همس اليراع
لم أعرف اسم رئيس الوزراء الجديد ولا صورته، سوى من بعض الظهور المتواضع أثناء جلسات ما عرف بالحوار الوطني في صنعاء، أما ما قيل أنه من شباب الثورة الشبابية فهذا أمر غير يقيني، فقد تابعت شخصياً أحداث هذه الثورة التي تفتحت براعمها منذ يوم هروب الرئيس التونسي المخلوع "بن علي" على مدى ما يقارب سنتين، كما أمضيت أكثر من 7 أشهر من عام 2011م أزور ساحة التغيير في صنعاء ومنصتها الجميلة بشكل شبه يومي، ولم أشاهده ولو لمرة واحدة كما لم يبرز اسمه في بقية الساحات في تعز وإب وغيرهما، ولم يسمع صوته ولو حتى بمكالمة هاتفية مع قناة فضائية أو إذاعة محلية ولا كتب عموداً صحفيا في صحيفة عن الثورة الشبابية السلمية قبل أن تتحول إلى صفقة سياسية بين جناحي نظام عفاش، لكن هذا ليس موضوعنا.
ما نحن بصدده هنا هو ما الجديد الذي يمكن أن يأتي به رئيس الوزراء الجديد ليتميز به عن أسلافه؟ أو لنقل : بتجربة من سيقتدي من أسلافه؟ هل سيتعلم من تجارب فرج بن غانم (رحمه الله) ومحمد سالم با سندوه، وخالد بحاح (أطال الله في عمريهما)؟ أم سيقتدي بتجربتي با جمال وبن دغر (أطال الله في عمريهما) ومن شابههما (مع حفظ الألقاب والرتب) ؟
لا أحد يتوهم أن رئيس الوزراء، أو مجلس الوزراء كله، أو رئيس الجمهورية أو كل هؤلاء مجتمعين هم من يصنع اتجاهات السياسة ومخرجاتها في بلد مثل اليمن، فالأمور تصنع في مكان آخر وما هؤلاء إلا مجرد موظفين بدرجاتهم ومسمياتهم لتنفيذ ما ترسمه مراكز القوى المرئية وغير المرئية التي هي الصانع الخفي لكل ما يعتمل في هذه البلاد، ومن هنا فإن الحديث عما يمكن أن يأتي به رئيس الوزراء يتعلق بكيفية التعامل مع هذه المراكز والحد من ضغوطها والتخفيف من تأثيراتها، وما تجربة المرحوم الدكتور فرج بن غانم مع تلك المراكز إلا دليل من عشرات الأدلة التي يمكن استعراضها هنا لتأكيد التحكم الفعلي لمراكز القوى في صيرورة الأحداف ومخرجات السياسات، فعندما وقف الرجل ليخير مراكز القوى، وزعيمها في ذلك الحين، رئيس الجمهورية السابق، بين التخلص من الفاسدين أو قبول استقالته، فضل هؤلاء قبول الاستقالة والتضحية بكفاءة استثنائية قلما تمتعت البلد بمثلها حفاظا على جماعات الفساد المنتشرة في جميع مفاصل الحكم.
للإخوة أبناء الشمال رهاناتهم في هزيمة المشروع الانقلابي والخروج من هذه الحرب الجهنمية التي أجبرت أغلبيتهم على العيش على أوراق الأشجار، ليزداد أثرياء الحروب ثراء ونحن نشاطر الأشقاء معاناتهم ورهانهم هذا، لكن السؤال المحوري الذي يطرحه الجنوبيون هذه الأيام هو: هل سيجرؤ رئيس الوزراء الجديد على ابتكار مقاربة جديدة متميزة يمكن أن تشكل مدخلا مقبولا يعبر فيها ومن خلالها عن القدرة على الإنصات لصوت الشارع الجنوبي ومطالبه؟ وهل سيتميز رئيس الحكومة الجديد برؤية مختلفة لمأساة الوحدة المغدور بها، والخروج من المعتقدات المهترئة التي ثبت عقمها وتأكد عجزها عن تقديم حل معقول يقبل به ملايين الجنوبيين الذين انسحقوا بنيران الشعارات الجوفا من قبيل "الوحدة أو الموت" أو " الأقاليم الستة هي الحل" وهي شعارات أكدت الأحداث أنها لا تعيش إلا في عوالم الفانتازيا المتعالية التي لا وجود لها إلا في عقول وقلوب من صمموها؟
أسئلة كثيرة تنتظر الرد عليها من خلال الأفعال والمواقف والقرارات وليس من خلال الخطب والتغريدات والتصريحات التي مل الناس سماعها في الشمال والجنوب على السواء.
وإذا كان قد قيل آلاف المرات " إن القضية الجنوبية هي مفتاح الحلول لمعضلات اليمن" فعلى رئيس الحكومة الجديد أن يدرك، ولو نظريا: أن هذه القضية لا تحل من خلال المغالطات وحركات الفهلوة السياسية والخدع البصرية والألعاب البهلوانية، فالوقائع بعد العام 2015م لم تعد كما كانت قبله، والشعب الجنوبي قد شب عن الطوق، ولم تعد تنطلي عليه تلك العبارات المطاطة والجمل الزئبقية، والمنطق العقلاني يقول أن الاستماع لصوت الناس ليس عيبا ولا مأخذا على صاحبه بل إن العيب هو تجاهل هذا الصوت والإصرار على التمسك بهراءات لم يعد يؤمن بها حتى الذين ابتكروها.
وإن غداً لناظره قريب