النوم القهري مرض نادر يضعف الإنتاجيّة

Tuesday 06 April 2021 11:15 pm
النوم القهري مرض نادر يضعف الإنتاجيّة
----------
النوم القهري (أو نوبات النُّعاس)، مرض مزمن نادر يصيب الجهاز العصبي المركزي (أي الدماغ)، وقد يرافق المصاب به طيلة الحياة، ابتداءً من سنوات الطفولة، في حال عدم مداواته. يتسبّب المرض بالنوم المفاجئ، في أوقات غير مناسبة خلال النهار، الأمر الذي يضعف الإنتاجيّة، وقد يجعل المريض يعاني من الكآبة والتوتّر أو يواجه خطر حوادث المرور...
يصيب النوم القهري Narcolepsy من 20 إلى 200 شخص، وذلك من أصل كلّ 100 ألف شخص، ويطال الذكور والإناث بنسبةٍ متساويةٍ. وهو يظهر عادةً خلال الطفولة أو بداية سنوات المراهقة. وغالباً، لا تُشخّص الحالة المرضية في سنّ المراهقة بل لاحقاً حين يصبح المريض منتجاً ومسؤولاً عن القيام بالواجبات والأعمال أي في سنّ الـ25 حتّى الـ30.
لدغة ذبابة؟
يشرح رئيس قسم الأعصاب في "مستشفى أوتيل ديو دو فرانس" في بيروت البروفِسور حليم عبود، في مقابلة مع "سيدتي" أنّه "من المهمّ التمييز بين مرض النوم القهري، والأسباب الأخرى التي تؤدّي إلى الشعور بالنعاس الدائم، كداء المثقبيات الأفريقي البشري؛ تتسبّب لدغة ذبابة تسمّى "تسي تسي"، وتنتشر في أفريقيا بداء المثقبيات. ومن أعراضه: النوم العميق لساعات نهاريّة وليليّة متواصلة".
خلل هرموني
مسبّبات حالة النوم القهري مجهولة في المطلق، لكن يرجّح بعض الأطباء أن أحد مسبّبات الحالة هو مادة الـ "هيبوكريتين" Hypocritin الهرمونيّة المسؤولة عن ضبط الاستيقاظ، علماً أن المادة المذكورة تفرز في منطقة الـ"هيبوثالامس" (تحت المهاد) في المخّ، بصورة طبيعيّة. وثمّة مجموعة من العوامل المسؤولة عن عدم إنتاج المادة، ومنها: ضعف إفرازها خلال سنّ المراهقة جرّاء الضغوط النفسيّة والتهابات الدماغ أو جلطات الدماغ أو حتّى الوراثة.
إلى الـ "هيبوكريتين"، ثمّة مادة كيميائيّة أخرى يفرزها الجسم، وتحفّز على اليقظة، وهي الـ "أوركسين" Orexin؛ وفي حالة النوم القهري، هناك أيضاً خلل في إنتاجها جرّاء العوامل نفسها التي تؤدّي إلى خلل في إفراز الجسم الـ "هيبوكريتين".
المشكلات النفسيّة في سنّ المراهقة، بدورها، تقع تحت خانة مسبّبات النوم القهري. ولكن، قد يحدث الأخير عند شخص متوازن النفسيّة، وبالتالي ستقود الإصابة بالنوم القهري إلى الكآبة والتوتر والخوف نتيجة عدم قدرة المريض على تنظيم النوم.
شلل الجسم
أعراض النوم القهري كثيرة، تترأسّها نوبات النعاس المفاجئة خلال النهار، أثناء العمل (أو الدراسة) أو قيادة السيّارة أو القيام بأي مهمّة يوميّة... مهما نام المصاب بالمرض لساعات كافية في الليل. ويندرج تحت خانة الأعراض أيضاً، ما يُسمّى بـ"الهلوسة قبل النوم" أي الكلام غير المفهوم الذي يقوله المريض بنبرة صوت منخفضة، نتيجة شدّة الحاجة إلى النوم ومقاومة هذه الحاجة. ولكن، سرعان ما تضعف مقاومة المريض، فيذهب في نوم عميق.
إشارة إلى أنّ حدوث أعراض النوم القهري، والتي تدفع بالمريض إلى الذهاب إلى النوم، تدخله مباشرةً مرحلة الأحلام. وهذه المعلومة، عندما يوردها المريض للطبيب، تساعده في تشخيص الحالة. إضافة إلى ما تقدّم، قد يقوم المريض في بعض الأحيان، بتصرّفات لا إرادية لأنه يكون في حالة من انتفاء الوعي، وسرعان ما ينسى التصرّفات بعد الاستيقاظ.
من ناحية أخرى، يمكن حدوث ما يُسمّى بالشلل الجزئي، أثناء اليقظة، أي يعاني المريض من الصعوبة في تحريك أعضاء جسمه، كالركبة أو العنق أو الذراعين أو اليدين أو الفكّ، فينتابه الخوف من الإصابة بالشلل. وهناك ما يُسمّى بشلل النوم، وهو عدم القدرة على تحريك الجسم أو أحد أعضائه عند بداية النوم أو عند الاستيقاظ. يشرح د. عبود عن العارض المذكور (شلل الجسم عند النوم أوالاستيقاظ)، قائلاً إنّه "يرجع إلى الخلل بين وعي الدماغ ووعي العضلات، ما يعني أن الدماغ يصحو للحظات قبل تحرّك العضلات، الأمر الذي يجعل المصاب يستيقظ،
ويشعر كأنه مشلول الجسم، ويولّد خوفاً شديداً لديه. لكن تعود الأمور إلى طبيعتها بعد انقضاء بعض الوقت".
تنتج عن أعراض النوم القهري (شلل الجسم عند النوم والعجز عن الحركة والكلام عند الاستيقاظ والأحلام) مشكلات في الذاكرة والصداع والاكتئاب وانعزال المريض، وبالطبع ضعف الإنتاجيّة. وقد تودي الأعراض بالمريض إلى حادث مروري، إذا كان يقود السيّارة!
"الغفوة الاستراتيجيّة"
تحمل مجموعة من العقاقير المنبّهة، التي تحفّز متعاطيها على الوعي، علاج المرض. أمّا إذا كانت مسبّبات الأخير نفسيّة، فإن المريض يوجّه إلى قصد عيادة الاختصاصي النفسي، فالعلاج السلوكي مساعد أيضاً في إطار المداواة، وهو يقوم عادةً على دفع المريض إلى الانتظام في مواعيد النوم والاستيقاظ، والحركة أثناء النهار، والمداومة على أداء الرياضة، وتمرينات التأمل.
"الغفوات الاستراتيجية"، بدورها فعّالة في العلاج، وفي هذا الإطار، يُطلب إلى المريض القيام بغفوة قصيرة عندما يشعر بالنعاس الشديد، ما يجعله يستريح لدقائق، ثمّ يعاود العمل.