"القات".. فاكهة الحرب في اليمن

Monday 30 November -1 12:00 am
"القات".. فاكهة الحرب في اليمن
| عدن – عبداللاه سُميح
----------

يجتمع أنور مع أصدقائه منتصف كل يوم في منزل مهجور بمحافظة أبين، ليمضغوا شجرة "القات" الشهيرة في اليمن، بعد أن ساهم الجميع بدفع القيمة اللازمة لتشغيل الوقود المخصص للمولد الكهربائي، بغرض مشاهدة أخبار الحرب عبر شاشة التلفاز.ويقول أنور هشام، وهو أحد النازحين من عدن، إن تعاطيه لـ "القات" يجعلمزاجه جيدا، وقادرا على متابعة تطورات الصراع الميداني بين الحوثيين المدعومين من الرئيس السابق علي صالح، ومؤيدي الرئيس عبده ربه منصور هادي المسنود بطيران التحالف، دون اكتراث للخسائر، أو شعور بالإحباط. فالقات يساعده بأن يعيش أوقات استرخاء تصل إلى 8 ساعات يوميا، تبدأ عقب الظهر بتناوله أول"غصن".وتسبب انتزاع الحوثيين السيطرة على البلد من الحكومة اليمنية، ونشوب الحرب الطاحنة عقب ذلك، بشلل كلي لاقتصاد البلد الفقير، وأعدمت الكثير منالخدمات الملحّة لمواطنيه، في حين دفعت المواجهات المسلحة المتمددة، أكثر من مليون يمني إلى النزوح من مناطقهم حتى مطلع يونيو/ حزيران الماضي، طبقا للمتحدث باسم المنظمة الدولية التابعة للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك.القات أهم من الفواكه في أماكن الحربوخلال حصار الحوثيين مدنا جنوب اليمن لفترة 4 أشهر، منعوا دخول الخضروات والفواكه والمواد الغذائية الضرورية، إلا أن "نبتة القات" وحدها تمكنت من كسر الحصار وتحدت كل العقبات عبر بائعيها، وواصلت سعيها الدؤوب لتصل إلى أيد المدمنين عليها، أو من يطلق عليهم في اليمن "الموالعة"، وإن كان سعرها باهظا على غير المعتاد.يقتطع مدمنو القات مبالغ من مصاريفهم اليومية لشراء شجرة القات بمبالغ متفاوتة تصل عند ميسوري الدخل 100 دولار يوميا، وعند محدودي الدخل 10 دولار. ويتعاطى القات غالبية المجتمع اليمني.يقول بائع القات، علي عبدربه، لـ"هافينغتون بوست عربي" إن عملية توريد القات معقدة للغاية، وقد تصلأحيانا حد المجازفة، حتى يتمكن الموردون من الوصول إلى مناطق التماس، والانتظار ريثما تهدأ الأوضاع فيها ليواصلون طريقهم نحو المدن، وقد يتطلب ذلك نقل كميات القات من السيارات إلى دراجات نارية ليسهل مرورها وإخفائها من الحواجز العسكرية المرورية المنتشرة على مناطق السيطرة بين المتحاربين.ويسرد البائع علي قصة واجهت مزوديه بالقات أثناء عملية نقله، حيث أغارت إحدى طائرات التحالف على موقع للحوثيين في جبل "ثرة" الرابط بين محافظتي البيضاء وأبين، وهم على مقربة من موقع الضربة الجوية، وقطعت الطريق الجبلي، وكيف أنهم تواصلوا مع أحد أصدقاء في الجهة المقابلة من الطريق، وتم نقل كميات القات إلى عربة بالضفة الأخرى، لتواصل مشوارها وتصل بسلامة إلى عدن.نصف النساء وغالبية الرجال يدمنون القاتمع ارتفاع نسبة الفقر في اليمن إلى 54.5% والبطالة إلى 60%، وفقا للبنك الدولي، فإن منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن نحو 90% من الذكور البالغين يتعاطون القات، بينما تناهزنسبة الإناث اللائي يتعاطينه أكثر من 50%، رغم استنزافه لأكثر من 60% من الموارد المائية في بلد يعدّ من أكثر بلدان العالم المهددة بالجفاف.ولم تردع الأزمة التي أحدثتها الحرب متعاطي القات ومدمنيه عن تناوله، رغم أضراره الصحية والاجتماعية، وسوء الأوضاع التي تعيشها البلد، كانعدام الكهرباء والمياه وغاز الطبخ والمشتقات النفطية، وارتفاع أسعار المواصلات والمواد الغذائية والاستهلاكية وتعطل معظم أشغال العاملين في القطاع الخاص وذوي الدخل اليومي، ومرارة النزوح.القات سلعة رابحةرئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي يرى أن هناك عدة أسباب جعلت سلعة القات لا تتأثر بالحرب،أهمها أن القات ليس سلعة استهلاكية يمكن الاستغناء عنها، بل تمثل سلعة تموّل الحرب، فإنها أهم مصدر لتمويل الحرب لدى قبائل المحافظات الشمالية التي يشكل القات أهم مصدر لها.ويوضح مصطفى نصر في حديثه لـ"هافينغتون بوست عربي أن تجارة القات تعود بمردود نقدي عال، أي أن تجار القات يستطيعون دفع مبالغ مادية للمسيطرين على النقاط الأمنية والعسكرية لتسهيل عبورهم إلى المناطق التي يريدونها، عكس المنتجات الأخرى التي لا يحتمل مردودها دفع مبالغ كبيرة. كما تشكلمصدر تمويل لقوات جماعة الحوثي. معتقدا أن المتحاربين على خطوط التماس باتت بحاجة للقات باعتبارها منشطا يساعد على السهر، وبالتالي من السهل تمريرها عبر تلكالمناطق.وعن الناحية الاقتصادية، قال نصر إن القات أحد السلع النقدية الأكثر رواجا وتداولا في الداخل، لكنها لا تشكل مصدرا حقيقا للناتج القومي لأنها منتج لا يمكن تصديره والحصول على عملة صعبة مقابله. ويسبب تناول القات مخاطر اقتصادية واجتماعية وصحية.ويواجه اليمن وضعا إنسانيا كارثيا، تمثل بحاجة أكثر من 80% من إجمالي تعداد السكان البالغ نحو 25 مليونا، إلى المساعدة الإنسانية بشكل عاجل، بينهم 9.3 ملايين طفل.