على مدى عامين ونصف من الحرب في اليمن، ظل مصطلح "التسوية السياسية" أكثر المصطلحات عرضة للنقاشات والتحليلات والتكهنات، حيث رسم اليمنيون سيناريوهات عديدة لكيفية إنهاء الحرب وإنجاز "التسوية".
لكن، وبعد مرور هذه الفترة الطويلة من الحرب دون أفق لإمكانية تحقيق حسم عسكري، وانسداد الرؤية السياسية التوافقية، بات إنجاز تلك " التسوية" أمراً يستحيل تحقيقه، خاصة مع تمترس جميع الأطراف باشتراطات الاستسلام الفوري والكامل للطرف الآخر، في وقت وصلت فيه معاناة اليمنيين الى مستويات مخيفة وغير مسبوقة، خاصة فيما يتعلق بالجانب الإنساني والصحي.
وشكلت العودة المفاجئة لرئيس الوزراء السابق والمقال من منصبه خالد بحاح نقطة تحول سياسي كبير، وهو أمر بات واضحاً للعيان منذ اللحظة الأولى لوصوله مطار الريان بمدينة المكلا – المطار الذي أغلق بعد خروجه من اليمن قبل عامين – ليعلن حين عودته يوم الاثنين إعادة افتتاحه، كما أن طريقة الاستقبال المثيرة التي لاقاها من قبل القوة الأمنية في مدرج المطار وكذا تصريحاته اللافتة والقوية في لهجتها تؤكد بأن عودة الرجل تحمل في طياتها مشروعاً سياسياً قادماً، على الرغم من عدم امتلاكه – حتى اللحظة – أية صفة سياسية رسمية بعد أن نزع منه الرئيس هادي آخر مناصبه (منصب مستشار الرئيس)، وهو المنصب الذي أبقاه هادي للرجل ترضية له – على ما يبدو – بعد أن قام بإقالته من منصبي رئيس الوزراء ونائب رئيس الجمهورية، وعين بدلاً عنه الدكتور أحمد عبيد بن دغر، والفريق علي محسن الأحمر على التوالي، في ابريل من العام الماضي، ما شكل تغييراً جذرياً في سياسة القيادة الشرعية، خاصة وأن إقالة الرجل جاءت بعد اتهامات وجهت له بالولاء للإمارات، والخروج عن سطوة الرئيس الشرعي هادي.
وكانت تسريبات سابقة قد ألمحت الى أن أطرافا في التحالف العربي طرحت اسم "بحاح" كرجل توافقي سيتولى منصب نائب الرئيس هادي، كما ستؤول اليه صلاحيات هادي كاملة، في إطار مقترح تسوية سياسية اقترحه وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري أو ما بات يعرف بـ "مبادرة كيري"، حيث تولى المبعوث الأممي لليمن اسماعيل ولد الشيخ أحمد، مهمة الترويج لها، وقوبلت برفض الشرعية "القاطع" لهذا المقترح الذي خرج للعلن بشكل رسمي في نوفمبر من العام الماضي.
من ناحية أخرى فإن الزخم السياسي في معسكري الشرعية والإنقلاب مؤخراً أمر لا تغفله العين، فالشرعية ممثلة بالرئيس هادي اجتمعت ولأول مرة بالكتلة البرلمانية المؤيدة لها في مدينة جدة السعودية قبل أيام، كما أن أول عمل قام به رئيس الحكومة بن دغر عقب وصوله عدن رفقة محافظها عبدالعزيز المفلحي هو افتتاح صالة خصصت لانعقاد جلسات المجلس، مشيرة الى أن بدء انعقاد الجلسات في عدن سيكون في الفترة القريبة القادمة، بينما اختار حزب "المؤتمر – جناح صالح" التوجه نحو "توسيع قاعدته الحزبية"، مدشناً عملية "تنسيب" غير مسبوقة لأعضاء جدد في المؤتمر، وهو ما أثار حفيظة شريكه في السلطة والانقلاب (الحوثي)، بحسب ما يراه متابعون للمشهد المحلي.
فيما تشير التكهنات الى أن الترضية ستكون عبر إعطاء نجله "ناصر" منصباً رفيعاً في التسوية المرتقبة، خاصة مع تواجده اللافت رفقة أبيه خلال المناسبتين السابقتين.
وعلى صعيد متصل أكدت مصادر مطلعة لـ "المشهد اليمني" إنجاز قيادة الشرعية اتفاقاً هاماً مع قيادة التحالف العربي ممثلة بالسعودية والامارات، يقضي بسحب كافة التشكيلات العسكرية من مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد، وإخراجها الى محافظات أخرى، مع الإبقاء على قوة شرطية محدودة، تتولى مهمة إدارة الأمن في عدن، وهو ما يمثل بحسب تلك المصادر محاولة للتوافق ونزع أسباب الصراع المتفجر فيها منذ أشهر عقب تمرد بعض الفصائل المسلحة على السلطة الشرعية ورفض قراراتها.