علي صالح الخلاقي:
إنها حقاً مفاجأة سارة لكل جنوبي يعز عليه علم الجنوب الذي استظل بظله المناضلون في الساحات واستشهد تحت ظله شهداء الجنوب في الساحات وفي المواجهات وخفق ويخفق في جبهات النصر..
نعم.. إنها مفاجأة تحمل دلالات ومعاني كبيرة، فلم يكن أحد يتوقع أن يظل ذلك العلم الجنوبي، الذي يعتبره البعض مجرد قطعة قماش لا قيمة ولا معنى لها، في عُهدة الرجل الأمين (أبو أمين) الذي كان فعلاً أميناً عليه ووفياً له ولرمزيته ولقيمته الاعتبارية التي لا تقدر بثمن.
يوم أمس كانت فعالية مئوية فقيد الجنوب المناضل الفذ والصلب ورجل البر والخير والبر والإحسان قاسم عبدالرحمن بن صلاح الحوثري، في قاعة البتراء، بفندق كورال بخور مكسر، ومن محاسن الصدف أنها صادفت يوماً استثنائيا لامس هوًى في نفس الفقيد، هو يوم 21مايو ذكرى إعلان فك الارتباط من وحدة الغدر والخيانة، التي لم يباركها الفقيد منذ الوهلة الأولى بدليل حرصه على الاحتفاظ بعلم الجنوب الذي تم انزاله يوم 22مايو1990م لرمزيته التاريخية ولقناعته المترسخة في وجدانه بأنه سيعود ليرفرف ثانية في سماء العاصمة عدن، طال الزمن أو قصر، لما كان يتمتع به من بعد نظر، وكأنه كان يدرك بحدسه أن تلك الوحدة الضيزى والمتسرعة لن يكتب لها الإبقاء، وهو ما كان فعلا، إذ سرعان ما غدر نظام صنعاء وقوى النفوذ الزيدية العسكرية والقبلية والدينية بشركاء الوحدة الجنوبيين وحولوها إلى احتلال للجنوب وضم وإلحاق ونهب وفيد.
وكان الفقيد من أوائل الذين قاوموا ذلك الاحتلال، منذ حرب 94م، وحتى الغزو الثاني للجنوب 2015م، ومثل ظاهرة استثنائية من بين رجال الأعمال، حيث طغت روح المناضل الوطني في نفسيته الأبيه على نفسية التاجر، وتحول إلى مناضل مرابط في ساحات النضال السلمي الجنوبي وتعرض للأذى والمضايقات من قبل نظام عفاش ومصادرة لأملاكه والتضييق على أعماله التجارية دون أن يفل ذلك من عزيمته وثباته.
وظل الفقيد ينتظر على أحمر من الجمر انبلاج فجر الاستقلال واستعادة الدولة واستبشر بعد الانتصار الأخير، الذي شارك في صنعه مقاتلاً مع أبطال المقاومة الجنوبية وبدعم من التحالف العربي، باقتراب تلك اللحظة التاريخية التي انتظرها شعبنا طويلاً وقدم تضحيات كان يتمنى أن يرفرف فيها ذلك العلم الأصلي لدولة الجنوب ، لكن القضاء والقدر عالجه لينتقل إلى رحمة الله يوم 12فبراير الماضي، وها هو العلم الذي ظل محتفظاً به يظهر مجدداً لأول مرة منذ ذلك اليوم المشئوم في مفاجأة كنت أول من عرف بها من شقيقه صلاح عبدالرحمن، الذي أبلغني للإعلان عنها في حفل تأبين الفقيد الذي كان لي شرف تقديمه، وفعلاً كانت مفاجأة سارة لي وللحضور الكريم وتم الإعلان عنها وجرى تسليم ذلك العلم الرمزي، كما كانت رغبة الفقيد، لقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي ممثلة باللواء أحمد سعيد بريك رئيس الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي في أجواء مهيبة ووسط عاصفة من التصفيق والهتافات التي دوت في أرجاءالقاعة، حيث ردد الكل بصوت واحد(بالروح بالدم نفديك يا جنوب)..
رحم الله الفقيد قاسم عبدالرحمن الحوثري، ولينعم في مثواه بطمأنينة وسلام فقد سُلّمت الأمانة، كما كنت تود وترغب، لمن يحافظ عليها، وهو المجلس الانتقالي الجنوبي الذي كنت من أشد مناصريه وداعميه لثقتك بأنه من يحقق هدف شعبنا مع كل الأطياف الجنوبية المؤمنة بالاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية، وسيرفع العلم قريبا إن شاء الله في سارية الاستقلال واستعادة الدولة قريباً إن شاء الله..
عدن
22مايو2019م
