تقدمت للامتحان كمعِدّ ومقدّم برامج في قناة عدن الفضائية بعد إعلان القناة عن حاجتها لمذيعين
وبعد تخرجي بفترة قصيرة من قسم الصحافة والإعلام شعبة الإذاعة والتلفزيون (دفعة غزة)
٢٠١٠م
توفقت والحمد لله ومن ثم أعطيت لي استمارة تفيد بنجاحي في المقابلة وإحالتي لتقديم البرامج الثقافية
وكان برفقتي صديق مهتم بالشأن الثقافي والفني توفق هو أيضاً وظللنا نتردد على مقر القناة ليتم ترتيبنا ضمن الخارطة البرامجية المعدة ،أو الموافقة على تصور البرنامج الجديد الذي أعده كلانا على حدة
المهم ،صديقي يأس وترك فيما بقيت أنا على قيد المتابعة
ذات يوم طرقت باب مكتب مدير البرامج أو نائب المدير العام لا أتذكر بالضبط
حينها دخلت عليه وكان متقدما بالسن شعره يكسوه البياض ، وبحضرته حسناء بيضاء ممتلئة يتجاذب معها أطراف الحديث وقد سال لعابه كما هي عادة بعض المدراء .
أخبرته بشأن البرنامج فسألني من أين أنت؟ من أين تأتي ؟
وعندما أخبرته عن الوجهة التي أتيت منها وخصوصا منطقتي الصحراوية
حدق بي _ ساخرا متصنعا الظرافة_ والتفت إلى حسنائه وأخبرها بسخرية : شوفي هذا كل يوم يأتي إلى هنا من وسط الصحراء على ظهر جمل،
لم أخجل بالعكس ،أخذتني العزة بالصحراء وأبديت اعتزازي بها
وشرعت أحصي محاسنها..
ثم أمسكت نفسي على مضض وقلت لآخري الشخصي: ياولد ( إذا كان لك شيء عند الكلب فناده ياسيدي ) هذا ماكان من أمري ، أما الحسناء فلم يعجبها ماسمعت وتضامنت معي ، تمعّر وجهها ، لكنها لم تنبس ببنت شفة
مرت الأيام وعرفت أن ماصار مجرد غطاء لتمرير بعض أبناء من يعملون في القناة أوبمعنى أدق من يمتلكون وساطة في هذه القناة والباقين عليهم السلام
مرت الأعوام والتحقت بإحدى القنوات معدّا ومقدما لبرنامج وثائقي عن الحرب على عدن ٢٠١٥م
كنت والطاقم نصور بجانب أحد المستشفيات، فجاء المدير الذي سخرمني في وقت سابق ووقف غير بعيد منا ينظر إلي باستغراب وكأنه يحاول تذكر موقف ما مستعرضا شريط ذاكرته.
رأيته وعرفته وذهبت لأسلم عليه ودار بيننا الحوار التالي:
-انا : كيف حالك ياعم .....؟
-هو : وجهك ليس،بغريب علي
-أنا : (أنا صاحب الجمل)
-هو : - متلعثما - اااهاااا..أووه ..أأنت ابننا وو ... الخ.
-انا : خير ياعم ....،ماالذي تفعله هنا بجانب المشفى ،هل لديك مريض لا سمح الله؟
-هو: لا - وأشار بيده الى سيارة صغيرة بيضاء بخطين أصفرين بها لوحة كتب عليها ( تاكس) -
واستطرد في حديثه : شوف كيف ! من مدير عام الى سائق أجرة !
_فيما كان لسان حاله قبل منطقه يشي بتذلله وتندمه _
قلت له ألم يأخذوك معهم إلى الرياض ؟ – في إشارة إلى انتقال القناة إلى هناك _
أجابني: لا أخذوا الإصلاحيين، كانت وقتها الساعة الثانية عشرة ظهرا، ووقت التصوير قد شارف على الانتهاء أنهينا لقاءاتنا مع بعض عناصر الطاقم الطبي ومجموعة من المتطوعين ممن عايشوا الحرب وتحدثوا عن دورهم فيها ، وبعد انتهاء التصوير أخبرني صاحبي بأنه يريد أن نصور معه اعتذرت منه فوقت التصوير قد انتهى وقد استهلكنا معظم طاقتنا وآثرنا الخلود إلى الراحة في نهار حار كهذا ،ثم ..ثم ان صديقي الجمل بانتظاري والمسافة بعيدة كما تعرف !
فأجاب كردة فعل : انا لو تحدثت أمام الكاميرا سأتحدث مع الحوثيين لاضدهم وأبدى ابتسامة صفراء متصنعة
تحركت بنا السيارة وجسدي منطرح على المقعد من شدة التعب والإعياء ورأسي ملقى الى الخلف أفكر في أمر هذا الرجل وسألت نفسي ماذا لو كنت مكانه؟
لم أجب على آخري
وشعرت بقشعريرة تسري في أوصالي .
في وقت لاحق حكيت القصة لسائق باص
-فأجابني : الجمل آية من آيات الله
والله سبحانه وتعالى قرن ذكر الجمل في قرآنه الكريم مع أعظم الآيات وهي السماء والجبال والارض ،( أفلاينظرون إلى الإبل كيف خلقت @ وإلى السماء كيف رفعت @وإلى الجبال كيف نصبت @ وإلى الأرض كيف سطحت@ ..إلى آخر الآيات من سورة الغاشية)
وواصل كلامه يبدو أن ماجرى هو تأديب من الله لهذا الرجل حين استهزى بآية الله وهو الجمل، فبدل الله حاله من حال إلى حال
صمتنا برهة ثم التفت إلي
وقال مازحا مبتسما : حياك.. حياك ياصاحب الجمل
فأجبته انظر أمامك وإلا تحول باصك إلى جمل بلاسنام
وأطلقنا ضكحتين مجلجلتين شقتا صوت المحرك ،غادرتانا تتهاديان في الأفق رفقة العادم.
بسّام الحروري