ذات ليلة من ليالي صيفنا الحارة كالعادة, تواصلنا واتفقنا مع عدد من الاصدقاء زملاء الدراسة والطفولة, على اللقاء عند صديق منهم, بعد ما فرقت بيننا الحياة بمسافاتها وعوائقها, وانشغالاتنا العملية والاسرية, ولان الدنيا بيع وشراء, وتجارة وشطارة, فرضت علينا قناة الجزيرة الرياضية البي ان سبورت, ذلك اللقاء الجميل, لمتابعة كاس العالم بروسيا عبر معلقيها, بعيدا عن القنوات الاجنبية, والشاشات الكبيرة ذات الضوضاء والهرج والمرج الذي لا نحببه ونستسيغه, نحن كبار السن عكس الشباب,
كما قلت فرضت الحاجة أن نجتمع وترجع بنا الذاكرة معها, الى مرحلة الطفولة, ونستعيد شريط الماضي بما فيه من احداث ومواقف جميلة, اختفت وتاهت في زحمة المتغيرات الطارئة على دنيانا, فقبل اربعين عام تقريبا, وفي منطقة يرامس م\ابين كان هناك حدث هام وكبير, ويوما لا ينسى في قريتنا الريفية, والذي لفت انتباه واهتمام الصغار والكبار على السوى, بالذات نحن الاطفال, الذي كنا ننتظر بفارغ الصبر كل يوم, غروب الشمس للذهاب لبيت العم علي ابراهيم لمشاهدة التلفزيون الصغير الذي اشتراه من المدينة, وبحكم انه لا يتعدى حجم شاشته بوصات, وبالأسود والابيض ولا توجد كهرباء في القرية يتم تشغيله عبر بطاريات الاذاعة, كنا نتوافد افرادا وجماعات , اغلب اطفال وصبيان القرية, نتسمر ونتعجب مما نشاهده ونراه ببراءة الطفولة, اصوات نسمعها وصور تتحرك من هذا الجهاز العجيب, كان الحدث كبير والحشد اليومي بالعشرات أناثاً وذكوراً, والعم علي واسرته لم يملوا او يكلوا مننا, تمر الايام والليالي السعيدة,ولا تبدوا عليهم اي مضايقة او انزعاج, كانت قلوبهم سعيدة وواسعة بنا, كاتساع قرينتا ببيوتها واراضيها, كانت العلاقة الاجتماعية بين الناس, قوية ومترابطة, الكل يزور ويعرف
بعض, وان حظر احدهم على الاكل ذات يوما, جلس بينهم يتقاسم الكسرة معهم كأي فرد من افراد الاسرة, مستوى المعيشة عادي وبسيط ولا تكلف فيه, كانت القرية الريفية كأسرة واحدة كبيرة, يفرحوا لبعض ويحزنوا لبعض ايضا, حتى أن حصل خلاف او شجار بين أثنين, سرعان
ما تتطاير أثاره ويختفي, كما يتطاير ذرات الغبار من شدة الرياح, وتعود الامور الى بينهم لسابق عهدها,
أستمر الحال لأشهر, وبدت أغلب الاسر بشراء أجهزة التلفزيون خاصة من لديه اطفال, وبحجم أكبر وبعد أعوام أنتقل من البث العادي للملون, عدت الاعوام تباعا من حياتنا, وفيها من البساطة والعفوية الكثير, حتى أتى زمن وايام بداء الناس رويدا رويدا ينتقلون للمدينة, ويهجرون قريتهم واراضيهم, بحجة العمل والدراسة لأولادهم, وبدت معها تواضع وسماحة عاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية تتبدد وتختفي, واضحت العلاقة المستدامة, لمن تربطهم أواصر قربى او صداقة اقوى,جعلتنا المدينة بزخرفها المادي, واختلاف نسجيها الاجتماعي, كقوالب خشبية بصورة بشر,
نجري ونلهث وراءها, وتموت وتتبدل علاقاتنا ومشاعرنا الانسانية في قلوبنا, لولو أن الجزيرة التي تبيع الصوت والصورة بالمال ولمن يدفع أكثر, جمعتنا ذات ليلة وهذه حسنتها الوحيدة, بعد ما طوى االزمان جزاء كبيراً من نصيبنا فيه, واعادة شريط الذاكرة بنا,, لأيام جميلة لا تنسى او تمحى من حياتنا,