أبو علاء
أ.د مهدي دبان
ليس هدافاً من طراز فريد فحسب، بل حالة كروية استثنائية يصعب على الخيال تصديقها… كيف لرجل لا ينتمي لأحد قطبي الكرة العدنية؛ لا للعميد التلالي ولا لفرسان الفيحاء الوحداوية، أن يتربع على عرش الهدافين، ويُرعب كل مدافع، ويهز شباك كل حارس مهما علا شأنه؟!
إنه أبو علاء (محمد حسن)، الهداف الصامت، الذي لا يحتاج لضوضاء في الملعب ليُثبت حضوره… كان هدوؤه مصدر رعب، وسكونه مقدمة للعاصفة.
لم يكن يتحرك كثيرا، لكنه يتحرك بذكاء قاتل، ولا تشعر به إلا وقد غرز أنيابه في شباكك… كان من المهاجمين المحببين إلى قلبي، ولست وحدي. كم من ناشئ مثلي آنذاك كان يرى في خطواته دروسا؟ كنت أشتري تذاكر مباريات نادي الشعلة – نادي السحر الكروي الخلاب – لا حبا في الشعلة فقط، بل لأراه، لأتعلم، لأقتدي.
كنت أتابع تحركاته، أغير موقعي في المدرجات حسب الجهة التي يهاجمها، لأكون أقرب ما يكون من دروسه الحية… دروس في المكر والدهاء، وكان أستاذا فيهما، ومدرسة في "الخبث الكروي" الراقي.
رغم الألم الذي زرعه في شباك الجميع، كان محبوبا من كل الأندية، وهذه ميزة نادرة… فقد جمع بين الفاعلية الميدانية ودماثة الأخلاق، بين القسوة على المدافعين، واللين مع الجميع خارج الملعب.
كان قريبا من الله، نقي القلب، ورغم أنه لم يترك مرمى إلا ووجعه، إلا أن القلوب ما زالت تكن له حبا واحتراما لا يوصف.
أما على المستوى الدولي، فقد كان المهاجم الأبرز في صفوف المنتخب الجنوبي، وأحرز العديد من الأهداف، وكان علامة فارقة في مسيرته الدولية حتى أنه كان هدافا لبطولة الصداقة والسلام ..
لكن، وكحال كل من تألق في زمن الانغلاق، حُرم من الحذاء الذهبي العربي رغم فوزه بلقب هداف الدوري أربع مرات متتالية!
ولعل القصة الأجمل، والأكثر تعبيرا عن معدنه الأصيل، تعود لمباراة أمام فريق الشرطة، حين كان الشعلة متأخرا بهدف، وكان أبو علاء على دكة الاحتياط مريضا، محموما، ملفوفا ببطانية… لم يكن يبدو أن بإمكانه الوقوف، فكيف باللعب؟!
لكن حين عجز المدرب عن إيجاد حل، دفع به إلى الملعب… وما هي إلا لمسات قليلة حتى أحرز هدف التعادل، ثم هدف الفوز، وأحدهما من أول لمسة له بعد دخوله.
حقًا، لم يكن مجرد لاعب… كان ذهبا لا يصدأ، تماما كألوان الشعلة الصفراء التي تسر الناظرين، وذهبا من رمال شواطئ البريقة الذهبية التي تسحر العقول وتأسر الألباب.