نقول عن شخص أنه همجي اذا كان هذا الشخص متخلف ورجعي, فالكلمة عادة ما تطلق كناية عن التخلف والوحشية وسوء الأخلاق فهل المعنى الأصلي للكلمة في اللغة العربية يدور حول هذا المعنى أم أن لكلمة همج دلالة أخرى بعيدة كل البعد عن استخدامها الحالي!
سنعرض عليكم أصل هذه الكلمة كما ورد في المعاجم المشهورة للغة العربية و نتعرف معا على الهمج الحقيقين؟ والمعنى الحقيقي لهه الكلمة؟
كلمة “الهمج” تعني الانحطاط. فهي تطلق في العموم على الشخص الذي يتسبب في حدوث بعض الأفعال غير المحمودة. قد يكون هذا الشخص شريرًا أو قا.تلاً. وهي تطلق أيضًا لتصف عدم التحضر.
ويمكن أيضًا أن نطلقها على الأشخاص الذين لا يأخذون في الاعتبار أي مبادئ دينية أو أخلاقية عند القيام بأفعال منكرة.
كما أن هذه الكلمة تصف وحشية الأشخاص وتخلفهم. باختصار هي دليل على وحشية الشخص وقيامه بأفعال شنيعة مثل القـ.ـتل والتد.مير والتخريب والفساد في الأرض.
وإذا كنت لا تعرف أصل هذه الكلمة فدعنا نتعرف إلى معانيها في المعاجم، ولماذا أطلقت على القتلة والمدمرين، ولماذا أطلقت بصفة عامة على من يقوم بأعمال وحـ.ـشية تجاه الآخرين.
كما ذكرنا تطلق الكلمة على المد.مرين والذين يقومون بقـ.ـتل الأبرياء. ومن هنا ارتبط هذا الوصف في بعض المصطلحات الخاصة بالأعمال المنكرة. فنقول على سبيل المثال تدمـ.ـير همجي أو قصف همجي.
على الرغم من ذلك فإن كلمة الهمج في اللغة العربية تعني البعوض. وقد ذكرت هذه الكلمة في كتاب “أدب الكاتب” على أنها لفظ يطلق على الجاهلين. وذلك حسب كاتبه ابن قتيبة الدينوري الذي توفي عام 276 بعد الهجرة.
أما في عصرنا الحالي فلا تشير الكلمة إلى الجاهلين فقط، وإنما تشير بشكل أساسي إلى القـ.ـتل الوحشي بعد أن كانت تشير في اللغة العربية إلى الذباب الصغير الذي يضايق الغنم.
وممن أجابوا عن السؤال من هم الهمج؟ أشار ابن سيده الذي ذكر في كتابه “المحكم”: أنهم ذباب صغير أو بعوض أو صغار الدواب بصفة عامة. لكن ابن سيده قد أشار إلى أن المصطلح يطلق أيضًا على رعاع الناس. ومن المفارقات أن ابن سيدة قد أشار إلى أن الكلمة تعني الجوع. فما هو الارتباط بين الذباب الصغير والجوع؟
يشرح هذا الأمر ابن فارس في كتاب مقاييس اللغة. حيث تشير إلى أن كلمة الهمج في الأصل تصف اضطرابًا أو اختلاطًا في بعض الأمور. وقد ربط هذا المعنى ليس بهذه الكلمة فقط، وإنما بحروفها على اختلاف ترتيبها. بمعنى أن حرف الهاء والميم والجيم بصفة عامة في كلمة الهَمَج يشيرون إلى حدوث اختلال أو اضطراب حتى بعد تغير ترتيبهم. وعلى سبيل المثال الكلمة تشير إلى اضطراب أو اختلال.
أما عن علاقته بالجوع فقد ربط ابن فارس الهمج مقترنًا بالجوع لأن الجوع يصاحبه اضطراب أيضًا. وشأنه كشأن الآخرين أوضح ابن فارس أنها تشير إلى البعوض.
وعن سبب ارتباطها بلفظ رعاع الناس، فقد ذكر ابن فارس أن الكلمة عندما تطلق على البشر تعني مجموعة من الناس لا يحكمهم نظام. شأنهم شأن الحشرات الدقيقة مثل البعوض والذباب والبق والبرغش.
لذلك، تطلق كلمة الهَمَج على كلا من البشر الذين لا يحكمهم أو الذين لا يرتبطون بنظام محدد. أو على البعوض والناموس الذي لا يربطهم نظام.
وقد ذكر هذا المعنى الكاتب ابن دريد في كتاب “الجمهرة”، كما ذكر الأزهري في كتاب “تهذيب اللغة” أنها كلمة تطلق على البعوض أيضًا.
وقد اتفق مع هذا الراوي محمد بن القاسم الأنباري في كتاب “الزاهر في معاني كلمات الناس”. كما اتفق معه أيضًا الجاحظ في كتابه “الحيوان”. كل هؤلاء اتفقوا على أن الكلمة تطلق على صغار الحشرات الذين ليس لديهم نظام.
يختلف الصاحب بن عباد مع الآراء السابقة في بعض الأمور حيث يشير في كتابه “المحيط في اللغة”: إلى أن اللفظ تعني الدود الذي يخرج من بيض البعوض. كما أنه يتفق مع الآراء الأخرى أيضًا في أنه يرتبط بحدوث اضطراب في شيء ما.
ويضيف الصاحب ابن عباد على الآراء السابقة بأن: لفظة “همجة” وهي مؤنث همجي تعني الأنثى فاحشة الكلام ومثلها في ذلك الهمجي.
واتفق ابن منظور في كتاب لسان العرب مع هذا الرأي. كما أنه أشار أيضًا إلى أن هذه اللفظة مرتبطة بالجوع. وذلك لأن الذباب أو البعوض يتمكن من العيش فقط إذا جاع، لأنه إذا شبع نفق.
ومن المعروف عن كتاب لسان العرب أنه يقدم آراءً مختلفة عن باقي الكتب أو تفسيرات مختلفة للمعاني. وقد ورد في لسان العرب عما يتعلق بهذا الأمر أن الذباب أو البعوض له حركات سريعة مضطربة، وذلك في حالة ما إذا كان جائعًا، وينفق عندما يكون في مرحلة الشبع، نتيجة ما قام بالتهامه من دماء.
وهذا هو السبب في إطلاق الكلمة على الجوع لأنه يتسبب في عبثية واضطراب وربما وحشية الجياع. ولأن هؤلاء الجياع يسعون إلى امتصاص د.ماء الآخرين حتى إذا شبعوا منها ماتوا!
وباختصار يشير كتاب لسان العرب كما ذكرت الآراء السابقة عن سؤال من هم الهَمَج: الهمج هو البعوض أو الذباب الصغير وأنها لفظة تطلق على الرعاع من الناس.
ومن المعاجم التي أكدت هذا المعنى معجم العين للفراهيدي الذي أشار فيه أيضًا إلى أن الهمج يعنى الدود الذي يخرج من بيض الذباب. وهو يعد أول معجم يشير إلى أن لفظة الهمج تطلق على الجوع.