مساجد عدن "مسجد العثماني":

Monday 25 April 2022 3:52 pm
مساجد عدن "مسجد العثماني":
----------
بحثا عما تبقى من موروث ديني في مدينة عرفت الإسلام مبكرا واعتنقه عن حب ورضاً وقناعة، قادتني الخطوات لمقبرة تلفحها الشمس والسير فيها كما لو أنك تعيش في زمن أقدم من زماننا، كانت وجهتي لمنتصف المقبرة حيث يقبع مسجد قديم ومتواضع البناء، هي نفس الوجهة لثلاثة رجال يجرّون من مدخل المقبرة خزان ماء يستخدمونه لتغذية المسجد باحتياجات المصلين من ماء الوضوء.
 
بمجرد الوصول ينتابك شعور بأن الزمن عاد بك إلى الوراء، فكل شيء من حولك يدل على ذلك، فالمسجد محاط بعدد من الكبار في السن بلبسهم التقليدي وملامحهم الطيبة، برج من الطين قد تهدمت أجزاء كثيرة منه، ومبنى مستطيل الشكل مزخرف بنهاياته، وبزوائد تشبه المنارات على أركانه، تقع منارة ذات طابقين بزاويته الغربية الجنوبية.
 
رُحّب بي وبزميلي حين عرف القائمون على المسجد أننا جئنا لتصويره بغرض التعريف به، قابلنا أحد الرجال الطيبين وبدأ يشرح لنا عن المسجد ويعرفنا بما تبقى به من زوايا تستحق الحفاظ، وبكل حسرة أخبرنا أيضا عما تعرّض له المسجد من إهمال، وللتعدي الذي طال ضريح الشيخ عثمان الذي سمي المسجد باسمه، بل ومنطقة الشيخ عثمان بأكملها.
 
وحين نفذت ما لديه من معلومات عرّفنا على رجل آخر وهو بدوره أكمل لنا الشرح وعرّفنا على بقية المسجد، من حديثي القصير بهذين الرجلين شعرت بسعادة، فلديهما وعي كبير بأهمية هذا المسجد التاريخية والدينية، ووعي بأهمية الحفاظ عليه وترميمه، بل هما من قاما بالحفاظ على بعض القطع وقاما بإخفائها بعيدا عن عبث العابثين والمستهترين.
 
ومما شرح لي اكتشفت أن المسجد كان المجمع يتكون من أربعة أقسام قديمة وهي:
 
1-     ضريح الشيخ عثمان بن محمد الوكعي الربيزي الأسدي الأسودي ابن الحكم ابن الذيباجي ابن عمر ابن ابوبكر المشهور ببر عدن، يقال إن قبره كان مزارا من قبل قدوم الاستعمار البريطاني. كانت تعتلي الضريح عدد من القباب الصغيرة وقبة كبيرة، لكنها دمّرت من قبل متشددين ولم يتبقى سوى ركام الضريح.
 
2-     المسجد وصحن المسجد وهو باق حتى الآن لكنه يعاني من إهمال شديد وبحاجة لترميم يحفظ ماتبقى من ارث ديني لهذه المدينة التي فقدت معظم مساجدها القديمة بحجة التجديد.
 
3-     بئر قديمة طمرت، ولكن بسبب ازمة المياه الحادة التي عانى منها المسجد تم فتحها مجددا، يقول القائمون على المسجد أن هذه البئر كانت تأتيها القوافل قديمة للتزود بالماء، وكذلك الورادون كانوا يعبئون منها الماء ويزودون عدن القديمة.
 
4-     برجين من دورين من اللبن استخدما كجمرك للبان حيث يتم جمركة القوافل الخارجة إلى لحج وتعز وغيرهما، لم يتبقى من البرجين سوى بقايا مهدومة.
 
يروي القائمين أن المسجد يعود تاريخ تأسيسه لأكثر من مائتي سنة، ولكن تم تجديد بناءه في شهر محرم سنة 1284 هجرية الموافق 1867 ميلادية، بدعم من السلطان محمد بن محسن فضل العبدلي، على يد الصانع عوض سبيت باطرفي، كتبت هذه المعلومات على قطعة أرابيسك مزخرفة بزخارف إسلامية ونباتية تقع شمال المحراب.
 
استطاع أحد القائمين أن يحتفظ بلوح خشبي نحت عليه اسم الشيخ عثمان، ولا زال محفوظا في المسجد.
 
"ويؤكد الرحالة الإنجليزي هنري سلت الذي زار المدينة في عام 1809 م، وهو في طريقة إلى لحج يشير أن هناك كانت لا تزال غابة كثيرة الأشجار بجانب القرية وقبة الولي، وتمتد المساحات الخضراء إلى عشرات الكيلومترات تشكل مرعى رئيسي للأغنام والجمال التي كانت تشاهد في كل أنحاء الغابة".
 
وحين اشترى الانجليز الأراضي الممتدة من خورمكسر إلى وراء بستان الكمسري، بدأوا بتأسيس البدايات الأولى للمدينة، وأطلقوا عليها اسم الشيخ عثمان الذي كان حينها ضريحه مزارا دينيا.
 
 
 
شهدت عدن منذ التسعينات حملة شعواء قادتها مجموعة هائل سعيد أنعم وبمباركة من أوقاف عدن، أدت لتدمير معظم المساجد القديمة التي تشهد على قدم وأصالة التراث الديني لعدن، يبدو أن مسجد العثماني نجى نظرا لبعده عن الأنظار، كونه من المساجد القليلة القديمة التي لا زالت تصارع الإهمال، هل سيجد آذانا صاغية تسمع أنينه، وتلبي احتياجاته في الترميم العاجل والمراعي لمكانته التاريخية والدينية؟