ضربة عنيفة للقيادة المصرية دوليا بسبب "أبو تريكة"

Monday 30 November -1 12:00 am
ضربة عنيفة للقيادة المصرية دوليا بسبب "أبو تريكة"
----------
قال الكاتب الصحفي "جمال سلطان"، إن عدم نزول اللاعب "محمد أبو تريكة" لمصر بعد وفاة والده، يمثل ضربة عنيفة لسمعة مصر وقيادتها السياسية.
 
وأضاف "سلطان" في مقاله المنشور بصحيفة "المصريون" التي يرأس تحريرها: "أتت وفاة والد النجم المصري واسع الشهرة والاحترام ـ داخل مصر وخارجها ـ محمد أبو تريكة، وما ارتبط بها من مواقف وردود أفعال، لكي تكون قاصمة الظهر في سمعة النظام السياسي بكامله".
 
وفيما يلي نص المقال كاملًا:
 
أحزان أبو تريكة تربك "جمهورية الخوف" 
 
أتت وفاة والد النجم المصري واسع الشهرة والاحترام ـ داخل مصر وخارجها ـ "محمد أبو تريكة"، وما ارتبط بها من مواقف وردود أفعال، لكي تكون قاصمة الظهر في سمعة النظام السياسي بكامله، ومنذ البداية لم يكن أحد في مصر والعالم يصدق صحة اتهام هذا النجم الكبير بالإرهاب أو دعم الإرهاب، وطرحت تفسيرات كثيرة لهذا الأمر، أغلبها يصب في خصومة شخصية بين النجم الكروي وقيادة عسكرية رفيعة سابقة، على خلفية مذبحة استاد بورسعيد التي راح ضحيتها عشرات من الشباب المشجعين للنادي الأهلي، ولم يطرح أحد أبدًا فرضية أن "أبو تريكة" متورط في الإرهاب أو دعم الإرهاب، واستغرب الجميع مثل هذا الكلام، وكانت هذه الورطة الأولى التي تورط فيها النظام، لأنه أساء إلى سمعته ولم يسئ إلى سمعة "أبو تريكة"، وأهدر مصداقية اتهامات الإرهاب التي تتم بعثرتها هذه الأيام بصورة مدهشة، كما أتى قرار التحفظ على أمواله وممتلكاته ليضيف بعدًا "ثأريًا" للخصومة، خاصة وأن القاصي والداني يعرف أن تلك الثروة المحدودة هي حصاد إنجازاته لصالح الكرة المصرية، وما أضاف لها من بطولات، ولاسم مصر نفسها من أمجاد رياضية، فيكون هذا هو رد الجميل الذي تقدمه مصر للشخص الذي صنع لها كل تلك البطولات والحضور الإقليمي والأفريقي والعالمي.
 
 
عندما أُعلنت وفاة والد "محمد أبو تريكة"، اتجهت الأنظار إلى العاصمة القطرية الدوحة، حيث يقيم اللاعب الدولي السابق للعمل محللًا رياضيًا في قنواتها الرياضية المعروفة، وحيث يمثل عمله هناك أهم دخل مالي له حاليًا للإنفاق على نفسه وأسرته بعد أن وضعت الحكومة يدها على أمواله، وقرر "محمد" أن ينزل إلى القاهرة أيًا كانت الظروف لحضور جنازة والده، ثم أتته اتصالات عديدة من القاهرة، من أقاربه وأشقائه وغيرهم، يحذرونه من النزول، لأنه غير مأمون العواقب، ولا توجد أي ضمانات، وكان هذا أكثر إيلامًا على نفسيته بطبيعة الحال، ولكن عدم نزوله في تلك الظروف والمحنة الإنسانية يمثل ضربة عنيفة لسمعة مصر وقيادتها السياسية، وغياب أي بعد إنساني، وقد أدركت الحكومة ذلك، فتم إعلان تصريحات أمنية وقضائية عبر وسائل الإعلام المختلفة تقول إن "أبو تريكة" ليس مدرجًا على قوائم ترقب الوصول ـ حتى الآن ـ كما أنه لن يتم إلقاء القبض عليه إذا أتى للقاهرة، وأنه سيعامل "كأي مواطن عادي"، وحكاية أي مواطن عادي تحولت إلى نكتة على مواقع التواصل الاجتماعي، لأن الجميع يعرف قيمة "المواطن العادي" عند الحكومة، وكرامته وآدميته وحقوقه الإنسانية كاملة غير منقوصة، ولكن المهم في اللفتة أن تخرج تلك التصريحات من أجل تأكيد ما يفترض أنه مؤكد، أن ينسب إلى مسؤول قضائي مثلًا قوله: "سنحترم القانون"، ولا يمكن أن تجد مثل ذلك في أي مكان محترم في العالم، فيه قانون وفيه أبسط قواعد مفهوم "الدولة"، أن تصدر تصريحات من مسؤولين أمنيين وقضائيين، يقولون لمواطن في الخارج، تعال ولن نتعرض لك، تعال ولن نسجنك أو نلقي القبض عليك، هذا موقف أسطوري في غرابته، وأيضًا في دلالته على المستوى الذي وصلنا إليه في مفهوم الأمن والقانون والحقوق الدستورية.
 
بطبيعة الحال، انتهى الأمر إلى إلغاء "أبو تريكة" لفكرة سفره إلى القاهرة وحضور عزاء والده، ولم يستجب للنداءات، كما أنه ـ بداهة ـ لم يثق في التصريحات الرسمية التي صدرت لتقول له: "تعال ما تخافش!"، لم يطمئن أن هناك قانونًا يحميه أو مؤسسات تضمن حقوقه، أو أمنًا يأمن معه على مصيره، وعلى الأقل في إمكانية سفره مرة أخرى، لأنه بورقة صغيرة يمكن أن تصدر خلال دقائق يتقرر حبسه داخل البلاد ومنعه من السفر نهائيًا، وهذا ما أكده أمس إعلاميون موالون للسلطة علنًا في برامجهم الفضائية.
 
ما حدث مع "أبو تريكة" أعطى انطباعًا داخليًا ودوليًا عن أن مصر تحولت إلى "جمهورية خوف"، حتى أن نجمًا كبيرًا يحظى بجماهيرية طاغية وغير مسبوقة في بلده والعالم مثل "محمد أبو تريكة"، يخاف أن ينزل إلى بلده، رغم أنه غير متهم بشيء محدد حتى الآن، ويصل الأمر إلى حد أنه هو ومعارفه وأقاربه لا يثقون نهائيًا في أي التزامات أمنية أو قانونية، ويتعاملون معها على أنها "فخ" لاصطياده، وأي عقل سياسي في أدنى درجات الوعي يدرك أن هذا كله يمثل خسارة فادحة لنظام الرئيس "عبد الفتاح السيسي"، بل كارثة على سمعته، وعلى صورة مصر، وحتى على ثقة شركات السياحة العالمية بأوضاعها، وهي خسارة مستمرة، وستظل تنزف من سمعة النظام والثقة فيه طالما بقي "أبو تريكة" خارج البلاد خائفًا، وطالما بقيت تلك الاتهامات الغرائبية تلاحقه، وطالما بقيت الأمور تدار في مصر بشخصنة مخيفة، تهدر أي قواعد وتلغي أي ثقة بين الدولة ومواطنيها، وتسقط أي ضمانات، حتى لو كانت نصًا دستوريًا، فكل شيء جائز، وكل شيء ممكن، وانت وحظك!.