أسلحة هتلر.. وحوش متعطشة و"غير مجدية"

Saturday 26 October 2019 12:56 pm
أسلحة هتلر.. وحوش متعطشة و"غير مجدية"
----------
لا تزال الحرب العالمية الثانية موضوعاً شيقاً بشكل دائم. ولكن رغم العدد الكبير من الروايات، والأفلام الوثائقية، والكتب، وحتى الرسوم الهزلية حول هذه الحرب، فإن فهمنا لهذا الصراع الكارثي، حتى بعد 7 عقود، لا يزال يعتمد اعتمادا كبيرا على الروايات والدعاية التقليدية، والتفسير الذي يتأثر بشكل كبير بما هو متاح من معلومات، وفقا لمقال كتبه المؤرخ والكاتب جيمس هولاند ونشره موقع مجلة "National Interest" الأميركية.
وكتب هولاند قائلا: يتحدى كتابي الجديد "الحرب في الغرب: ألمانيا الصاعدة 1939-1941"، وهو المجلد الأول من ثلاثية تاريخية، عددًا من الافتراضات القديمة العهد حول تلك الحرب، والتي يستند الكثير منها إلى حقائق من خلال المعلومات العامة، وليس من خلال الأبحاث التفصيلية والمضنية".
ويشير هولاند إلى لحظة الإلهام التي أدت إلى قيامه بالعمل على مؤلفه الجديد، قائلا: "حدثت لحظة التحول قبل بضع سنوات عندما كنت في رحلة إلى وحدة الأسلحة الصغيرة في كلية الأركان البريطانية في شريفينهام. وبينما كنت ألقي نظرة سريعة على المدفع الرشاش MG42 الألماني، المعروف لدى الحلفاء باسم "سباندو، علقت قائلا :بالطبع، كان ذلك أفضل سلاح للحرب، في ترديد لما كنت قد قرأته في العديد من الكتب".
مشاكل قاتلة في مدفع رشاش
ويضيف هولاند: "قام دليلي في الجولة ورئيس الوحدة، جون ستارلنغ، بالرد سريعا قائلا: على أي أساس تقول ذلك؟ وفي الدقائق القليلة التالية، شرع في تفنيد كل ما اعتقدت أنني أعرفه عن هذا السلاح الشهير، موضحا أن معدل إطلاق النار الهائل للمدفع الرشاش "سباندو" تسبب في مشاكل رهيبة نتيجة للسخونة الزائدة، فضلا عن أنه كان غير دقيق على نطاق واسع". وأضاف: "وبعد أن قمت بتجربة إطلاق النار بنفسي من أحد هذه المدافع تأكدت من خطأ معلوماتي، ناهيك عن أن تصنيعه كان باهظ التكلفة، وافتقر تصميمه الهندسي إلى بعض الإضافات البسيطة، التي كان من شأنها أن تجعله أسهل بكثير في الاستخدام".
يتابع: "كان يجب على الرجال، الذين يستخدمون هذا السلاح، أن يحملوا كميات هائلة من الذخيرة لتموين هذا "الوحش العطش"، بل وكان يتحتم عليهم أيضًا سرعة التخلص من عدد 6 سبطانة احتياطية بمجرد البدء في استخدامه بسبب السخونة الشديدة. كما أن كل سبطانة كانت تتألف من حجرات تفتيش متعددة، وفقا لما ذكره ستارلنغ، وهو الأمر الذي كان، مضيعة للوقت في خضم معارك محتدمة".
مبالغات هندسية
ويقول هولاند: "كنت مذهولا، ولكن هذه الزيارة دفعتني إلى العمل على إصدار سلسلة جديدة تمامًا من الأبحاث، وكان ذلك بمثابة الوحي. وبدأت أدرك أن كل شيء صنعه الألمان تقريبًا، كان مبالغا في هندسته، بداية من الدبابات، إلى صناديق قناع الغاز، ووصولا إلى الجاكت الميداني للجندي العادي.
بتوقيع هتلر
ويسرد في كتابه: "وفي النهاية، عثرت في سجلات الأرشيف العسكرية الألمانية في فرايبورغ، على وثيقة تعود إلى أوائل ديسمبر 1941، قام هتلر بتوقيعها وتضمنت مايلي: "من الآن فصاعدًا، علينا (الألمان) أن نتوقف عن صنع مثل هذه الأسلحة الكاملة والجمالية". وبعبارة أخرى، فإن الألمان، حتى تلك اللحظة، كانوا يفعلون ذلك عن وعي. وغني عن القول، إنه لم يقم أحد باتباع تعليماته، حيث تم تصنيع هذه القنابل الغازية الأسطوانية بالكامل، والتي كانت مصممة بشكل جيد ومعقدة وكذلك غير مجدية تمامًا حتى نهاية الحرب".
دبابات الفهد
ويذكر هولاند في كتابه أن مصانع "بورش" كانت "أنتجت بالفعل دبابة طراز "بانثر" (الفهد)، بصندوق تروس أوتوماتيكيًا بـ6 سرعات ويتميز بالتحكم الهيدروليكي. ويبدو أن هذا الطراز معقد ومتطور بشكل كبير، لدرجة أنه كان غير مناسب تمامًا للقتال في الخطوط الأمامية أو للاستخدام بواسطة سائقين شباب، ينقصهم التدريب والخبرة. ويمكن مقارنة ناقل الحركة الألماني في هذا الوقت بالأميركي الصنع المصمم للدبابة طراز "شيرمان"، والذي لم يكن أكثر من صندوق تروس رباعي السرعات، مصنوع ببساطة وبأعداد هائلة". ويضيف: "تشير الأرقام إلى الفارق الشاسع حيث نجحت أميركا في بناء 74000 دبابة طراز "شيرمان"، بينما لم يتخط إنتاج ألمانيا من الدبابة طراز "بانثر" عن 1347 قطعة فقط".
خلل في التقييم والتحليل
وتكشف دراسة تلك التفاصيل بشكل متأن مدى المستوى التشغيلي والقدرة على التعامل أثناء الحرب العالمية الثانية. ومن المفهوم أن أي صراع، أو حتى نشاط تجاري يتعلق بهذا الأمر، يتم على 3 مستويات، أولهم هو الاستراتيجي: الأهداف والطموحات الكلية، والثاني هو التكتيكي: من الناحية العملية والقتال الفعلي. أما المستوى الثالث فهو التشغيلي بما يشمل الذخيرة والقنابل وقطع الغيار وصولا إلى كافة العناصر اللوجستية والاقتصادية وما يسهم في سهولة التموين والإمداد خلال الحرب.
وتركز تقريبا كل محاولة تأريخ للحرب، يتم نشرها، على المستويين الاستراتيجي والتكتيكي فحسب، ولا يتم التطرق إلا بقدر يسير لما دار من أحداث خلال الحرب، وبالتالي تكون النتيجة هي مجرد الحصول على نسخة محرفة لتلك الأحداث، حيث يتم تصنيف المدافع الرشاشة الألمانية الصنع على القمة وتحتل الدبابات طراز "بانثر" الصدارة.
"الصلب وليس اللحم"
كما تكشف دراسة وبحث المستوى التشغيلي أيضًا عن منظور جديد، إذ إن الأمر لا يتعلق فقط بالأسلوب التكتيكي، بل يتعلق بأمور أخرى كثيرة. فعلى سبيل المثال، كانت بريطانيا قد اتخذت قرارا بخوض سباق حرب ميكانيكية وتكنولوجية فائقة، تحت شعار "الصلب وليس اللحم". ويعد هذا هو السبب في أن البريطانيين كان لديهم جيش صغير، لكنه كان مدعوما بالآليات بنسبة 100%. كما أن البريطانيين قاموا بتطوير سلاح جوي راسخ، حيث قاموا بتصنيع 132500 مقاتلة مذهلة خلال الحرب العالمية الثانية، بما يزيد بعدد 50000 مقاتلة عن الألمان. وحتى بداية عام 1944، ولم تكن الأولوية للقوى العاملة في بريطانيا هي الجيش، أو القوات البحرية، أو حتى القوات الجوية، وإنما كانت وزارة إنتاج الطائرات. كما أن المصانع امتلأ برجال ونساء أقوياء، يتم تغذيتهم بشكل جيد.
العبيد وأسرى الحرب
ويسرد كتاب "الحرب في الغرب: ألمانيا الصاعدة 1939-1941" أن ألمانيا، كانت على الجبهة المقابلة تعاني من نقص شديد في إنتاج الآليات والمعدات، على الرغم من امتلاكها لجيش جرار، ومما يعني أن الألمان كانوا يعتمدون على قوة الحصان وضربات المشاة. وأدى الاتجاه لاستخدام هذا العدد الكبير من الرجال الألمان على جبهة القتال، إلى الاضطرار لتسخير واستغلال العبيد وأسرى الحرب للعمل في المصانع، وتأثرت القدرة الإنتاجية والجودة بسبب أن القوى العاملة (من العبيد وأسرى الحرب) كانت تعاني من نقص التغذية وسوء المعاملة.
الإمداد والتموين
وإذا كان مفتاح النصر والتفوق في الحرب هو القدرة على الإمداد والتموين، فإن الحرب في الغرب، كانت معركة الأطلسي، والذي كان مسرحا للعمليات الحاسمة. ولكن كانت ألمانيا قد قامت ببناء أسطول بحري قبل الحرب أملا في منافسة بريطانيا أو فرنسا، وبذلك أهملت سلاح الغواصات. وعلى الرغم من غرق كميات كبيرة من الإمدادات البريطانية في عام 1940، لم يكن ذلك يكفي لإجبار بريطانيا على الركوع على ركبتيها.
وفي الواقع، لم يكن هناك أبدا ما يكفي من الغواصات ليؤثر سلبا على تدفق حركة الشحن إلى بريطانيا، حيث إنه من أصل 18772 عملية إبحار في عام 1940، غرقت فقط 127 سفينة، بما يمثل نسبة 0.7%، في تلك المرحلة، و1.4% خلال مدة الحرب كلها.
التفوق للمحترفين
وهكذا برزت بريطانيا مرة أخرى كقوة عظمى عالمية في قيادة أكبر إمبراطورية تجارية لم يشهدها العالم من قبل، في حين تعرضت ألمانيا، على الرغم من انتصاراتها المذهلة التي تحققت على الأرض في وقت مبكر من الحرب، للمعاناة من نقص شديد في الموارد، بل وتبدد بشكل صارخ ما يمكن أن تطلبه من إمدادات.
انتصار الكفاءة
بل والأكثر من ذلك، فإنه بعد التخمة الأولى من غزو الأراضي بشهية مفتوحة، سرعان ما أصبحت الأراضي المحتلة عنصر استنزاف للموارد، ومثلت عبئا استنفد موارد ثمينة مهولة كان لابد من توفيرها. ويختتم هولاند مقالته قائلا: "هكذا تتأكد أن الكفاءة كانت مفتاح النصر في الحرب العالمية الثانية، بعيدا عن أي مبالغات بشأن القدرات الألمانية وقتئذ".