يثير سلوك "أبوظبي" في اليمن الكثير من التساؤلات, فالإمارات تبدو سالكة خطاً آخر, غير الذي انطلقت من أجله عاصفة الحزم في 26 مارس من العام 2015م, إذ يرى مراقبون بأن تقاطع المصالح دفع أولاد زايد (كما يحلو للبعض تسميتهم) إلى تقويض دور المملكة العربية السعودية في المناطق الجنوبية من اليمن وتجريدها من أي دور مستقبلي ما أثار تساؤلات جمة، في مقدمتها: ما الذي يدفع أمراء النفط في الامارات إلى التضحية في اليمن؟.
يرى البعض أن المخلوع صالح ونجله المتورط في عمليات غسيل أموال مع شركات إماراتية تربطه علاقة غير شرعية مع أمراء الإمارات حتى بعد الانقلاب الأسود على الشرعية في اليمن في الـ21 من سبتمبر من عام 2014م, يسعى من خلالها صالح إلى تسليم جميع نفوذه في المناطق الجنوبية, وقد فعل حسب جنوبيين, يرون أن الحوثيين وعلي عبدالله صالح عملوا على تسليم المحافظات الجنوبية لدولة الإمارات في يوليو من العام 2015, مع ضمان الأخيرة بمستقبل سياسي لأسرة صالح ومقربين منه.
اتهامات تشير إلى أن نفوذ المخلوع صالح المتراكم خلال ثلاثة عقود من عهده كان كفيل بأن يسهل للإمارات الكثير من الأمور في المناطق الجنوبية.
المواجهة مع هادي
اتخذ أمراء الأمارات عدة خطوات متتالية لمواجهة الرئيس اليمني "عبدربه منصور هادي" بل تمادى بهم الأمر إلى دعم انقلاب عسكري ضده في العاصمة المؤقتة (عدن) عبر محسوبين لها كان آخرها أحداث المطار الدولي.
الأحد الماضي، وقعت اشتباكات عنيفة في مطار عدن، لم تكن في حسابات الحكومة الشرعية فالحادثة التي أوقعت قتلى وجرحى كانت بين القيادي في المقاومة الجنوبية صالح العميري المعروف بـ«أبي قحطان»، والحرس الرئاسي لهادي, والخطير في الأمر أن الداعم "للعميري" هي دولة الإمارات العربية التي دخلت اليمن ضمن التحالف الدولي لدعم حكومة هادي، فالقوات الإماراتية المتواجدة في عدن، والتي لها قوة لا يستهان بها من الجنوبيين، ساندت تمرد "أبي قحطان" في احتجاجه على قرار إبعاده من مهمة الحماية الأمنية لمطار عدن، إذ قام ضباط إماراتيون بمساندته، وشن غارة من طائرة «أباتشي» على مركبة عسكرية، في نقطة العريش بالقرب من المطار، تابعة للحرس الرئاسي لهادي.
وأكدت مصادر يمنية أنه مقابل الإسناد الجوي الإماراتي تحركت ميليشيا الحزام الأمني على الأرض باتجاه (خور مكسر) حيث مقر المطار، لفك الطوق الذي فرضته قوات الحرس الرئاسي على العناصر التابعة للمقدم العميري بداخل مقر المطار، ثم اعترضت ميليشيا الحزام الأمني قوات من الجيش الوطني التابع للمنطقة العسكرية الرابعة أثناء توجهها نحو المطار، واشتبك الطرفان».
لم تكن حادثة الاعتراض هي الأولى للرئيس هادي، فقد تكررت الإشكاليات التي تواجه الحماية الرئاسية لهادي كلما سافر من وإلى المطار.
تشير المعلومات أن ما حدث قبل أيام هو أن الرئيس "هادي" عيّن قائدًا أمنيًّا جديدًا لمطار عدن الدولي بدلًا من القائد السابق المعين أصلًا من الإمارات العربية المتحدة، وتدعمه الإمارات بقوة. أحست الإمارات بتجاهل "هادي" لها، وأن القائد المعين هو موالٍ لنائب رئيس الجمهورية اللواء علي محسن ؛ مما جعلها ترفض التعيين، وجعلت القائد الميداني يرفض ذلك صراحةً، وقامت بمساندته بطائرات الأباتشي».
هذه الاشتباكات التي استمرت ساعات لم تتوقف إلا عندما توصل الطرفان لاتفاق يتم بمقتضاه نقل قيادة المطار إلى نائب «أبي قحطان»، بدلًا من الشخص الذي عيّنه هادي.
"ترامب" ولإمارات ماذا يريدان؟
فرضت الإمارات نفسها أكثر على التغيرات الأخيرة في الساحة اليمنية، خاصة في المجالين العسكري والسياسي، وذلك بحكم إشرافها بشكل مباشر على العمليات العسكرية الجارية في الساحل الغربي في اليمن.
في خضم ذالك تتحدث تقارير عن حصول الإمارات على تقويض من الوافد الجديد للبيت الأبيض «رونالدو ترامب» لاستهداف السعودية في اليمن من خلال تقربها من السلفيين وقد وصلت الأمور لحد اتهام الإمارات بدفع السعودية نحو التورط في الحرب اليمنية أكبر فترة ممكنة لخدمة أجندتها، وتحقيق أهدافها الاستراتيجية، وهو ما يعني أن السعودية قد تتوقف عن مداراة الإمارات في اليمن، هذا النهج الذي اتخذ في السابق لحفظ ماء الوجه السعودي، خاصة في ظل تعاظم نقاط الخلاف بين الدولتين في اليمن.
وضمن محاولة التركيز على فترة ما بعد وصول «دونالد ترامب» إلى الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية التي تشارك أيضًا في عمليات عسكرية ضد تنظيم القاعدة باليمن، ما يؤكد تقارب الرؤية الإماراتية مع الأمريكية في اليمن، دعم الولايات المتحدة للتحرك الإماراتي شرق اليمن؛ بل التنسيق معها بعيدًا عن السعودية.
وأعلنت واشنطن رسميًّا حقيقة دور أبوظبي في العملية العسكرية في اليمن، وأكدت أنها قدمت مساعدات للقوات الإماراتية في أمور المراقبة، والاستطلاع الاستخباري الجوي، والدفاع البحري، والعمليات الأمنية، والدعم الطبي، والتزود الجوي بالوقود، إذ قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، النقيب جيف ديفيس، إن: «قوات أمريكية قدمت دعمًا استخباريًّا، إضافة إلى المساعدة في التخطيط العملياتي للقوات الإماراتية المتواجدة في محافظة حضرموت».
مطامع اقتصادية
تحدثت مصادر مقربة من الحكومة اليمنية تابعها مسند للأنباء في سبتمبر الماضي، اتجهت حكومة الرئيس هادي نحو استئناف إنتاج النفط في عدد من المحافظات الجنوبية، لكن المفاجأة كانت أن إحدى دول التحالف اعترضت قرارها، فقد رفضت القوات الإماراتية في ميناء الضبة النفطي السماح بنقل كمية النفط المخزنة في منشآت الميناء إلى الأسواق العالمية.
هذه الحادثة تنقلنا للحديث عن المطامع الاقتصادية للإمارات في اليمن، وبالعودة إلى الوراء، وتحديدًا بعد انتخاب هادي رئيسًا للجمهورية اليمنية، شكل انتهاء عقد موانئ دبي في تشغيل ميناء عدن، نتيجة لعدم التزام الإمارات بتطوير الميناء، وفقًا للاتفاق المبرم بين الحكومتين.
وبات من الملاحظ التخوف الاماراتي من إزاحه نفوذها على السواحل الجنوبية للجزيرة العربية، ومضيق باب المندب، بما يضمن استمرار مكاسبها الاقتصادية، واستمرار سيطرة مؤانئ دبي على نقاط الملاحة الدولية، في المحيط الاقليمي دون منافس.
مع العلم أن الامارات كانت سبباً رئيساً في تراجع ميناء عدن، ذي الأهمية الاقتصادية القصوى، إذ يعد ثأني أهم ميناء طبيعي بعد ميناء نيويورك، بعد الصفقة المشبوهة التي أبرمتها الامارات مع الرئيس السابق على صالح، مقابل 600 مليون دولار، قيل إنها راحت لحسابه الشخصي.
تغذية الجماعات الجنوبية
يقول المحلل السياسي اليمني "محمود الطاهر في تصريحات صحفية، "غدت الإمارات في تغذيه الجماعات الانفصالية في اليمن؛ لزعزعة استقراره وللضغط على هادي لاستعادة ميناء عدن، إلا أن المشاكل الداخلية في اليمن وقتها أغفلت الحكومة عن هذا التوجه، لصالح العمل السياسي داخليًّا، وهو ما مكن الإمارات من التوغل أكثر في عدن، والعمل على أجندتها في السيطرة على الساحل العربي، وميناء عدن، والخليج العربي، وسقطرى"، ويستشهد الطاهر بمحاولة الإمارات الضغط على هادي لتوقيع اتفاقية تأجير جزيرة سقطرى وموانئ عدن لـ99 عامًا، إلا أنهما اختلفا على البنود والتفاصيل الأخرى، معقبًا: «تريد تنفيذ طموحها، بأن تكون إمبراطورية في المنطقة، وتكون هي صانعة الملوك».
يرى خبراء سياسيون أن الصراع المحتدم في عدن يأتي ضمن مخطط يهدف إلى إعطاء دور وحضور وسيطرة للإسلاميين المتشددين، وذلك لتقديمها أمام الرأي العام العالمي بأن القاعدة وتنظيم الدولة أصبحا القوة المسيطرة على الجنوب، وبالتالي جعل اليمن ساحة جديدة للصراع الإقليمي، ويأتي ذلك في ظل تقارب الأجندة الأمريكية مع الأجندة الإماراتية.
عكفت الإمارات على العمل الدواب في اليمن من خلال تدريب قوات الحزم الأمني في عدن بقيادة المتشدد السلفي "هاني بن بريك" و تأهيل جيش النخبة في محافظة حضرموت كبرى المحافظات اليمنية.
تأتي هذه الخطوة الإماراتية لمنحها تسهيل عملية بسط النفوذ على المناطق الجنوبية بالكامل والاستحواذ على جميع المنافذ البحرية.
تهدف الإمارات من خلال هذه القوات إلى الاحتفاظ بقواتها وعدم استنزافها و الأخطر من ذالك تقويت هذه القوات في وجه الرئيس هادي ما يمكن أبناء زايد وقواتهم من التحكم أهم ركائز القوة في المحافظات الجنوبية، باسطة بذلك كل نفوذها وهيمنتها على الأوضاع في عدن وبقية المحافظات.
يعد إنشاء الإمارات لقوات الحزام الأمني، أو كما يسميها بعض اليمنيين «ميليشيا الحزام الأمني»، وربطها مباشرةً بالجيش الإماراتي المحطة الأخطر في نفوذ الإمارات باليمن, ولعب هذا الحزام دورًا رئيسيًّا في دعم المواجهات في مطار عدن لصالح رجال الإمارات.
قوات الحزام الأمني التي ترتبط بشكل مباشر بالقوات الإماراتية فرضت عددًا من الإجراءات القاسية على مواطني الشمال بشكل عنصري ومناطقي، فقد تم طرد البعض منهم، ومنع آخرين من الدخول، وهو ما سهل سيطرة الإمارات بشكل كامل على مطار عدن، وإحكام السيطرة على مداخل عدن البرية والجوية والبحرية.
في المقابل تسعى الأمارات إلى شق صف المقاومة الشعبية في محافظة تعز من خلال دعمها المتواصل للقيادي السلفي المدعو "أبو العباس" فالإمارات تدرك الحالة التي وصلها الانقلابين من الإنهاك المستمر على المستوى البشري والعسكري وتسعى إلى ما بعد التحرير لمعرفتها التامة بالاستحقاقات التي تمثله مدينة تعز.
الإمارات وزعامة الخليج
لم يكن تحرك الإمارات المستقل في اليمن بعيدًا فقط عن حكومة الرئيس هادي، فالمملكة العربية السعودية أيضًا بعيدة عن هذه التحركات، التي كان آخرها المشاركة بالعملية العسكرية التي نفذها الجيش الأمريكي في البيضاء، وقد أوصلت الإمارات رسائلها للسعودية بأن بإمكانها استخدام الكثير من أوراق الضغط ما لم تحقق مطالبها في اليمن.
بالتأكيد، السعودية بحاجة ماسة لحفظ ماء الوجه أمام القوى الدولية والإقليمية، بعدم صدامها مع الأهداف الإماراتية ما يفتح أبواب صراع مفتوح بين زعامة الخليج في المستقبل