الطب يشخّص الأمراض النفسية من رائحة الجسم

Monday 30 November -1 12:00 am
الطب يشخّص الأمراض النفسية من رائحة الجسم
----------

يبدو المجرم في رواية العطر، للألماني باتريك زوزكند، مسحورًا برائحة النساء، فيلاحقهن بأنفه المرهف، كي يستخلص عطر أجسادهن بعد قتلهن. ورغم أنفه، الذي يؤهّله لشم عطر النساء من مسافة ألف متر، إلا أن جان باتيست جرونوي لم يتمكن من التفريق بين العطور التي تنبعث منهن بالعلاقة مع مشاعرهن، لأنه كان يقتل أيضًا من دون مشاعر.

العلماء النفسيون الألمان، من جامعة دسلدورف، يفرّقون اليوم بين مختلف المشاعر البشرية، عن طريق التعرف إلى الرائحة التي تنطلق من أجسادهم مع العرق. ويقول العلماء من دسلدورف إن الروائح التي تنطلق مع عرق الجسد عند ممارسة الرياضة تختلف كثيرًا عن الروائح التي تنطلق مع العرق عن الخوف أو التوتر النفسي، وإن مثل هذا التشخيص يفتح أبوابًا جديدة أمام معالجة الكثير من الأمراض النفسية.

إستخدم الباحث النفسي ماتياس هونين وفريق عمله متطوعين من طلاب جامعة دسلدورف لإجراء التجارب عليهم. كما أشرفت مجموعة من الباحثين على التجارب من دون أن يبلغوا الطلاب الغرض من وراء هذه الفحوصات. وعرف الطلاب فقط أن التجارب تجري في إطار دعاية إعلانية لشركة لإنتاج المواد التجميلية.

كان على الطلاب، في مختلف المواقف العاطفية، أن يضعوا قطعة قطن طبي، تشبه أعواد تنظيف الأذن، تحت إباطهم بهدف جمع العرق. وحرص الباحثون في الوقت نفسه على تخطيط أدمغتهم، بهدف التعرف إلى انفعالاتهم، وهم يشاهدون مختلف الأفلام، وكل ذلك بالعلاقة مع العرق الذي ينضح عن البشرة.
 
جهاز تقصي الروائح
كان الهدف الأساس للدراسة هو التفريق بين الروائح التي تنطلق من الجسم عند التوتر وعند ممارسة الرياضة الاعتيادية. لكن التجربة أتاحت إمكان التفريق بين الروائح التي تنطلق من الجسم في مختلف المواقف النفسية والعاطفية. لهذا وقع على الطلاب أولًا إجراء التجربة، وهم يعملون على الدراجة الثابتة، بهدف جمع عرق الإبط، الذي يفرزه الجسم عند ممارسة الرياضة.

بعد ذلك، كان على الطلبة مشاهدة مختلف المشاهد المثيرة للخوف والتوتر والاشمئزاز، بينما يسجل جهاز التخطيط مشاعرهم. وكمثل، صار على الطالب أن يشاهد فيلمًا عن شخص يعدّ السلطة بالسكين ويخطئ ويقطع إصبعه. وهكذا كان العرق الذي يتصبّب من جسمه على علاقة بحالة التوتر التي عاشها.

واستخدم ماتياس هونين جهاز تقصي الروائح (الأولفكاتوميتر) للتفريق بين الروائح التي تم جمعها في الأعواد القطنية. وكانت رائحة الخوف والتوتر تختلف كثيرًا عن رائحة العرق الناجم من التعرق أثناء الرياضة. كذلك كانت تخطيطات أدمغتهم التي انطبقت مع نوع الرائحة التي انطلقت من إبطهم عند الرياضة أو عند رؤية المشاهد البشعة.

كما وضعت شاشة كومبيوتر تحت تصرف كل متطوع، وكان عليه أن يختار من الشاشة، بوساطة الفأرة، قدر التوتر والقلق والخوف، الذي أثارته المشاهد المتلفزة فيه. ومن جديد، انطبقت تقديرات المتطوع كل مرة مع نوع الرائحة التي تم جمعها من تحت إبطه.
 
تنتقل إلى القريبين
يقول الباحثون من "معهد الدراسات النفسية" في جامعة دسلدورف إن التعرق، والرائحة التي تنطلق منه، يعملان بمثابة إنذار أولي للدماغ، ترفع حالة التأهب لدى الإنسان وتكشف عن توتر الحالة التي يمر بها. ويمكن لرائحة التوتر أن تنتقل من إنسان إلى آخر عند حصول الحوادث، وربما هذا هو أحد أسباب حصول حالات الذعر الجماعية التي تؤدي إلى الكوارث.

من نتائج التجارب أن رائحة العرق الناجمة من الجهد (الرياضة) لا تختلف من ناحية القوة عن رائحة العرق الناجم من التوتر، إلا أن الرائحتين تختلفان نوعيًا بالنسبة إلى الأنف الإلكتروني (الأولفكاتوميتر).

يبدو ماتياس هونين وزملاؤه على ثقة من أن جسم الإنسان ينضح بالعرق كل مرة برائحة مختلفة، بحسب الحالة النفسية العصبية التي تعتريه، وسيركزون في تجاربهم المقبلة على التفريق بين رائحة العرق الناجم من التوتر والرائحة الناجمة من الخجل وغيره. ويمكن على هذا الأساس التفريق مستقبلًا بين مختلف الحالات النفسية، ومن ثم معالجة كل حالة على حدة، بحسب الرائحة التي تنطلق منها.

قد تثبت هذه النتائج صحة التفسيرات، التي تقول إن الكلاب تتفاعل مع الرائحة التي تنطلق من جسم الإنسان، وإن هذا هو سر مهاجمة الكلب لهذا الشخص دون غيره. مع ملاحظة أن العلم يعتقد بأن العرق بلا رائحة، إلا أنه يكتسب رائحته لاحقًا بفعل البكتيريا التي تعيش على البشرة.
 
المكتئبون لا يشمون جيدًا
تعتبر إشارات حاسة الشم صاحبة أقصر الطرق وصولًا إلى الدماغ من بين بقية الحواس الأخرى. فكل الإيعازات الحسية الأخرى تذهب إلى الهايبوثالاماس، من أجل فرزها وترشيحها، قبل أن تصل إلى المراكز الدماغية المطلوبة في القشرة. فإشارات الشم تنتقل مباشرة من فص الشم إلى القشرة الدماغية. كما يجري في عملية إدراك الشم إشراك المركز الخاص بالعواطف والذاكرة، وهو ما يفسر العلاقة الواضحة لشم الأشياء بالذاكرة والعواطف المختلفة.

لكنّ المكتئبين لا يشمون جيدًا، بحسب دراسة ألمانية من جامعة كيل (شمال). إذ قال علماء "كيل" إنه يمكن الاستفادة من الآن فصاعدًا من خاصية جديدة تعين الأطباء والأهل على الكشف عن حالات "الكآبة الصامتة" أو غير الظاهرة التي تصيب الأفراد. وهذا لأن أنوف الناس الذين يعانون من حالات الاكتئاب لا تعينهم كثيرًا على كشف الروائح، مقارنة بالناس الأصحاء، وهذا ما يحاول الأطباء الألمان استثماره في التشخيص بعدما اكتشفوا هذه الحالة.

كان الباحثون من كيل (شمال ألمانيا) توصلوا إلى أن الروائح لا تصعد بشكل طبيعي من أنوف المكتئبين إلى أدمغتهم؛ إذ كشفت الدراسات على الفئران المختبرية أن تحطيم فصوص الشم العصبية في أنوفهم جعل الفئران أكثر إنطوائية وكآبة من غيرها. أجرى الباحثون تجربتهم الأخيرة على 31 مريضًا يعانون كآبة شديدة، وقارنوا النتائج بأفراد مجموعة من المتطوعين الأصحاء، عددهم 26 شخصًا.