كلمات من القلب:

رحيل الجنرال

Sunday 16 May 2021 1:51 pm
رحيل الجنرال
يمني سبورت:
----------
لقاءين او ثلاثة سبقا اتصال مفاجئ من رقم غير معروف، واسمع صوت يقول:" الو .. الف مبروك يا كابتن والله فرحت لك من قلبي".
الله يبارك فيك .. من معي؟
معك الكابتن سامي نعاش.
اهلا وسهلا يا جنرال المدربين، الله يبارك فيك وشكرا على اتصالك الله يحفظك.
كانت هذه المكالمة بداية لعلاقة اخوية صادقة لي مع جنرال المدربين، عايشت فيها صراعات ومواقف مر بها الجنرال سامي نعاش وهو يحارب في الملعب وخارجه، يحارب في الملعب مع المنتخبات الوطنية المختلفة، ناشئين، شباب، اولمبي والمنتخب الوطني او مع الاندية المختلفة التلال، اتحاد اب، هلال الحديدة وحتى اهلي تعز - تلك التجربة القصيرة التي خاضها بدون اجر كواجب وطني في ظروف صعبه وتقديرا لطلب شخصي مني.
عرفت مدربين او ثلاثة لا يخافون اللعب امام اي فريق مهما كان، لكني لم اعرف اشجع من الكابتن سامي وهو يقدم على تدريب اي فريق مهما تواضعت امكاناته ام اي فريق اخر مهما تعالت قدراته وامكاناته، حتى ولو كان موعد قبوله للمهمة يسبق المباراة بساعات معدودة. كنت اراه واقفا يقرأ المباراة ويوجه اللاعبين ويحول المباراة التي يخوضها بفريق متواضع الى ملحمة صعبة على الفرق الكبرى والمتغطرسة.
الجنرال لا يعرف الخوف .. ظل هذا الانطباع قائما في مواقف مختلفة وحتى اخر مكالمة دارت بيني وبينه وهو يعاني من وعكه صحية عندما كان في معسكر اعداد المنتخب في محافظة شبوة، عندما اتصل بي ليبلغني انه شخصت حالته بانه مصاب بالكورونا.
يومها دار حوار طويل بيننا، الثابت فيه هو انني احاول الشد من ازره وطمأنته وهو يؤكد لي انه لا يخاف من المرض واسوأ تداعياته، بس التعب شديد.
هكذا كان نص اخر رسالة له من شبوة " انا لا اخاف بس التعب شديد". 
اما اخر تسجيل صوتي سمعته للجنرال سامي رحمه الله، ارسله لي وهو وحيدا في فندق بعدن، استطعت ان اميز منه بعض الكلمات فيما بقية التسجيل كان صوت مؤلم ومحزن للجنرال وهو يعاني من صعوبة في التنفس وسعال حاد.
بعدها عرفت من صهره عبدالكريم الشرجبي انه نقل الى الحجر الصحي وانه تم اعطائه الاكسجين .. حاولت ان اطلب التحدث اليه ولكن تعذر ذلك لان التلفونات ممنوعه في الحجر الصحي .. كنت اعلل النفس بانه سوف يتماثل للشفاء، وبانها ماهي الا مرحلة من مراحل التعب الشديد التي مربها الجنرال طوال حياته ..
ليلة عيد الفطر، وللحظات محدودة شعرت فيها ان العيد عيدين وانا اسمع رنة هاتفي وارى الرقم المتصل سامي نعاش، واذا بالمتصل حسن ابن الكابتن سامي نعاش .. سألته عن حالة والده، وقال لي انه تعبان لكنه يتحسن.
كلما كان يطول زمن فترة الحجر الصحي، كلما كان يتعمق لدى الاحساس بانني قد لا اسمع صوت الجنرال مرة اخرى. وبعد العيد احسست ان ربنا سوف يصطفي الكابتن ويجنبه المزيد من التعب الشديد.
رحم الله الجنرال سامي نعاش، الذي لخص حياته التدريبية في اخر عمره "انا مش خائف بس التعب شديد". 
نعم والله اني اشهد انه في مسيرته التدريبية لم يخف من اي منافس، لكنه عانى وظل يعاني، ليس من منافسيه في الميدان، بل من اشخاص محسوبين انهم في صفه، من اداريين من المفترض ان يكونوا معه ويسهلوا عمله، لكنهم اختاروا ان يتأمروا عليه ويعرقلوا كل برامجه وخططه التي قدمها لمحاولة تحسين مستوى ونتائج المنتخبات المختلفة التي دربها .. لقد عانى الجنرال من وعود قطعت ولم تنفذ، ومن صدور ضربت له تعهدا بدعمه وانجاح مهامه وهو يقبل مواجهة اشد المنافسات ثم تخلت عنه وتأمرت عليه.
عانى الجنرال من اناس حسبوا في صفه، وهم اكثر من حقد عليه وتآمر ضده .. في اخر مكالماتي مع جنرال المدربين، حرص رحمة الله عليه ان يبلغني ان س من الناس قد تصالح معه وعاد للحق والانصاف .. سلام الله عليك يا سامي حسن صالح النعاش وانت تحرص في اخر ايامك على ان تصفح عن من تأمر عليك طويلا وتطوى صفحة الخلاف وتبلغ زملائك ان صفحة الخلاف مع (س) قد طويت بينكم.
سلام الله عليك وانت ترحل عن هذه الدنيا وانت تصارع اقوى وباء في العصر الحديث وباء الكورونا ووباء التجاهل وخذلان من كان المفترض ان يكونوا في صفك وانت تعمل على رفع اسم اليمن عاليا وتشريفنا وتشريفهم. 
لقد استشهد الجنرال، ولا اجد قلمي قادرا على مسايرة مشاعري وافكاري وتجاربي معه في محطات كثيرة اتذكر منها (فوز منتخبنا للناشئين على قطر بالخمسة في 2006م بالدوحة وفوز منتخبنا للناشئين على اليابان 1-2 في نهائيات اسيا 2008م في طشقند .. ولا ازال اذكر لقاء جعنا انا والجنرال بالأخوين سالم صالح عبدالحق وجمال الخوربي قبل خليجي 19 في مسقط عندما استقلت من الاتحاد بسبب الطريقة التي تم بها الاستغناء عن جوزية دي موريس مدربنا حينها - مدرب الهلال السعودي حاليا- وعودة محسن صالح لتدريب المنتخب، يومها قلت للجميع وانا اوجه كلامي للجنرال سامي النعاش، سوف ينهزم محسن صالح بالثلاثة من الامارات ويخسر بالخمسة من السعودية وتتم اقالته، وسوف يعرض تدريب المنتخب على (س) و (ص) من المدربين وهؤلاء سوف يعتذرون وسيعرض عليك تدريب المنتخب وكالعادة سوف تقبل التحدي، ونصيحتي لك ان تتابع مباراتي منتخب قطر التي تسبق اللقاء الاخير لمنتخبنا لأنك ستكون حينها مدرب المنتخب اليمني .. يومها هز الجنرال راسه بدون ان يقول اي كلمه.
سافر الوفد اليمني الى خليجي 19 بمسقط، وهزمنا بالثلاثة من الامارات و بالسته من السعودية واقيل محسن صالح وسار السيناريو كما توقعته سابقا .. واذا بالأخ سالم صالح عبدالحق يتصل بي من مسقط ويقول كل توقعاتك طلعت صح والان هذا صاحبك تكلم معه على شان المباراة الاخيرة نخرج بماء الوجه .. يومها قال الجنرال الوضع صعب لكن لا تقلق با اعمل جهدي واقلها با انكد عليهم. انتهت المباراة الأخيرة بفوز قطر 1-2 بعد طرد لاعبين من منتخبنا، سجلت قطر هدف الفوز في الوقت الاضافي او ما يعرف في عالم كرة القدم باسم " فيرجي تايم Fergie Time" .
عايشت مع جنرال المدربين لحظات من الفوز والفخر والفرح ولحظات من الانكسار .. وفي كل الحالات كنت اتواصل مع الجنرال باي شكل فقد كانت لدى الجنرال دائما افكار وخطط للمعالجة وللتحسين وللتطوير .. ولان الجنرال لم يكن يخاف لكن التعب كان شديد فقد كان هنالك دائما من يخرب عليه خطط المعالجة والتحسين والتطوير، كان (بروتس) يتعذر دائما ما فيش فلوس .. لكن دوافع الحقد على الجنرال ونجاحاته كانت جلية ولا تخفى على اي متابع. 
ختاما اوجه رسالة لمن جعلوا مسيرة الجنرال التدريبية تعب شديد، اقول لهم لقد نجحتم في ان تظهروا لنا ان معدن الكابتن سامي نعاش صلب وانه ظل يقبل التحديات ويتجاوز الصعاب ويلقنكم الدرس تلو الدرس، انه اكبر من مؤامراتكم وهو اليوم يترجل عن فرسه وحتى وهو يسبقكم للموت يثب انه اكبر من صراعاتكم على هذه الدنيا الفانية ويترككم لإكمال مشاريعكم في تحويل حياة الناس الى مرحلة تعب شديد وليس امامكم الا الاستمرار فيما انتم فيه من التيه او ان تعودوا الى رشدكم، اما هو فقد سبقكم الى من يجتمع عنده الخصوم، يوم لا يظلم احد.
رحم الله الكابتن سامي حسن صالح الهادي النعاش وغفر له.
كلمات من القلب كتبها : حسام السنباني