشت في جمهورية العراق جامعة بغداد كلية التربية (ابن رشد) عام 2003م وبإشراف أ.د. جعفر عباس حميدي . وطبعت من طرف مركز تريم للدراسات والنشر ، وتوزيع المكتبة الحضرمية بتريم .

     وما كان لمثلي أن يسطّر هذه السطور بقراءة تعريفية عن هذه الأطروحة ، والتي تعد من أبرز ما كتب عن تاريخ السلطنات القائمة في حضرموت آنذاك ، فهي شاملة لحقبة وسياسة واقتصاد لفترة زمنية مهمة ومرجعاً أساسياً للباحثين عن هذه السلطنة ، فقد شمّر الباحث سواعده ، وبذل قصارى جهد لجمع الشوارد من هنا وهناك ، ومنقحاَ للمصادر والمعلومة بالدرس والتحليل حتى ظهرت الرسالة بصورة علمية أكاديمية مشرّفة .

ـ تناولت هذه الدراسة تاريخ السلطنة الكثيرية الأولى في حضرموت  (1411- 1730م) وعلاقاتها داخلياً وخارجياً ، مسلّطاً الأضواء على الناحية السياسية بوصفها الركيزة التي يستوجب استيفاؤها فضلاً عن أنها لم تفرد لها دراسة مستقلة بعد .

ـ وأشار الباحث إلى أن الأهمية التاريخية للسلطنة الكثيرية الأولى تكمن في انها تمكنت من توحيد أجزاء واسعة من حضرموت تحت سيطرة واحدة ، رغم المحاولات الفاشلة التي سبقتها ، كذلك استطاعت الدولة الكثيرية ربط ساحل حضرموت بواديها ، في ظل واقع سياسي تغلبه التجزئة القبلية والكيانات الصغيرة والحروب .

ـ استطاعت هذه الرسالة العلمية ربط السلطنة الكثيرية بأقطاب الصراع الدولي والإقليمي ، وماشهدته الأحداث بعد القرن السادس عشر من متغيرات عالمية ، بلغت صداها إلى اليوم ، كالصراع الصليبي وحملة الكشوف ، والأطماع البرتغالية وغيرها .

ـ واجهت الكاتب في هذه الدراسة عدة صعوبات وعقبات ، برزت أولها في شحة المصادر وقلتها ، تلك العقبة التي تعم حضرموت في تاريخها الوسيط ، كما واجهت الباحث صعوبات تتعلق بالموضوع نفسه  وما يكتنفه من قلة المعلومات في بعض الجوانب وغموضها واضطرابها في جوانب أخرى ، إضافة إلى ازدواجية الأحداث وتداخلها .

ـ واعتباراً لكل عناصر الصعاب التي واجهها الباحث ، ولزاماً منه على الإحاطة والإمساك بكل أطراف الصراع وإبراز العلاقة فيما بينهما عالج الكاتب أطروحته بمنهج علمي خاص ظل مراعياً له في كل فصول الدراسة ومباحثها ، وقسّمها إلى أجزاء شمل كل منها مرحلة معينة لدراستها ، مع المحافظة على الوحدة الموضوعية والتسلسل الزمني للأحداث حتى استطاع من رسم خط تاريخي يربط اجزاء هذه الدراسة .

ـ قسّمت هذه الدراسة إلى تمهيد وأربعة فصول ، حوى التمهيد محوراً استعرض فيه التطورات التاريخية في حضرموت من القرن 3هـ إلى ما قبل بداية فترة الدراسة ، اما الفصل الأول فقد تطرّق فيه إلى البدايات الأولى لآل كثير في حضرموت ونشاطاتهم السياسية المبكرة حتى قيام السلطنة ، ودور السلطان علي بن عمر الكثيري في ذلك ، كما تناول الباحث بالتفصيل علاقة السلطنة بالقوى المحلية المنافسة لها وكذلك القوى المحيطة بحضرموت كالدولة الطاهرية بعدن .

أما الفصل الثاني تقصّى فيه الباحث إلى النشاطات الحربية لبدر بوطويرق ، وجهوده في تعزيز وبناء السلطنة الكثيرية ، فهو يعد من أهم السلاطين الكثريين  إذ بلغت السلطنة في عهده أوج اتساعها ، وتضمن الفصل الثالث علاقات السلطنة بالقوى العالمية البرتغال والدولة العثمانية ، كما تعرّض في هذا الفصل إلى الأعمال البرتغالية البحرية على السواحل العربية الجنوبية  لاسيما حضرموت ، مبيّناً موقف آل كثير إزاءها ، وتتبع لاحقاً البدايات الأولى للوجود العثماني في اليمن ، وعلاقة آل عثمان الخاصة بالسلطنة ، ومن ثمّ موضحا ً موقف السلطنة من حركة المقاومة اليمنية للاحتلال العثماني .

وفي الفصل الرابع ، الأخير أشار الباحث  إلى التحديات والمخاطر من بينها الصراع الأسري ونتائجه بتدخل القوى اليمنية في شؤن السلطنة التي بشأنها أدت إلى سقوطها تدريجياً على يد القبائل اليافعية .

     هذه رؤوس أقلام لأبرز ملامح هذه الرسالة ، التي ضمت بين دفتيها تاريخ حافل ، وانجازات عظيمة ، سطّرتها السلطنة الكثيرية وبرجالها وسلاطينها المخلصين لشعوبهم وبلدانهم ، ويكفينا فخراً أن هذه الأطروحة دبّجت بيراع حضرمية ، وبإحساس حريص على وطنه الكبير وتاريخه العريق ، حتى كشفت هذه الدراسة عن خبايا المخطوطات ، وانقاض المكتبات ، لتبرز لنا غموض اكتنف فترة ذات بعد سياسي ، انعكس على جوانب الحياة الاقتصادية والفكرية والاجتماعية .