قد يكون الصدام الأشهر والأطول، الذي كان طرفاه مدرب ولاعب، لكن المعادلة لم تكن متوازنة، بين جوزيه مورينيو الذي كان يمسك بخيوط اللعبة في ريال مدريد، وإيكر كاسياس الحارس الأسطوري للفريق الملكي ومنتخب إسبانيا.
في هذه الحلقة الجديدة من سلسلة (هجمة مرتدة) نستعرض تفاصيل الحكاية من البداية..للنهاية.
اتصال مع الأعداء
اشتعل السوبر الإسباني بأحداث لا تنسى، ولعل أبرزها ذلك الإصبع الذي وضعه مدرب ريال مدريد جوزيه مورينيو في عين مدرب برشلونة الراحل تيتو فيلانوفا، تلك الأحداث التي أعقبت حصاد برشلونة للقب السوبر الإسباني في 2011، بعد مباراة نارية حسمها البارسا 3-2 بهدف ميسي في الدقيقة 88، بعد أن تعادل الفريقين على أرض البرنابيو.
هذا السلوك لم يعجب قائد الفريق كاسياس، الذي بادر للتواصل هاتفيا مع زميله في المنتخب الإسباني ونجم برشلونة تشافي، وعبر خلاله عن سخطه بسبب تصرف مدربه، لكن تشافي قام بتهدئته وقال إن كلا الفريقين يحتاجان إلى التفكير في الطريقة التي يتصرفان بها.
تسريب المكالمة من طرف صحيفة ماركا أصاب مورينيو بالصدمة وجعله يشعر بالخيانة من قائد الفريق الملكي.
جاسوس مدريد
لم تكن هذه الرواية الوحيدة التي تسببت في توتر العلاقة بين النجم ومدربه، بل سبقتها بعام قصة أخرى، حيث وجه مورينيو أصابع الاتهام إلى كاسياس، بتسريب تشكيلة الفريق قبل الكلاسيكو في 2010، وخطة إيقاف ميسي من خلال المدافع بيبي إلى صديقته الصحفية سارة كاربونيرو، خاصة بعد نشر تفاصيل الخطة بحذافيرها في صحيفة "ماركا" عشية المباراة، التي كانت نتيجتها مهينة للملكي بخماسية نظيفة، فجاءت حادثة الاتصال بتشافي لتهدم المعبد على رأس (القديس).
تنفيذ خطة الانتقام
خلال الإعلان عن التشكيل الأساسي لمواجهة ريال مدريد مع إسبانيول على ملعب كورنيلا، صفق الجمهور القليل الذي رافق الريال إلى برشلونة لأسطورتهم كاسياس عند الإعلان عن جلوسه احتياطيا، ومع دخول اللاعبين للملعب، بدأ الجمهور بإطلاق الصافرات تجاه مورينيو، وجلس حارس إسبانيا الأول الذي رفع النسخة الوحيدة من كأس العالم، وحامل لقب دوري الأبطال مرتين، على دكة البدلاء للمرة الأولى منذ 10 سنوات، لمصلحة حارس المرمى أنطونيو أدان.
كلمات كاسياس الأولى
رد فعل كاسياس كان احترافيا، حيث قال في تصريحات بعد المباراة:
"يقرر المدرب الفريق الذي يعتقد أنه الأفضل لكل مباراة وعليك تقبل القرار".
مورينيو أجاب على سؤال حول إبعاد كاسياس عن التشكيل الأساسي: "الموضوع فني بحت" لتجنب قول الحقيقة التي كان يضمرها في عقله.
نزول اضطراري
في زيارة ريال مدريد لسوسيداد، وبعد 5 دقائق من البداية، كان أدان يحصل على بطاقة حمراء، ليضطر مورينيو لإشراك كاسياس الذي تلقى عاصفة من التصفيق فور دخوله الملعب، عاد القائد لمكانه الطبيعي، ورغم انتهاء فترة إيقاف أدان، استمر كاسياس كحارس أساسي، إلى أن تعرضت يده إلى الكسر خلال مواجهة فالنسيا في كأس الملك، ليبتعد القديس اضطراريا عن الفريق.
تسريب مع الرئيس
في اليوم التالي للمباراة، نشرت صحيفة ماركا على غلافها الرئيسي تسريبا حول زيارة كاسياس وراموس ولاعب آخر لزيارة الرئيس بيريز، ووضعوه أمام خيارين: إما مورينيو، أو رحيلهم معا.
دعا بيريز إلى مؤتمر صحفي لنفي ذلك، لكن بذور الفتنة كانت قد زرعت بالفعل في أرض البرنابيو.
لوبيز يسمم الأجواء
في الأيام الأخيرة من الميركاتو الشتوي، تعاقد الريال مع حارس إشبيلية دييجو لوبيز بناء على طلب مورينيو، ليتحول إلى الحارس الأساسي للفريق، رغم عودة كاسياس من الإصابة، إلا أنه اضطر للجلوس على مقاعد البدلاء
لكن بعد الهزيمة من دورتموند والخروج من دوري الأبطال، بدأ مورينيو يصعد من لهجته، موجها نقده للصحافة وكاسياس معا:
"هل سأتصرف بشيء مختلف لو عاد بي الزمن 3 سنوات للخلف؟ كان يجب أن أحضر دييجو لوبيز بعد السنة الأولى..لم نفعل ما يكفي للتوقيع معه..إنه عار حقيقي".
"يحب اللاعبون أن يعاملوا بنفس الطريقة، يريدون مدرباً يدرب برأسه، وإذا حدث ذلك، فلا مشكلة، تحدث المشكلة عندما يعتقد شخص ما أنه فوق البقية".
"الصحافة لا تسافر على متن الطائرة مع الفريق؟ أنا آسف ولكن أعتقد أن هذا صحيح. لا يسمح للصحافة بالدخول في الدورات التدريبية؟ صحيح، أنا لا أضع أطفالك المحبوبين في الفريق؟ صحيح"
بيبي يتصدى لمدربه
بعد كلمات مورينيو تجاه كاسياس، انبرى المدافع البرتغالي للرد على مدربه ومواطنه بالقول:
"هناك حاجة إلى مزيد من الاحترام لإيكر، إنه محبوب للغاية، ما قاله المدرب لم يكن مناسبا، إيكر لاعب ينتمي إلى مدريد، إنه جزء من المؤسسة سواء في هذا النادي أو في منتخب إسبانيا."
أما إيكر فقد أبقى رأسه نسبيًا، منخفضًا، وفضل التركيز على مستقبله:
"مستقبلي في ريال مدريد، لدي عقد مع النادي وأنا هنا منذ أن كنت في التاسعة من عمري، لقد كان فريقي طوال حياتي وهو المكان الذي أريد أن أكون فيه."
ثورة ضد الزعيم
كانت السنة الأخيرة لمورينيو في الريال مليئة بالجدل خارج الملعب، مواجهته مع كاسياس، ثم بعض التصرفات الغريبة الأخرى تسببت في حدوث انقسام في غرفة الملابس، اعترض بعض اللاعبين على طريقة الفريق الدفاعية التي لا تتناسب مع نهج الريال الهجومي، وخسارته لمباريات مهمة، وكانت خسارة الكلاسيكو في نصف نهائي دوري الأبطال، القشة التي قصمت ظهر البعير، والتي تبعت حادثة (إصبع مورينيو).
قال كاسياس خلال تلك الفترة
"بصفتي قائد الفريق، تحدثت إلى زملائي وقررنا أننا لن نلعب، مما يعني أن المباريات الافتتاحية للموسم لن تستمر"
"لقد تركنا انطباعًا رهيبًا، لقد لعبنا بقلبنا وروحنا، لكن الأشياء الأخرى (دس إصبع مورينيو في عين فيلانوفا) كان هذا هو الشيء الذي قد تراه في الأندية المبتذلة، التي تحتاج إلى اللجوء إلى هذا النوع من الأشياء، ونحن لسنا كذلك".
رحل مورينيو عن النادي الملكي في 2013 بعد الفشل بالفوز بدوري الأبطال، لكن كاسياس لم يعد كما كان، ولعب موسمين من الأسوأ في مسيرته، ليغادر البرنابيو باكيا في 2015 تجاه البرتغال لارتداء قميص بورتو، تفرق الخصمان، ولكن معركتهما لم تنته بعد.
ندم كاسياس
أبدى كاسياس ندمه على عدم التصدي لمورينيو من المرة الأولى، وقال في تصريحات عام 2018 خلال ارتدائه لقميص بورتو:
"أعتقد أنه لو حدث الأمر مرة أخرى كنت سأتصدى لمورينيو، في تلك اللحظة اخترت أن أكون هادئا، وظننت أن هذا هو الشيء الصحيح لتكريم قيم ريال مدريد".
وأضاف:
"حدثت جلبه لكي يتنافس مع برشلونة، لكنه أوجد توترا كبيرا بين اللاعبين
هجوم من البريميرليج
بعد أن تسبب حارس المنتخب الإسباني دي خيا في خسارة منتخب إسبانيا أمام كرواتيا 3/2، تم توجيه سؤال إلى مورينيو الذي كان مديرا فنية لمانشستر يونايتد عن مستوى حارس مرمى الشياطين دي خيا، فأجاب بتلميح فاضح تجاه كاسياس:
"هل تعرف لماذا يتم انتقاد ديفيد في إسبانيا تحديدًا؟ ببساطة لأن هناك شخصًا قويًّا، وله علاقات متينة بالصحافة والقنوات، ويسعى للعودة بأي طريقة لتشكيل المنتخب الأساسي على حساب دي خيا، لكنني أظن أن مهمته صعبة للغاية؛ لأنه يواجه أفضل حارس مرمى في العالم بينما هو في سن التقاعد".
لم ينسَ كاسياس هذا التصريح، وانتظر أسابيع قليلة حين تلقى اليونايتد خسارة مذلة من ليفربول بنتيجة 1-3، وغرَّد عبر تويتر:
"أحدهم يقول إن لاعبًا بعمر 37 سنة عليه التقاعد، لكنني أتساءل ماذا عن المدربين؟ متى وعند أي نقطة لا يستطيع المدرب أن يقود فريقه؟"
رد متأخر على تهمة الخيانة
في عام 2020، رد كاسياس على اتهامات مورينيو بالجاسوسية، حيث قال في فيلم وثائقي:
"لقد اتهمني بأنني صديق للصحافة، أعرف أشخاصًا في الصحافة، كيف لا أعرفهم؟ لكن تسريب المعلومات شيء آخر".
"ذكائه ونضجه جعلنا نحترم بعضنا البعض، وبعد ذلك بسنوات استطعنا تنمية صداقة صادقة، إنه حارس مرمى عظيم ورجل عظيم، إنه حارس مرمى تاريخي لريال مدريد ولمنتخب إسبانيا ولكرة القدم العالمية، معه فزت بلقب الدوري، ولقيت معه لحظات صعبة بسبب قراري المحترف وغير الشخصي أبدًا، حينما جعلت زميلا آخر يلعب مكانه".
صفحة تطوى
بعد الوعكة الصحية، تحدث كاسياس عن مورينيو، خلال مقابلة مع شبكة ESPN العالمية، قائلا:
"كثيرون لا يعلمون هذا، ولكن، جوزيه مورينيو كان من أول 3 أشخاص اتصلوا بي للوقوف على حالتي، لقد شاهدت أناسا لم أشاهدهم منذ فترة كبيرة، وهذا يجعلك تفكر في الأمور البسيطة، وتعيش أكثر يوما بعد يوم، وأن تتوقف عن وضع نفسك في عالمك الخاص، ما عليك التفكير به هو ما ستفعله اليوم".
والتقى مورينيو وكاسياس قبل عدة أشهر، خلال منافسات دوري الملوك الذي أطلقه لاعب برشلونة السابق بيكيه، وساد الود والمشاعر لقاءهما وحديثهما، ليغلقا صفحة خلافهما بشكل نهائي.