يسلط تقرير إعلامي مصور حديث، شاهدته قبل أيام على قناة فرانس 24، الضوء على تفاصيل الحياة في عدن كتداعيات لحرب تدخل عامها الرابع في ظل عدم وجود مؤشرات حقيقية لانتهائها.
بدت بعض هذه التفاصيل صادمة على الرغم من كونها حقيقية كما في حالة الطفل اليتيم الذي يأسر ببريق عينيه الحزين قلب من يشاهده، في حين بدا هذا الطفل شجاعاً وهو يحبس دموعه في عينيه الجميلتين اللتين ترنوان إلى المستقبل من خلال نظرة حانية إلى قلب مدينة كريتر، فيما بدت تفاصيل أخرى ساخرة على نحو تراجيدي يكشفها هذا التقرير الشجاع كما في حديث القائد العسكري وبضعة جنود من السودان المتواجدين في جبهة الساحل الغربي ضمن قوات التحالف العربي.
دار نقاش جاد في برنامج قناة فرانس 24 الذي عرض هذا التقرير، لعله يلفت انتباه المجتمع الدولي إلى حقيقة ما يدور في هذه البقعة من الأرض، و بدت الإعلامية والناشطة الجريئة مها السبلاني مُلمّة بتفاصيل ما يحدث و كأنها جزء أصيل من هذه الأرض المنسية في ظل حرب لا أفق لنهايتها.
في الواقع بدت مها السبلاني كأنها تتحدث نيابة عني و عن كثيرين، مُحاولة إقناع العالم بحقيقة ما يجري، لعلهم يلتفتون هذه المرة إلى ما يحدث بضمير حي، ففي الأخير ثمة أناس منهمكون في الصراع اليومي من أجل البقاء على قيد الحياة. نعم البقاء وحسب على قيد الحياة.
قبل ثلاثة أعوام، وتحديداً في 10 - أغسطس - 2015، كتبتُ مقالاً بعنوان: "الحرب الحقيقية في عدن!" ، محاولاً، بضمير حي، أن أحذّر و ألفت الجميع إلى حقيقة ما يحدث و سيحدث لاحقاً ليس في عدن وحدها وحسب بل وفي كل اليمن، قائلاً : ((الجميع مهتم بخوض صراع يومي من أجل البقاء على قيد الحياة. معظم الناس الذين لا علاقة لهم بالسياسة و لا حتى بالقتال مُرغمون على خوض هذا الصراع بغض النظر عن من المتسبب فيه. في الواقع ان الناس - هنا في عدن- الذين يخوضون مثل هذا الصراع ليس بوسعهم التفكير بأمر أخر.
لم يعد أحد مهتماً كما ينبغي بأسباب الحرب التي طالت البشر و الحجر. إنهم - ببساطة- ناس منهمكون في الصراع اليومي من أجل البقاء على قيد الحياة. نعم البقاء وحسب على قيد الحياة.
...
إنّ حجم الدمار الذي خلفته الحرب في عدن هائل فعلاً، بل و كارثي على نحو لم يكن يخطر على بال أحد مطلقاً. و كل هذا لا يشمل معالجة التداعيات النفسية الخطيرة التي دائماً ما تكون نتائج مباشرة لأي حرب: لا أحد يتحدث عن هذه الكارثة الإنسانية التي يتطلب علاجها سنوات طويلة، بل و لا يوجد حتى مركز واحد خُصص لهذا الأمر.
حسناً.. هذه ليست صورة كاملة لحقيقة ما يحدث في عدن. ان معظم الناس الآن يخوضون حرباً من نوع أخر. إنهم يحاولون [الاستمرار في البقاء على قيد الحياة] و هذه هي بالضبط الحرب التي تحدث. إنها الآن الحرب الحقيقية في عدن، و في مناطق أخرى من اليمن بطبيعة الحال.))
الصادم في الأمر يشير إلى أن واقع الساسة الآن يقول: لا أحد مهتم بما يحدث، بدليل استمرار الحرب، و تبدو جهود الساعين إلى توقفها و الانتقال إلى المفاوضات بغية الوصول إلى حل سياسي في اليمن، غير مؤثرة بما يكفي لتنجح في مسعاها.