* صاحب المهرتين كذاب ، هذا مثل قديم حكيم ، ينطبق على كل من يقفز على قدراته، ويزاوج بين عملين متناقضين، لكنه لا ينطبق على فقيد الحركة الرياضية (سعد خميس) ..
* يبدو (سعد خميس) إستثناء" حميدا" لمحيط رياضي ، برع فيه وهو يزاوج بين لعبتين ، عشقهما عشقا مبرحا، واختارهما توأم روحه حيا وميتا ..
* اختزن (سعد خميس) أسرار لعبة كرة السلة ، صال وجال في مستطيلها مدربا" ، ثم حكما" دقيقا" في موازينه وقراراته، تماما كما أجاد العزف على غريزته الكروية ، كحكم دولي أولا"، ثم كمحاضر دولي يفسر قوانين وتعديلات كرة القدم بحس شاعر لا ينطق عن الهوى ..
* من يقرأ مشوار (سعد خميس) مع قصة اللعبتين ، تنفتح أمامه أسوار الحكاية فلا يستطيع تفكيك ألغام براعته في اللعبتين ، تماما كما كان حال (تشارلز ديكنز) مع قصة مدينتين ..
* رسم (سعد خميس) معالم لعبتي كرة القدم والسلة، خاض معهما سباقا" مريرا" ، وعندما استوعب أرشيف اللعبتين قانونيا" ، كان عليه أن يختار الواجهة الرسمية التي سيكون سفيرا" لها فوق العادة ..
* وضع الراحل (سعد خميس) قدميه في ملعب (القضاة)، اختار تطبيق العدل ، ورفع بريقه في ملاعب كرة القدم ، ولقد انعكست ثقافته الكروية على شخصيته القيادية، فوهبته حسا لا يعلى عليه في كشف الخطأ ، وفي اختيار المواقع المناسبة التي جعلته يحصي أنفاس الشاردة قبل الواردة ، نقل (سعد خميس) فؤاده حيث شاء بين اللعبتين، لكنه في النهاية اختار حبه الأول (كرة القدم)..
* ربما كان أول وآخر حكم يمني يراهن على ابتسامته الصافية في تحديد مسالك المباريات الصعبة ، وربما كان أول وآخر حكم جنوبي يتوارى عن الإعلام ، ولا يبحث عن أضوائه الزائفة ، كانت إيماءة من مشجع تساوي مليون مادة صحفية معجونة بالإعجاب في نظر الراحل البعيد تماما" عن كل لغات العنف ..
* رحيل (سعد خميس) صاحب المهرتين الناجح خسارة فادحة للكرة اليمنية ، فبرحيله تطوي الرياضة اليمنية صفحة حكم قدير ومحاضر دولي مثير ، طالما كان للقانون سيدا" فوق مستوى الشبهات ..
* أعطى (سعد خميس) الكرة اليمنية زهرة حياته ، ووهبها عمرا" ، يوازي تاريخ كرة القدم اليمنية ، رحل كما عاش فقيرا" معدما" هادئا" في رقة النسيم العليل ..
* فضل (سعد خميس) العيش في محرابه التحكيمي على الستر ، لم يحدث يوما" أن طرق باب وزير عتال ، أو رفع شكوى لجهة حكومية ، كانت البساطة تاجا" على رأسه ، وﻷنه عاش بيننا بسيطا" خفيف الظل ، فقد كان محبوه من البسطاء الذين يقدرون كنوزه في قراءة فلسفة كرة القدم ..
* جاء بعده حكام (بوس الواوا) فاغتصبوا حقوقه وحقوق أبناء جيله ، تسلقوا على كتفه ، ثم تبوأوا مناصبا" رفيعة ، منهم من كان يمسح (جوخ) الشيخ ، ومنهم من ينحني حتى يلامس رأسه الأرض أمام دخلاء قبليين (ما يسووا بيسة) ، وبقي (سعد خميس) مخلصا" لنزاهته وصدقه ومرؤته ..
* مات (سعد خميس) على فراش فقره ، وفي قلبه يسكن كنزا" تحكيميا" فائق الجودة ، رحل عن هذه الدنيا وعبارة الكباتنة اللاعبين (ما حد يكلم سعد) ماركة مسجلة باسم هذا المحاضر القدير ..
* تتساقط القامات (الجنوبية) في صمت ، بعيدا" عن ضوضاء اتحاد كرة مشغول فقط بفقاعات (عيال الخالة)، ووزارة وكلاؤها ومستشاروها بعدد حبات الرز الفيتنامي ، ولن يكون (سعد خميس) الأخير في سلسلة تجاهل ما تبقى لنا من قامات تحتضر على فراشها في صمت ..
* رحم الله الفقيد (سعد خميس) ، موسوعة القانون الدولي في كرة القدم ، وعاشق لعبة السلة حتى النخاع ، رحل عن دنيانا الفانية بهدوء مستفز مخلفا لنا إرثا" تحكيميا" ثريا"، وتاركا" لنا سيرة عطرة ومسيرة عمل رياضية تطبعت بطابع ذلك النحيل حاد النظرات كمثري الوجه ، ناسع القامة ، صاحب الذاكرة الاعصارية التي لا تدود ..
* اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ، ولكن نسألك اللطف بما تبقى لرياضتنا من كنوز ثمينة دفنها الواقع الرديء في قاع الحرمان ، حيث لا حياة لمن تنادي ..!