أعذرني أخي وصديقي البشوش أبداً أمين أحمد عبده أن أزورك وأسأل عنك عبر عمودي هذا، مستميحاً العذر منك لعدم قدرتي ذات العجز المتعدد الوجوه في أن آتيك إلى حيث أنت آنس بجمال روحك وحسن لفظك ودفء مشاعرك، وسامحني إذا تماديت في طلبي منك ان تعتبر زيارتي وسؤالي عنك هي زيارة وسؤال لكل من أعرف وعشت وعايشت من زملاء حرف وفنانين وأدباء وكتاب، لم استطع بسبب عجزي المستشري المتعدد الوجوه الانتقال إليهم وقضاء بعض الوقت معهم أثناء وقوعهم فريسة للمرض.
لعلمي أن هذا سيكون محل تقدير من قبلهم، ولكنه سيظل بالنسبة لي مجرد مجاملات لا تسمن ولا تغني من جوع.
نعم مجرد تقاليد اجتماعية باهتة ليست هي كل ما تحتاجه أنت أو غيرك من المشتغلين في مهنة المتاعب، والذين يحرقون دمهم ويضحون بسعادتهم ويرخصون بذل أجمل أوقات حياتهم وعافيتهم لكي يقدموا للقارئ شيئاً يجعلهم على صلة حب ووئام مع واقعهم ومع أمانيهم وأحلامهم.
هناك الكثير- أخي أمين - من الزملاء المذيعين والفنانين والمسرحيين والشعراء والكتاب من تعرضوا وما يزالون يتعرضون لمختلف أنواع الأمراض، ويظلون يكابدون آلامه وتبعاته عليهم وعلى أسرهم دون أن يحصلوا على حقوقهم بل على أقلها من رعاية صحية ومن حق في العلاج على أقل تقدير.
لقد سئمنا أخي أمين من اظهار التعاطف مع بعضنا البعض والاكتفاء في الشكوى والاستجداء الذي حتى وإن لجأنا إليه فإنه لا يصيبنا منه إلا مزيد من الارتهان والشعور بالغبن والقهر.
فكل شيء اصبح بمقابل، وجلّنا أو معظمنا غير مستعدين لتقديم قيمنا ومبادئنا وواجباتنا ومسؤولياتنا تجاه أنفسنا وتجاه غيرنا للمساومة أو التنازل أو التخلي.
لذا نتذكر، وتذكر أنت تحديداً، كم من الهامات التي تفوقنا تأثيراً ومكانة وفعلاً قد فضلوا الموت على ان يتخلوا عن دورهم وعن أنفسهم.
فلا تبتئس أخي أمين، وكن أول من يلتمس لي العذر في عدم القدوم لزيارتك والاطمئنان عليك، وفي تأخر السؤال عنك بهذه الطريقة المتوفرة لنا، طامعاً ان يتقبلها كل الزملاء الذين ستطول قائمة اسمائهم إذا ذكرناهم ان يكونوا أكثر سخاء في إغفال تقصيري تجاههم، وعدم قدرتي على تحمل أثقال خلو اليد من فعل شيء يخفف عنهم ويساهم في تجاوز ولو جزء من آلامهم ومتاعبهم.