مساء اليوم ذهبت لمشاهدة فلم ( عشرة أيام قبل الزفة ) للمخرج المبدع عمرو جمال في قاعة الف ليلة وليلة في الشيخ عثمان بعدن ، ساعتان من الزمن عشنا فيها جوا لم نعشه منذ ثلاث سنوات بفعل الحرب اللعينة وما سببته من خراب ودمار في النفوس قبل المباني والعمران.
قبل مشاهدتي للفلم توقعت أن يكون مبدعا جميلا كسائر أعمال عمرو جمال الفنية والأدبية ، لكن الجمال والابداع في الفلم كان يفوق الوصف ويفوق تصوراتي المسبقة عنه ، توزعت لحظات الضحك ولحظات البكاء في الفيلم ، وسط تفاعل من الجمهور بكل وجدانهم ، كان من حولي يضحكون في بعض المشاهد حد القهقهة ثم تأتي مشاهد فتمسح الأكف الدمعات ، وزاد من جمال الفلم المؤثر ايما تاثير أنه تمت تأديته بلهجة عدنية خالصة لا يتقن الحديث بها كثير من الطارئين على هذه المدينة لكنهم يتقنون سمعها وفهمها .
ناقش الفلم مشاكل يعيشها المجتمع يوميا ، الخراب الذي خلفته الحرب وتشرد كثير من السكان بسبب دمار مساكنهم ، أزمة السكن ، تكاليف الزواج ، وعرج عرجا خفيفا على كل ما يمكن أن يصادفه المدني في عدن من مظاهر بعد الحرب .
ساعتان من الزمن أحسسنا فيها أن عدن عاد اليها شيئاً من ألقها الذي افتقدته في سنوات عجاف ، وبأدوات مدنية تحاول ان تعيد الحياة الى هذه المدينة المتعبة .
كان اكتظاظ القاعة بالحضور دليل على ان الناس تريد الحياة وتتوق اليها وتبحث عن منفذ للضوء يخرجها من العتمة الكالحة التي تعيشها ، وكان تفاعل الجمهور مع أحداث الفلم وفقراته دليل على ان الناس رأوا فيه أحداثا يعيشونها وتلخيصا لواقع يرونه امامهم ، وكان الأداء المتقن في الفلم دليل على أن عدن واعدة بالكثير وفيها من الممثلين الشباب من يستطيعون ان يعيدوا الحياة والألق الى هذه المدينة مهما تكالب عليها الزمان .
مخرج هذا الفلم هو الشاب المبدع المتألق عمرو جمال ، تنبأت لهذا الشاب بمستقبل باهر حين قرات له عملا مسرحيا قبل أربعة عشر عاما ، كان هذا العمل بعنوان : ( الطابور السادس ) وفاز حينها بجائزة رئيس الجمهورية للشباب في النص المسرحي ، ولاحقا تابعت له عديد أعمال ومسرحيات تؤكد أن هذا الشاب ثروة من ثروات هذه المدينة الحالمة ، يحب عمرو جمال عدن وتحبه ، ولربما لو كان خارج هذا البلد الذي تحيط به التعاسة من كل مكان لكان وضعه أفضل ولن يعدم داعمين لاعماله الابداعية ، لكنه يحب مدينته وأهل مدينته ويسعده أن يرى الرضا والبسمة على وجوه جمهوره وهم يغادرون القاعة بعد انتهاء العرض .
#قبل_الزفة فلم أعاد لمدينة عدن شيئا من الحياة وشيئا من الالق الذي افتقدته جراء نوبات الدهر المتلاحقة ، هو شعلة من الأمل وسط ركام اليأس ، وقبسا من النور وسط ظلام حالك ، وواحة للابداع وسط صحراء قاحلة لا يتوقع أكبر المتفاءلون ان يجد فيها ما يروي ظمأه .
#قبل_الزفة عمل فني يؤكد أن الأدوات المدنية تستطيع أن تفعل الكثير وتستطيع أن تبني ولو جزءا يسيرا مما تهدمه أشد الآلات فتكا .
#قبل_الزفة حضور جماهيري كبير فيه دلالة واضحة على تشبث الناس بالحياة في مدينة تفجع باستمرار بجديد الموت ، وعلى رغبتهم الشديدة في الانعتاق من هذا الواقع الأليم الذي يعيشوه ، رغبة ربما لا يستطيع قراءتها الاقليم والعالم أو ربما يتجاهلونها عمدا .
#قبل_الزفة فلم مؤثر أعاد للناس الشعور باحساسها المرهف بعد أن تبلد هذا الاحساس جراء الاهوال التي عاشوها خلال اعوام خلت .
لا أريد أن أشرح أحداث الفلم حتى لا أحرق أحداثه لمن لم يشاهده بعد ، لكني أدعو بصدق كل من لم يشاهد العمل الى مشاهدته ، واتمنى على رؤوس المال التي تصرف الكثير على اعمال غير ذات جدوى ان تتبنى الاعمال القادمة لعمرو جمال وطاقمه ، لعل هذا الواقع المرير الذي نعيشه يتغير من بوابة الفن بعد أن عجزت امكانيات دول مجتمعة في تغييره .
لعمرو جمال وفريقه ترفع القبعات اجلالا واحتراما على هذا المجهود الذي أعاد الحياة لمدينة عدن من باب الابداع والفن .
تهانينا لعمرو جمال وكافة أفراد فريقه الفني ، ونشد على أيديكم .