بقلم محمد العولقي:

ناصر محمد عبدالله .. كلمة ولو جبر خاطر ..!

Wednesday 24 June 2020 3:28 pm
 ناصر محمد عبدالله .. كلمة ولو جبر خاطر ..!

ناصر محمد عبدالله

----------
         محمد العولقي 
   في كل مرة أقرأ هذه القصة التي تخنق الحلق بغصة ..
  إنها حكاية مؤلمة في تفاصيلها تشبه القطة التي تأكل أولادها ..
   لسوء حظ زميلنا و أستاذنا ناصر محمد عبدالله أنه صحفي مخضرم ينتمي إلى ذلك الجيل الذي لا يشحت و لا يطلب مكرمة ..
   ولسوء حظ الأستاذ ناصر .. أنه لا يمتلك قرون استشعار عن بعد .. مجرد كاتب عجنته التجارب في مؤسسة 14 أكتوبر .. فصنعت منه محررا رياضيا من طراز خاص جدا ..
   من سوء حظ ناصر في هذا الزمن الذي تتغول فيه الكتاكيت .. أنه يحافظ على خط السير .. لا يشاكس .. ولا يقطع إشارات المرور .. ولا يلغي الفواصل مع تلاميذه .. و ما أكثرهم حين يعدهم .. لكنهم في النائبات قليل ..
   كثيرون لا يعلمون أن ناصر محمد عبدالله قضى كل حياته مدافعا عن 14 أكتوبر .. قلمه كان يقذف اللهب و الشهب في وجه كل من يناور أو يناوش على صفحات 14 أكتوبر ..
   كانت صحيفة 14 أكتوبر حبيبة قلبه .. يسكن في تجاويفها .. يتعاطى مخاطرها .. يهيم في مسالكها الوعرة .. كانت وطنه .. ملهمه .. حياته .. لم يشأ يوما تغيير هواه .. فالحب دوما لجريدته.. حتى وهو يعلم بعد رحيل العمر أنه لم يقبض من حبها و هواها سوى الفتات .. 
   كل صحفي جنوبي مر بالتأكيد عبر بوابة ناصر محمد عبدالله ، ومن لم يفعل ذلك فلا علاقة له بثورة 14 أكتوبر الرياضية .. ولا ببوصلتها التي تقوده إلى بر الأمان ..
   ناصر داخل بلاط صاحبة الجلالة متسلحا بموهبة فطرية .. تعلم في بلاط مؤسسة 14 أكتوبر من عظماء الكلمة كل دروس النباهة و سرعة البديهة ..
    كان ناصر محمد عبدالله وحداوي الهوى من رأسه حتى أخمص قدميه .. لكنه عندما يمارس الحب المشروع مع حبيبة قلبه .. و يداعبها بسن قلمه يخلع رداءه الأخضر .. ويتوشح بكل ألوان الطيف الرياضي .. الكلمة أمانة .. و الأمانة اشتكت منها الجبال .. وحملها الإنسان أنه كان ظلوما جهولا ..
    تقترب رحلة ناصر محمد عبدالله مع 14 أكتوبر من الأربعين عاما .. رحلة طويلة .. مريرة أحيانا .. و حلوة في أغلب الأحيان ..
   دخل ناصر أكاديمية 14 أكتوبر شابا يافعا يحمل بساطة  و نقاوة ريف (مودية) .. أنصت كثيرا لترانيم الكلمة .. عاش الكثير من لحظات المخاض .. مصاعب و متاعب .. سهر .. و أرق .. أقلام .. و أوراق .. كان ناصر يفجر ذاته داخل تلك الغرفة الأشبه بعلبة سردين ..
   تعلم ناصر أن العلم و الإقناع و التألق و التغريد خارج النص ليست في الكراس .. لكنها في عقل سليم يستوعب و يتعلم ويولد في كل لحظة ..
   زمن ناصر .. كانت الصحافة ولادة طبيعية وليست صناعية .. أول ما تعلمه ناصر من عظماء مؤسسة 14 أكتوبر أن الصحفي البارع كتلة من الأعصاب و شحنة من القلق ..
   ناصر .. نقل لنا هذا الشعور عندما كنا تلاميذا تغرنا أسراب نخيل موائدة الرياضية .. قلقنا مثله .. و تلفت أعصابنا مثله .. عندها عرفنا أننا نسير في ظل وصايا أساتذته طه حيدر و محمد عبدالله فارع و ابراهيم الكاف و محمد علي سعد و معروف حداد و الجميل علي ياسين و عيدروس عبدالرحمن..
   مشكلة ناصر محمد عبدالله بعد أربعين عاما من العطاء .. أنه لازال مخلصا لذلك الزمن .. لا يطمح إلا إلى الستر .. يترك المطامع و المغانم لتلك الغربان التي تنعق وهي تشيع جنازة صحافة الوقار و الالتزام إلى مثواها الأخير ..
   أعتدت في عزلتي التي أخترتها لنفسي مع قهوة الصباح التلصص على ظروف ذلك الجيل الذي تعلمنا منه أسمى الدروس و التضحيات ..
    عرفت بالصدفة أن أوضاع الأستاذ ناصر محمد عبدالله ليست على ما يرام .. سقطت على رأسه ظروف قاهرة .. و المصائب لا تأتي فرادى ..
    ناصر محمد عبدالله عليل الهوى أولا .. لأنه لم يجد التقدير من تلاميذه الذين أمتصوا ألوان طيفه ولم يعكسوا منها شيئا ..
   وناصر محمد عبدالله .. عليل الجسد و البدن ثانيا .. خلية للأمراض التي تتصارع داخله للقضاء عليه .. محنة مزمنة لم تجد تجاوبا إلا من بعض الأصدقاء ..
   و ناصر محمد عبدالله .. ما كاد يقيس مؤشر محتواه المالي في ظل خريطة الصرفيات التي ليس لها أول ولا آخر .. حتى فوجئ بنجله ينهار تحت وطأة الأمراض و الأوبئة التي تحيط بعدن إحاطة  المدافع جينتيلي  بالأرجنتيني مارادونا في كأس العالم 1982.. والتي كان ناصر محمد عبدالله شاهدا على ألاعيب الأزوري في ذلك المونديال ..
    إذا كان تلاميذ ناصر محمد عبدالله باقين على العيش و الملح .. و يشعرون أن في أعناقهم دينا لأستاذهم .. فجبر الخاطر برسالة مواساة أو اتصال يرفع روحه المعنوية .. أو زيارة خاطفة .. أقل واجب تقديرا لكاتب كان و لازال شاهدا و مساهما في صناعة الإعلام  الرياضي في الجنوب خاصة و اليمن عامة ..
    و يا أيها الزملاء البخلاء و المحوشين .. أستاذكم يرجوكم .. كلمة ولو جبر خاطر .. ولا سلام من بعيد .. وهذا أضعف الإيمان ..!