كان الشمالي حتى - المواطن - البسيط. يشعر بالزهو والخيلاء لدى دخوله أرض الجنوب.
وظل على هذا الحال من التبختر ظناً منه إنه القبيلي الشجاع الذي إنتصر على كل أهل هذه الأرض وإنه يدوس كبيراً وصغيرا بشجاعته الفذة وفروسيته التي لا يشق لها غبار. حتى وإن لم يشارك في الحرب حتى وإن لم يكن قبيلي.
وينظر شزراً إلى العامة والخاصة فكل أهل هذا الجنوب يخافون منه ويتجنبون شره. فهو مقدام وهم جميعاً جبناء. لايستطيع أياً كان أن يكسر شوكته.
ويعتقد للحظات إن النظرات كلها عليه إعجاباً بطاغوته الذي لا يُقهر
ولم يعد يهتم لوصمه بلقب دحباش بل صار وساماً. ويجاهر بالعلانية
( إن نكن دحابشة فأنتم قراطلة ).
وعليه صارت الوحدة في نفسيته الكامنة ذات قدسية عالية يتباهى بها.
فهي التي تعدل إنكسارات دواخلهـ من الوقوف الذليل أمام الشيخ القبلي الذي يزجره في ( طينه ) ويذله على عتباته ويطارده كشيطان أهوج عبر القرى والوهاد والبراري
تهشمت فيه كل معاني الرجولة.
وأصبح الجنوب متنفسه الفحولي تعبر عنها جنبيته السحيقة الضاربة التي يمارس فيه عبثه الدفين
فيهلع منه كل الناس الجنوبيين ويخفضون له جناح الذل.
لقد أحب الوحدة حتى وإن لم يجنِ منها شيئاً. سوى لحظات قليلة نادرة يطوفها في شوارع عدن يخرجُ فيها هنيهة من لحظات الإنكسار .
تشعره بالجبروت الذي يفتقده عندما يعود إلى شمالٍ همجي قاسٍ يمتهنه .. يشق نفسيته الوضيعة ويكتم أنفاسه اللاهثة .
لحظات قليلة في عدن ولكنها تستحق ( الوحدة أو الموت )